Print this page

اليوم يتسلم جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في دبي: المؤرخ عبد الجليل التميمي يُكافأ على عمر من الفكر

طيلة مسيرة علم وبحث، تفكير وتأريخ... سعى الدكتور

عبد الجليل التميمي إلى تأريخ ما نُسي، وتحليل ما أُقصي، والدفاع عن هوية مغاربية ظُلمت في سرديات التاريخ الرسمي. كتب عن الموريسكيين، عن العلاقات العثمانية - المغاربية، عن شخصيات منسية وأخرى ملتبسة. وفي مؤلفاته التي تجاوزت الثلاثين، حاول الحديث عن تاريخ متناسق مع روح الشعوب. اليوم، وقد تجاوز الثمانين، يُنظر إلى عبد الجليل التميمي كأحد أعمدة الفكر التاريخي العربي. وفي اعتراف بقيمته العلمية، تُوّج المؤرخ والمفكر التونسي الدكتور عبد الجليل التميمي بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في دورتها التاسعة عشرة (2024 – 2025).

يتسلم اليوم الخميس 13 نوفمبر الجاري الدكتور عبد الجليل التميمي بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في دبي . وكانت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية قد أعلنت في مطلع شهر جوان الفارط عن أسماء الفائزين في الدورة التاسعة عشرة لعام 2025، وهم المؤرخ التونسي الدكتور عبد الجليل التميمي (الدراسات الإنسانية والمستقبلية) و الشاعر العراقي حميد سعيد (الشعر)، والروائية العراقية إنعام كجه جي (القصة والرواية والمسرحية)، والناقد المغربي الدكتور حميد لحمداني (الدراسات الأدبية والنقدية).

نموذج للتوثيق التاريخي

نال الدكتور عبد الجليل التميمي جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية عن حقل الدراسات الإنسانية والمستقبلية، وذلك تكريما لريادته في مجال الدراسات العثمانية والموريسكية، وإسهاماته الفارقة في ترسيخ علم الأرشيف والمعلومات في العالم العربي، وتأسيسه بنية بحثية ومؤسساتية لا تزال تشكل مرجعا فكريا للباحثين والمهتمين بتاريخ المنطقة وذاكرتها.
وبعد أن فاز بها أكثر من تونسي في أكث من اختصاص على غرار هشام جعيط وعزالدين المدني ومحمد لطفي اليوسفي وحمادي صمود وعبد السلام المسدي... حاز الدكتور عبد الجليل التميمي على جائزة سلطان العويس الثقافية تتويجا لمسيرة علمية قاربت الستة عقود، سعى فيها الدكتور التميمي إلى استعادة الصفحات المغيّبة من التاريخ العربي الإسلامي.
ولأنّ "أعماله تعتبر نموذجا للتوثيق التاريخي المستند إلى القواعد الجديدة في الكتابة التاريخية"، فاز المؤرخ والمفكر التونسي عبد الجليل التميمي بجائزة العويس الثقافية للدراسات الإنسانية المستقبلية في دورتها التاسعة عشرة.

وكان الأمين العام لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية عبد الحميد أحمد قد قال :"إنّ اللجنة قررت منح جائزة الدراسات الإنسانية والمستقبلية للباحث عبد الجليل التميمي، وهو أحد أبرز المؤرخين العرب المعاصرين، وتمثل أعماله البحث التاريخي كما جرى تطويره في الفكر المعاصر، إضافة إلى تنوع مجال اهتمامه التاريخي، حيث انصبت أعماله على دراسة تاريخ الموريسكيين في الأندلس، وتاريخ الولايات العربية في العهد العثماني، وتاريخ تونس المعاصر.

