الخامسة عشرة لاندلاع أحداث الثورة في مناخ سياسي واجتماعي متوتر، وقد أصدر رئيس الجمهورية قيس سعيّد عفوا رئاسيا شمل الإفراج عن 2014 سجينا، إلى جانب تمتيع 674 سجيناً إضافياً بالسراح الشرطي، كما أمضت مؤسسة فداء، أمس 6 اتفاقيات تعاون مع عدد من الهياكل العمومية، بالتوازي مع تصاعد مواقف سياسية ومدنية متباينة، بين دعوات إلى وحدة وطنية على قاعدة السيادة والعدالة الاجتماعية، وانتقادات تعتبر أن جوهر الأزمة لا يكمن في الثورة نفسها بل في السياسات والخيارات التي أعقبتها، وهو ما أعاد طرح أسئلة الإصلاح والتنمية والحوكمة، خاصة في الجهات التي انطلقت منها الثورة وما تزال تعاني التهميش بعد خمسة عشر عاماً من التحولات السياسية.
جدّدت جمعية 17 ديسمبر بسيدي بوزيد تمسكها بمكاسب الثورة، ورفضها لكل محاولات تحميلها مسؤولية الإخفاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها البلاد خلال السنوات الماضية، وأكدت الجمعية، في بيانها، أن الثورة لم تكن خطأ تاريخيا، بل كانت صرخة شعب ضد التهميش والظلم والفساد والاستبداد، معتبرة أن ما آلت إليه الأوضاع اليوم هو نتيجة خيارات وسياسات معينة وتعطل مسار الإصلاح، لا بسبب الثورة في حد ذاتها. وسلط البيان الضوء على استمرار معاناة سيدي بوزيد من البطالة والفقر وضعف الخدمات الأساسية، رغم مرور 15 سنة على اندلاع الثورة، معتبرا أن الجهة لم تنل نصيبها من المشاريع والاستثمارات العمومية الكفيلة بتلبية انتظارات متساكنيها.
تحمل المسؤولية
ودعت جمعية 17 ديسمبر بسيدي بوزيد السلطات إلى تحمل مسؤولياتها في معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالجهة، مؤكدة أن الثورة خيار شعب وإرادة لا يمكن التراجع عنها، وأن التمسك بأهدافها في الحرية والكرامة والعدالة يظل السبيل لضمان مستقبل أفضل للأجيال. وضعت الهيئة المديرة للمهرجان الدولي 17 ديسمبر 2010 الدورة الحالية تحت شعار "17 ديسمبر...صوت الحرية"، انطلقت فعالياتها أمس الثلاثاء 16 ديسمبر الجاري بتنشيط ساحة الشهيد محمد البوعزيزي، فيما سيشمل برنامج اليوم الأربعاء 17 ديسمبر تحية العلم وإطلاق 17 طلقة في الهواء، بالإضافة إلى حفل ملتزم بساحة البوعزيزي لفرقة أحباء الشيخ أمام بتاجروين، ودورة 17 ديسمبر لكرة السلة، وحفلا فنيا لفنان الراب "سنفرا" بمسرح الهواء الطلق بسيدي بوزيد.
إمضاء 6 اتفاقيات تعاون
هذا وبمناسبة إحياء الذكرى الخامسة عشرة لثورة 17 ديسمبر، أمضت مؤسسة فداء أمس 6 اتفاقيات تعاون مع كلّ من وزارة الصحة، ووكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية والوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل ووكالة النهوض بالصناعة والتجديد والوكالة التونسية للتكوين المهني، إضافة إلى الغرفة الوطنية لهياكل التكوين المهني الخاص . وأوضح رئيس مؤسسة فداء، أحمد جعفر، أن خمس اتفاقيات تتعلق بهياكل التمويل والدعم لفائدة أصحاب المشاريع من منظوري المؤسسة، في حين تهدف الاتفاقية المبرمة مع وزارة الصحة إلى إعداد بطاقات علاج وإرساء منظومة خاصة للتعهد بجرحى الثورة وعائلاتهم، وبعائلات شهداء الاعتداءات الإرهابية داخل المستشفيات العمومية. كما أكد جعفر أن هذه الاتفاقيات تندرج ضمن مقاربة جديدة تعتمدها المؤسسة باعتبارها مؤسسة وطنية تسعى إلى رد الاعتبار وتكريس ثقافة الوفاء لمن ضحّوا من أجل تونس، مشيرا إلى أن عدد المنتفعين من خدمات المؤسسة بلغ حالياً نحو 2900 منتفع، وهو رقم مرشح للارتفاع. كما أعلن عن إعداد مشروع "سجل وطني لشهداء الثورة" يكون مرجعا توثيقيا لحفظ الذاكرة الوطنية وتثمين تضحيات الشهداء واستلهام المعاني من مسيرتهم التي استشهدوا خلالها.
مؤتمر من أجل وحدة وطنية
وفي السياق ذاته دعت حركة تونس إلى الأمام، في بيان أصدرته بمناسبة ذكرى الثورة، إلى التفكير الجدي في عقد مؤتمر من أجل وحدة وطنية، يكون أساسه السيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية، وذلك في ظل المتغيرات الدولية المتسارعة، وعلى قاعدة أهداف 25 جويلية باعتبارها، في أبعادها، استئنافاً للمسار الثوري. وأكدت الحركة تمسكها بخيار التحرر الوطني ورفضها لكل أشكال التدخل الخارجي، داعية إلى مراجعة اتفاقيات الشراكة الممضاة مع الاتحاد الأوروبي. كما طالبت بالتطبيق الفعلي لدستور 2022، خاصة في ما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والمدنية والسياسية، وباستكمال إرساء المؤسسات الدستورية، من بينها المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء. وشدد البيان على ضرورة توسيع دائرة التشاور وتشريك الأحزاب والمنظمات الوطنية، داعياً في الوقت نفسه إلى إلغاء المرسوم 54 وإطلاق سراح المحاكمين بموجب الفصل 24، واعتماد سياسة اتصالية أكثر شفافية، إلى جانب التفكير في بناء تحالف وطني ديمقراطي لمواجهة ما وصفته بـ«منظومة 24 جويلية».