أن يزاوجن بين الحرف اليدوية والفنون الجميلة بخيوط الابتكار، ليقدمن لوحات آسرة تعكس نبض التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية في تلك المرحلة. تتنوع الأعمال بين ثيمات الهوية والذاكرة والمكان والمنفى والتقاليد والتجديد... مما يقدّم قراءة بصرية جديدة وعميقة لتاريخ الفن العربي المعاصر خلال حقبة فارقة من القرن العشرين.
افتتح مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) عن افتتاح معرض "الأفق في أيديهن: فنانات من العالم العربي (ستينيات - ثمانينيات القرن العشرين)" بالتعاون مع مؤسسة بارجيل للفنون الرائدة والمتخصصة في جمع واقتناء الأعمال الفنية المعاصرة من جميع أنحاء العالم العربي، وذلك داخل صالات متحف إثراء، ويستمر حتى 14 فيفري 2026.
احتفاء الإبداعات النسائية المغيبة
هي أعمال فنية إبداعية لـ 50 فنانة عربية تشهد على حقبة مهمة من التاريخ المعاصر وتتناول موضوعات الوطن والمهجر والذاكرة والهوية... اجتمعت تحت سقف واحد في صالات متحف "إثراء" تحت عنوان "الأفق في أيديهن".
في تعريف بالسرديات والإبداعات النسائية المغيبة في تاريخ الفن العربي يعكس معرض "الأفق في أيديهن" رسالة إثراء في بناء منظومة ثقافية تحفظ الإرث وتُعزز الأصوات المتنوعة، وتُلهم حوارا متصلا بين الماضي والحاضر والمستقبل، وفقا لرئيسة متحف إثراء فرح أبو شليح.
من خلال تسليط الضوء على مساهمات 50 فنانة من أنحاء العالم العربي قدمّن للجمهور أعمالا فنية إبداعية أعادت تعريف الفن من جديد، قال "رامي حمص"، قيّم معرض "الأفق في أيديهن" ومؤسسة بارجيل للفنون: "إنّ المعرض يقدّم لمحة معمقة عن المقاربة التي صنعها هؤلاء الفنانات بين الفن والحرف وإنتاج أعمال فنية تستحق التأمل النقدي وتثير أسئلة حول انصهار الطابع الفني مع الجانب الحرفي: ما هو تعريف الفنون الجميلة؟ ما هو الحد الفاصل بين مختلف أشكال الحرف التي يُنتفع منها والتعبير الفني الفردي؟ وكيف يمكن توظيف العناصر المادية لتصبح يدا فاعلة في إثارة الحوار السياسي والثقافي؟".
رسامات رائدات في حركة الحداثة الفنية
في تفاعل بين الفنون الجميلة والحرف اليدوية، يستكشف المعرض الفني تشكيلة متنوعة لأعمال إبداعية معاصرة لـ 50 من الفنانات الرائدات في العالم العربي، ممن ساهمن في تشكيل حركة الحداثة الفنية في المنطقة خلال الحقبة الممتدة من ستينيات إلى ثمانينيات القرن الماضي، وكان لهن بالغ الأثر في رسم المعالم الثقافية والبصرية لتلك الفترة، وهو ما يتجلى من الأعمال المعروضة التي تتفاعل فيها حركة الأجيال والجغرافيا والتوجهات المختلفة.
وعن أبرز الأعمال الفنية، يسلط المعرض الضوء على الفنانة التشكيلية السعودية الرائدة، صفية بن زقر (1940-2024) والتي تُعد من أُوَّل الفنانات اللاتي افتتحن معرضا فنيا في المملكة.
كما يسلط المعرض الضوء على أعمال لفنانات ينتمين إلى بداية حركة الحداثة الفنية في القرن العشرين، مثل الفنانة المصرية زينب عبد الحميد (1919-2002)، والفنانة التونسية صفية فرحات (1924-2004)، وصولا إلى أصوات معاصرة مثل الفنانة البحرينية مريم فخرو (مواليد عام 1952)، والفنانة الكويتية سعاد العيسى (مواليد عام 1943).
والفنانة التونسية صفية فرحات لم تكن مجرد رسامة أو مصممة زخارف، بل كانت رمزا لجرأة المرأة التونسية في منتصف القرن العشرين، زمنٍ كانت فيه المشاركة النسائية في المجال العام محدودة. آمنت بدور الفن كجسر بين الحداثة والجذور، فاستلهمت أعمالها من الزخرفة الإسلامية، الفنون الشعبية والمنمنمات، وأعادت صياغتها بروح عصرية. كانت أول امرأة تدير المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس، حيث لعبت دورا محوريا في تحديث التعليم الفني ودعم أجيال من المبدعين. كما ساهمت في تطوير فنون النسيج والتزويق والجداريات، جاعلة من الفن التشكيلي التونسي لغة حديثة تنبض بملامح الهوية المحلية. بعد رحيلها في سنة 2024 تركت صفيّة فرحات إرثا لا يقتصر على أعمالها، بل يمتد إلى مسار تحديث الفنون في تونس، وخاصة فتح الأبواب أمام النساء في فضاء الإبداع.