اهتمام بتاريخ العثمانيين والموريسكيين

من القيروان، المدينة التي عرفت أولى إشراقات الحضارة الإسلامية في شمال إفريقيا، خرج عبد الجليل التميمي حاملا معه هاجس المعرفة وشغف التاريخ. لم يكن مجرد مؤرخ كلاسيكي يوثق الأحداث، بل كان صاحب مشروع ثقافي علمي امتد لعقود، باذلا عمره في سبيل إعادة كتابة التاريخ العربي المغاربي وربطه بامتداداته المشرقية والعثمانية.
وُلد التميمي في 21 جويلية 1938، وتلقّى تعليمه الأول في تونس، قبل أن يشدّ الرحال إلى بغداد، ثم إلى فرنسا حيث نال أول دكتوراه دولة في التاريخ الحديث تُمنح لتونسي، من جامعة إيكس أون بروفانس عام 1972. ومن هناك، بدأ مشروعه العلمي الذي لم يعرف التوقف.
في السبعينيات، كان وجها مألوفا في الأوساط الأكاديمية، مديرا للأرشيف الوطني، وأستاذا جامعيا ثم أستاذ كرسي في جامعة تونس. لكنه لم يكتف بالمسار الأكاديمي التقليدي، بل انطلق نحو تأسيس بنية مؤسساتية علمية متكاملة، لعل أبرزها مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، والمجلة التاريخية المغاربية، والمجلة العربية للدراسات العثمانية. ومن خلالها، أنتج، ووثّق، وجمّع الباحثين العرب من مشرقهم ومغربهم حول طاولة البحث المشترك.
مثّل التميمي تونس والعالم العربي في أبرز الهيئات الدولية، منها اليونسكو، المجلس الدولي للأرشيف، والأكاديمية التركية للتاريخ. ونال أوسمة وجوائز عالمية، منها وسام الفنون والآداب الفرنسي، وجائزة الأمير كلاوس الهولندية، والدكتوراه الفخرية من جامعة إسطنبول.

قيمة الجائزة 150 ألف دولار

قدّم الفائزون بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في مختلف فروعها، مساء الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 شهادة عن مسيرتهم العلمية والبحثية في مقر مؤسسة العويس الثقافية في دبي.
وتكريما للفائزين، تم رسم لوحات بورتريه لكل فائز بريشة رسامين مرموقين، حيث رسم الفنان بابو رام شاندرا صورة المؤرخ الدكتور عبد الجليل التميمي، ورسم الفنان علي المعمار صورة الشاعر حميد سعيد، ورسم الفنان فواز أرناؤوط صورة الروائية إنعام كجه جي، ورسم الفنان محمد حسين صورة الناقد الدكتور حميد لحمداني.
مساء اليوم الخميس ستوقد الأضواء وأنوار العلم والمعرفة والإبداع في فندق إنتركونتننتال بدبي احتفاء بالمتوجين بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية. كما تقدم على هامش التكريم أوركسترا أكاديمية الفجيرة للفنون الجميلة حفلا موسيقيا مستلهما الموسيقى العربية الأصلية.
يذكر أن هذه الدورة من جائزة العويس الثقافية، تحتّل أهمية خاصة لكونها تتزامن مع مئوية الشاعر سلطان بن علي العويس، وتم فيها رفع قيمة الجائزة لكل فائز إلى 150 ألف دولار. ولعل ما يضفي على هذه الجائزة بُعدا رمزيا خاصا هو اسمها المرتبط بالشاعر والمثقف الإماراتي سلطان بن علي العويس (1925 – 2000). وقد أوقف سلطان العويس جزءا من ثروته لتأسيس جائزة ثقافية باسمه، تطوّرت لاحقا إلى مؤسسة العويس الثقافية لتصبح إحدى أرفع الجوائز الثقافية في العالم العربي، وتكرّم سنويا نخبة من الأدباء والمفكرين العرب الذين أثروا المشهد الثقافي بإنتاجهم النوعي.
وبدورها تحتل تونس مكانة ورمزية خاصة في قائمة جائزة سلطان بن علي العويس بتتويج المفكر عبد الجليل التميمي الذي قضى حياته في خدمة الذاكرة التاريخية المغاربية، وفي نسج الحوار المعرفي بين الضفتين.

 

المشاركة في هذا المقال