أين مصالحنا نحن وكيف نحققها وأمامنا تجارب عديدة في العالم من خلال الصراعات واحتلال الدولة ، ولعل المراحل الاستعمارية التي مرّت على بلادنا خير مثال على ذلك .
نتحدث عن التدخل الأجنبي الذي حدث في 2011 من خلال تحرك حلف الناتو الذي لعب الدور الأساسي في إسقاط النظام السابق ، ولاننسي التحرك الشعبي في عدة مدن ليبية الذي شارك في إسقاط النظام ..
لقد تعهدت الدول المتدخلة بمساعدة الليبيين في بناء دولة ديمقراطية والقانون والمؤسسات ، ومع مرور 12 عاما ولم تستقر الدولة بل شهدت أحداثا دامية وانقسامات وانتشار السلاح والمرتزقة وتدخلت عسكرية .
ولم يستفاد من الانتخابات التي أجريت مرتين بل عمّقت الخلافات وأفرزت مراكز قوى وأطرافا متصارعة ..
وحدث ذلك أمام أنظار المجتمع الدولي الذي عمل على إدارة الأزمة وتجاربه كثيرة في عديد الدول ، وهذا ما أصبح واضحا لليبيين .
ويرى الكثيرون من الليبيين بأن التدخلات الاقليمية والدولية زادت وتقاسمت الأدوار أمام غياب واضح لليبيين ناهيك عن الأطراف الليبية التي تتحالف معه خدمتا لمصالحهم .
ومن الواضح بأن الملف الليبي يديره سفراء دول الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا، وليس كما يعتقد البعض بأنه امام السلطات العليا في تلك الدول والتي تنشغل بملفات وقضايا دولية تخص الصين وروسيا الاتحادية
بالإضافة الممنوح لدول الاقليمية كالدور المصري والتركي والقطري والاماراتي والجزائري .
أين الدور والقرار الليبي
من الملاحظ بأن الهوّة واضحة بين الليبيين والأطراف الموجودة في المشهد والممثلة في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والحكومتين والقيادة العامة ، تتداول فيما بينها تتفق تارة وتختلف تارة في إطار مصالحها..
لا وجود فاعل للأحزاب سواء حزب العدالة والبناء والتحالف الوطني والجبهة الوطنية .
وعلى الرغم من انشاء أحزاب جديدة الا انها تعاني من ضعف الأداء والتنظيم بسبب قلة الخبرة وعدم وجود أحزاب طيلة 42 عاما ، علما بأن أول قانون صدر في ليبيا منذ عام 1964
ولم يتم الاستفتاء على الدستور الذي وضع في الإدراج منذ 2017 ، بل أخذ منه ما يخصّ الانتخابات من طرف مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة ،وقد وجد ذلك اعتراض من الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور ، التي طالبت بالاستفتاء عليه اولا وقبل إجراء الانتخابات !
المراحل الانتقالية
اعتمدت الأمم المتحدة من خلال إدارتها للملف على تعيين مبعوثين أممين لتقديم الدعم ، تثار حولهم الشبهات والشكوك في تبعيتهم للولايات المتحدة وبريطانيا ودول اقليمية . ناهيك عن انعدام الثقة الشعبية ، لأن تجارب فشلهم واضح في عديد الدول التي تعرضت لازمات ،فتجدد الشارع يقول :
" ما من دول تدخلها الأمم المتحدة الا وفشلت وزادت من أزماتها "
ويضربون الأمثال في فشلها بالعراق وافغانستان والسودان لبنان..
فقد بلغ عدد المبعوثين منذ 2011 وخلال الـ 12 عاما ثمانية مبعوثين ، لعل أهم انجاز كان خلال فترت " مارتن كوبلر " في اتفاق الصخيرات 17 ديسمبر الذي أنهى الحرب الأهلية التي اندلعت في 2014 .
اما رئيسة البعثة الأممية بالانابة بعد استقالة المبعوث " يان كوبيش " ، فقد استطاعت إدارة ملتقى الحوار الذي ضمّ " 75 " عضوا ، وتوجّ ذلك باختيار المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية في 10 مارس 2021 ، وقد سبق ذلك وقف لاطلاق النار في اكتوبر 2020 .
