Print this page

إقرار مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني مساع لتثبيت الدور العسكري الأمريكي في أوروبا والعالم

أقرّ مجلس النواب الأمريكي يوم أمس مشروع قانون

تفويض الدفاع الوطني لعام 2026، والذي يشكل الإطار التشريعي الأهم لتحديد الإستراتيجية العسكرية الأميركية للعام المقبل. هذا القانون، الذي يتجاوز ثلاثة آلاف صفحة ويتضمن ميزانية تتخطى 900 مليار دولار، ويعكس توجها صريحا من الكونغرس نحو تثبيت الدور العسكري الأمريكي في العالم، وخصوصا في أوروبا، رغم الإشارات المخالفة التي صدرت مؤخرا عن البيت الأبيض.
فبينما دفع الرئيس دونالد ترامب بإستراتيجية أمن قومي جديدة تنقل التركيز الأمريكي إلى الجوار الإقليمي وتحذر من ''انهيار الحضارة الأوروبية''، يأتي مشروع الدفاع الذي صاغه نواب الديمقراطيين والجمهوريين ليقف في الاتجاه المعاكس تماما. إذ يمنع القانون وزارة الدفاع من خفض عدد القوات المنتشرة في أوروبا إلى ما دون 76 ألف جندي دون مبرر رسمي أمام الكونغرس، وهو ما يعني عمليا أن السلطة التشريعية تسعى لربط أيدي الإدارة في أي محاولة لإعادة رسم التواجد العسكري الأمريكي خارج حدودها.
ووفق مراقبين فإن ما يكشفه هذا التصادم بين المؤسستين التنفيذية والتشريعية هو أن واشنطن ليست بصدد نقاش استراتيجي عابر، بل مواجهة رؤيتين مختلفتين للعالم ولدور الولايات المتحدة داخله. فترامب يتبنى توجها أكثر حذرا، حيث يضع الأولوية في الداخل ويُصوّر أوروبا كعبء استراتيجي، بينما يرى الكونغرس أن الانسحاب من القارة العجوز سيترك فراغا جيوسياسيا خطيرا قد تستفيد منه روسيا أو الصين، وربما يؤدي إلى اهتزاز البنية الأمنية التي قامت عليها العلاقات الأطلسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وتم يوم أمس إقرار المشروع بأغلبية 312 صوتا مقابل 112 مما يعكس أن هذا التوجه يحظى بدعم واسع داخل المؤسستين الحزبيتين، رغم الانقسامات الداخلية الحادة في الملفات الأخرى. ومع انتقال المشروع إلى مجلس الشيوخ، يُفترض أن يتم اعتماده قبل نهاية العام، ما سيجعله قانوناً ملزماً لأي خطة دفاعية تتبناها الإدارة.
كما يعبّر هذا التوجه، وفق متابعين، عن خشية عميقة من أن يؤدي الانسحاب الأمريكي – ولو جزئيا – إلى اهتزاز الثقة الأوروبية في واشنطن، وميل بعض الدول إلى بناء ترتيبات أمنية مستقلة قد تُضعف حلف الناتو. ولهذا يتعامل الكونغرس مع الوجود الأميركي هناك ليس باعتباره عبئا، بل كاستثمار طويل الأمد لحماية المصالح الأميركية قبل المصالح الأوروبية نفسها.
قلق أوروبي
أما في الجانب الأوروبي، فقد أثارت إستراتيجية ترامب الجديدة قلقا واسعا، لأنها توحي بأن الإدارة تميل إلى فك الارتباط التدريجي مع الحلفاء التاريخيين. ولذلك، ينظر كثيرون في أوروبا إلى خطوة الكونغرس باعتبارها صمام أمان مؤقتاً يمنع حدوث تغييرات مفاجئة في بنية الحماية الأميركية التقليدية.
يبدو أن الولايات المتحدة تعيش اليوم صراعا داخليا حول هويتها العالمية ، وهل هي قوة كبرى مستعدة للانخراط في حماية النظام الدولي، أم دولة تُعيد ترتيب أولوياتها على قاعدة الانكفاء.
إذ يرى البعض أن هذا القانون يعكس أن واشنطن، رغم تغير مزاج الإدارة، ليست مستعدة بعد للتخلي عن دورها الأطلسي، وأن الصراع بين توجه البيت الأبيض ورؤية الكونغرس قد يكون مقدمة لمرحلة أكثر اضطراباً في السياسة الخارجية الأمريكية خلال السنوات المقبلة.

 

المشاركة في هذا المقال