Print this page

السودان يدخل نفق الانقسام حكومة موازية بقيادة الدعم السريع تُشعل المشهد السياسي

في خطوة وُصفت بأنها الأخطر منذ اندلاع الحرب بين

الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أفريل 2023، أعلن "تحالف السودان التأسيسي" المشكَّل من تحالفات سياسية وعسكرية موالية لقوات الدعم السريع، عن تشكيل مجلس رئاسي وحكومة انتقالية تحت مسمى "حكومة السلام". يأتي ذلك في وقت لم تُستكمل فيه الحكومة المركزية التي أعلنها الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لتصبح الساحة السودانية أمام واقع مزدوج للسلطة، يُهدد بنسف ما تبقى من مسارات التسوية، ويعيد للأذهان النموذج الليبي المأزوم.

ويرى مراقبون أن إعلان الدعم السريع تشكيل حكومة ومجلس رئاسي يُمهد فعليا لنظام حكم مواز للسلطة القائمة، ويحول الصراع من كونه عسكريا إلى مواجهة سياسية مؤسسية بين مركزين متنازعين على الشرعية والسيادة. وبموجب الإعلان، جرى تعيين محمد حمدان دقلو (حميدتي) رئيسا للمجلس الرئاسي، مع عبد العزيز الحلو نائبا له، في تحالف يبدو أنه بني على تقاطع المصالح بين "الدعم السريع" والحركات المسلحة التي تسعى منذ سنوات لحكم لا مركزي علماني في السودان.
لا تمثل الخطوة فقط تحديا مباشرا لحكومة الجيش، بل تكرّس انقساما سياسيا وجغرافيا بات واقعا، حيث تم الإعلان عن تقسيم السودان إلى ثمانية أقاليم، مع تعيين حكام لها، في وقت لا تسيطر فيه قوات الدعم السريع بالكامل على جميع هذه المناطق.
التحالفات القديمة تتصدع
ما يزيد من تعقيد المشهد أن الحكومة الموازية ضمّت رموزا سياسية بارزة، مثل محمد حسن التعايشي، والهادي إدريس، والطاهر حجر – وجميعهم شخصيات مدنية كانت ضمن قوى الحرية والتغيير أو أعضاء في مجلس السيادة السابق. وهو ما يعكس تحولًا كبيرا في التموضع السياسي لبعض القوى المدنية، وسط انقسام عميق داخل الحركات السياسية حول طرق إدارة الأزمة.
المفارقة أن تحالف الدعم السريع – الذي طالما وُصف بأنه قوة مسلحة خارجة عن السيطرة – بات يتحدث اليوم بلغة الدولة، مستخدما شعارات مثل "الوحدة الطوعية" و"العدالة والمساواة"، في خطاب قال خبراء أنه يستهدف جذب الحركات المهمشة ومناطق النزاع نحو مشروعه السياسي.

تدويل محتمل وخيارات محدودة
دوليا، ستواجه الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، والدول الكبرى معضلة قانونية ودبلوماسية حقيقية: من هي الحكومة التي تمثل السودان؟ هذا السؤال يعيد صياغة طبيعة الصراع من كونه نزاعا على السلطة إلى أزمة تمثيل شرعي في المحافل الدولية.ويؤكد خبراء أن دول الجوار – من مصر وتشاد إلى جنوب السودان وإثيوبيا – لن تقف مكتوفة الأيدي. فوجود سلطة موازية مدعومة بقوات مسلحة ومتصلة بحدود رخوة، يهدد الاستقرار الإقليمي، خاصة إذا ترافقت هذه الخطوة مع دعم خارجي لمليشيات أو استخدام مناطق النزاع كممرات للأسلحة والمقاتلين.
ووفق محللين قد يكون أخطر ما في المشهد هو ما تبقى – أو بالأحرى، ما يتآكل – من فرص للتفاوض. فبمجرد أن تنتقل المعركة إلى تشكيل مؤسسات موازية، تتقلص احتمالات التسوية. هذا الواقع من شأنه أن يعيد السودان إلى المربع الأول، حيث لا صوت يعلو فوق صوت السلاح، ولكن هذه المرة مع غطاء "مؤسسي" يضفي طابعا من الشرعية الزائفة على الانقسام.
مرحلة التفكك الرسمي؟
إن لم يكن السودان قد دخل بالفعل مرحلة التشظي الجغرافي والسياسي، فإن تشكيل حكومة موازية يشير إلى بداية التحول من حرب أهلية إلى صراع بين "كيانات حكم متناحرة". ومع لغة "الوحدة الطوعية" التي استخدمها المتحدث باسم "تحالف السودان التأسيسي"، فإن شبح الانفصال أو الحكم الذاتي يلوح في الأفق، خصوصا في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق – وهي مناطق ظلت لعقود مسرحا للتمرد والتهميش.
هذا المشهد لا يدفع فقط نحو مزيد من التوتر الداخلي، بل يفتح الباب أمام سيناريوهات شديدة التعقيد، تبدأ من تدويل الأزمة، ولا تنتهي بتدخلات خارجية مباشرة أو غير مباشرة، تُحوّل السودان إلى ساحة جديدة لصراعات النفوذ الإقليمي والدولي.
يقف السودان اليوم على حافة مرحلة مفصلية في تاريخه الحديث. فتشكيل حكومة موازية لا يُمكن قراءته كخطوة عابرة أو تكتيك تفاوضي، بل هو إعلان فعلي عن قيام كيان سياسي جديد ينازع الدولة الرسمية على الشرعية والسلطة. والنتيجة المرجحة هي تعميق الانقسام، وتعقيد المسارات السياسية، والدفع بالأزمة نحو أفق مجهول يهدد كيان الدولة السودانية برمته.

المشاركة في هذا المقال