Print this page

ما بعد انسحاب لجان التحكيم: أيام قرطاج السينمائية أمام اختبار الاستقلالية !

لم يكن غياب لجان التحكيم عن حفل اختتام

أيام قرطاج السينمائية 2025 حادثا عابرا، ولا تفصيلا بروتوكوليا يمكن تجاوزه بتبريرات تنظيمية. لقد فضح هذا الغياب خللا في العلاقة بين السينما والمؤسسة، وبين الفعل النقدي والسلطة الإدارية داخل أعرق مهرجان سينمائي عربي وإفريقي.

ما حدث في دورة 2025- كما توضحه الوقائع المعلنة- هو أن هذا الدور جرى تحييده في لحظة مفصلية. وقد مُنعت لجان التحكيم من الصعود إلى المنصة، ومن تلاوة تقريرها. كما تم إحداث جائزة خارج النظام الداخلي المعتمد وهي جائزة التانيت الشرفي.
عضو التحكيم إبراهيم اللطيف يُراسل رئيس الجمهورية

تاريخيا، لم تُبعث أيام قرطاج السينمائية كمجرّد تظاهرة للعرض أو فضاء للاحتفال، بل كمشروع ثقافي واضح ينهض على الدفاع عن سينما الجنوب وإعلاء قيمة الالتزام، ومنح النقد موقعا مركزيا داخل الفعل السينمائي. ولجان التحكيم، في هذا السياق، ليست هيئة شكلية إنما هي ركيزة أساسية في إنتاج المعنى، وفي ربط الجائزة بخطاب جمالي وفكري مسؤول.
بعد ساعات فقط من اختتام أيام قرطاج السينمائية، توّجه إبراهيم اللطيف المخرج التونسي والعضو في إحدى لجان تحكيم أيام قرطاج السينمائية برسالة إلى رئيس الجمهورية تحت عنوان "حماية صورة تونس الثقافية والإطار المؤسساتي لأيام قرطاج السينمائية". وفي عودة على الانسحاب الهادئ للجان التحكيم ، أوضح إبراهيم اللطيف في رسالته ما يلي : ما جرى خلال حفل الاختتام يستوجب، بكل احترام، وقفة تأمل وتوضيح على المستوى المؤسساتي.فقد تعذّر على لجان التحكيم الرسمية، التي كنت أحد أعضائها، الصعود إلى المنصة وأداء دورها العلني في لحظة الإعلان عن النتائج، وذلك في سياق اتسم باتخاذ قرارات تنظيمية وبروتوكولية خارج الإطار المعتاد والمعتمد. كما تمّ، في نفس المناسبة، تعديل برنامج حفل الاختتام، إلى جانب إحداث جائزة غير منصوص عليها في النظام الداخلي الرسمي للمهرجان، وهو ما وضع لجان التحكيم في وضعية لم تعد تسمح لها بتحمّل مسؤولياتها الفنية وفق القواعد المعمول بها."
وفي خاتمة رسالته اعتبر المخرج التونسي "أنّ حماية أيام قرطاج السينمائية، واحترام نظامها الداخلي، وصون توازناتها المؤسساتية، ليست مسألة قطاعية، بل هي جزء لا يتجزأ من حماية صورة تونس ومكانتها الثقافية في العالم".

رئيسة لجنة التحكيم الدولية تكشف الكواليس

من منظور نقدي، فإنّ الجوائز حين تُمنح دون تفسير أو تبرير، تُفرغ من بعدها النقدي وتتحوّل إلى علامات احتفالية لا أكثر. والأسوأ من ذلك، أن تغييب صوت لجنة التحكيم يخلق انطباعا بأن القرار الفني قابل للتجاوز أو الاستبدال، وهو ما يتناقض مع أبسط أعراف المهرجانات الدولية.
في هذا السياق يأتي البلاغ الصادر عن رئيسة لجنة التحكيم الدولية الفلسطينية نجوى النجار ليكشف كواليس ما جرى يوم الاختتام. وقد جاء فيه: "شاهدت لجنة التحكيم الدولية الأفلام على مدى خمسة أيام بكل عناية وإحساس عالٍ بالمسؤولية. ناقشنا وتفكّرنا وتبادلنا وجهات النظر بعمق، واستغرقت مداولاتنا النهائية أكثر من ست ساعات. وقد خصّص كل واحد منا وقتا بعيدا عن حياته وعمله وأسرته (دون أي مقابل مادي—للتوضيح، نظرا لبدء تداول شائعات) من أجل تكريم السينما وتقييم الأفلام بعدل ووعي. كتبنا جماعيًا حيثيات واضحة تشرح أسباب اختيار أفلام بعينها، وقدمنا القائمة النهائية إلى إدارة أيام قرطاج السينمائية قبل يوم من حفل الختام."
وتقول رئيسة لجنة التحكيم الدولية أنه بعد استنفاذ كل محاولات تغيير قرار إدارة أيام قرطاج السينمائية الذي ارتأى بأن الأفلام الفائزة سيتم الإعلان عنها وتسليم جوائزها من قبل أشخاص غير أعضاء لجنة التحكيم، لم يكن أمام لجنة التحكيم سوى اتخاذ قرارا بالغ الصعوبة بالإجماع بعدم حضور حفل الاختتام.
إنّ انسحاب لجان التحكيم من حفل الاختتام لم يكن فعل قطيعة، بقدر ما كان التزاما ووفاء بأنّ الحضور الشكلي أخطر من الغياب الواعي. ما حدث من ارتباك هز صورة أيام قرطاج السينمائية في حفل اختتام الدورة 25 ، يفتح باب السؤال : هل تُدار المهرجانات باعتبارها مؤسسات مستقلة ذات قواعد واضحة، أم باعتبارها واجهات رمزية قابلة للتعديل وفق الظرف وضغط أطراف تمتلك القرار؟

المشاركة في هذا المقال