وقد نالت حكومة الوحدة الوطنية الثقة بأغلبية أعضاء مجلس النواب ، وكان لعامل المحاصصات دور كبير من أجل ارضاء مجلس النواب لنيل الثقة وبقية الأطراف في المشهد السياسي. مما يعكس الواقع السياسي المتردي ، والذي لن ينتج حلول نحو ارساء أسس الاستقرار وبناء الدولة ، واستمرت الأزمات والسجالات والخلافات ، وأهمها الخلاف بين الحكومة ومجلس النواب ، وتشكيل حكومات موازية وما ينتج عنه خلافات وتداعيات اقتصادية ومالية على الدولة .
أيضا عدم التزام واحترام الحكومة والمؤسسات السيادية بقرارات السلطة التشريعية ، والذي يدل على غياب الثقة بينهما .
الانتخابات
يبدو أن الانتخابات وتداول السلطة في ليبيا هو مجرد شعارات ووعود لن تتحقق . فأهم الاشتراطات أو الأولويات لم تتحقق وان أجريت الانتخابات فسوف تكون كسابقاتها، ومزيدا من الازمات والتعقيدات .
شعبيا لم تنتج الانتخابات سوى الخيارات القبلية والجهوية والمناطقية، والتي يفتقد بعضها للعمل النيابي ومتطلبات المرحلة ، وهذا واضح لدى الناخبين الذين عبّروا عن غضبهم وندمهم للتصويت لهم ..
عقد الليبييون آمالهم في انتخابات 24 ديسمبر 2021 ، والتي حددت بالتزام دولي ، وشهدت إقبال الذين سجلوا بكثافة وصلت لـ 2.800 مليون ناخب ، وعدد" 5000 " مرشح للبرلمان و "100" مرشح رئاسي ..
وفي الوقت الذي تتوجه فيه الأنظار لإجراء الانتخابات ، تفاجأ الليبيون باعلان "القوة القاهرة " والغاء الانتخابات ، ويعتقد بأن الولايات المتحدة وبريطانيا ضغطوا لكي لا تجرى الانتخابات .
ويرى البعض بأن دخول مرشحين "كسيف الإسلام القذافي " الذي اجازت المحكمة ترشحه للرئاسة ، هو السبب في ذلك .
نعتقد بأن أهم الأولويات التي تسبق إجراء الانتخابات والدستور ، هو تحقيق" المصالحة الوطنية " من خلال حل الملفات العالقة نتيجة الاقتتال الذي أثناء الحروب بين المناطق ، والتشكيلات المسلحة والتي المنطلق الأول في الحل ، واقرار العدالة الانتقالية وصولا لطي الملف وتم تبدأ صفحة جديدة وعودة الثقة ، عند ذلك يمكن التركيز الاستفتاء على الدستور واجراء الانتخابات.
الخيارات المتاحة أمام الليبيين
ان لم تتحقق المصالحة الوطنية فليس امام الليبيين سوى الخروج للشارع والمطالبة بأنهاء هذه الاجسام السياسية التي سلبت الارادة ،
فمن غير المعقول ان يسكت الشارع الذي سجّل في الانتخابات لكي يتم القفز على أرادته ولا احد يحرك ساكنا ..
فالأمر يتطلب طرح تساؤل :
هل ننتظر من المجتمع الدولي التدخل وتحريضا على الخروج ، ولربما يستغربون ويتسألون عن صمتنا وسلبيتنا .
فالحل لدى الليبيين الذين يستطيعون إجبار الدول المتدخلة في البلاد على احترامه ارادته التي تصدر عنه ولن تبني الدولة في ظل غياب شعبها ، الذي يتقاسم المعاناة والأزمات وان نضع أمامنا بأن ليبيا لن تقف على احد ، وأن ماحدث طيلة هذه السنوات ال 12 لا يمثل بعدما فهمنا مايدور حولنا داخليا وخارجيا الصراعات الدولية وتضارب المصالح ،كل ذلك يحتم علينا الاستفادة من ذلك نحو ليبيا جديدة !!