Print this page

قراءة في قصة الأطفال "القبطان الحيران" لوفاء عياشي مسار الحيرة والانفراج

هي مدونة سردية هامة موجهة للطفولة وحاملة رؤية وتصور للنهوض

بالذوق العام للطفولة ولتمكينهم من السفر في عوالم شتى لإذكاء ملكات الخيال والتفكر والتصور تقدّمها الكاتبة وفاء عياشي. وقد أمسكنا بنصها " القبطان الحيران" لما تحتويه من سردية مميزة أمنت رسوماتها الفنانة التشكيلية نهاد بقاعي ومن العنوان كعتبة ينخرط القارئ الطفل في الحيرة الأولى للبحث ولفهم حيرة القبطان فعادة ما ألحقت بالقبطان صفات الشجاعة والحكمة وهو صاحب الرأي السديد الذي أنقذ سفينته وركابه ومعاونيه اذا اعترضتهم عاصفة هوجاء أو هاجمهم القراصنة أو سرب لعرائس البحر أو سلطانه وغيرها من المغامرات البحرية التي تحدثت عنها القصص على أرصفة الموانئ وعلى الشواطئ أو على متن السفن في الليالي القمرية.

أما أن يكون العنوان "القبطان الحيران" فهذا يعمّق حيرة القارئ وهو يشاهد تلك الدموع المرسومة على الخد الأيسر للقبطان طارحا عدة أسئلة هل الحيرة في السفينة الثانية التي ربما تكون للقراصنة ومما يوصف به القبطان تحمله للمسؤولية في مسك الدفة ومسار السفينة لكن الكاتبة تجعل منه بطلا- فردا اذ على متن السفينة قبطان واحد فقط يبحث عن جزيرة المرجان لقطف وردة الشفاء
لان زوجته عليلة ومن هنا نستشف سفره لوحده لأن مسار السفينة واتجاهها ليس للتنقل أو البحث عن الكنوز المدفونة في الجزر البعيدة والمرسومة على الخرائط الخشبية أو الجلدية بل لجلب وردة الشفاء لزوجته الحبيبة لذلك سافر لوحده على متن سفينته. فكيف كانت الرحلة ؟ومما يجعل دموعه كشلال ينهمر كما قالت الكاتبة خوفه من الفشل في إحضار الوردة الشافية وبعده عنها لرعايتها ومواساتها وهو في البحر وسط أمواجه العاتية وقرب الشواطئ البعيدة وهو بعيد عنها يتألم لتألمها
وقد تقاطع سفره مع سفن أخرى قال ربانها إن الجزيرة بعيدة لكنه مصر على مواصلة المشوار حتى يبلغ مراده وقد أبحر أميالا عديدة وغالبا ما ارتبطت قصص السفن والبحار بكل ما هو غريب وعجيب وقد استحضرت الكاتبة هنا الصوت القوي ومضمون النداء
وجود ساحر ماهر يخلصك من الغم والهم وقد تلاعبت الكاتبة بالكلمات فالمتابع لها سيخلص الى ان الساحر شرير مهاب بعد قولها " الحذر الحذر يا قبطان فالبحر غير آمن" لكن الساحر الساهر والمقيم عند البحر من فئة السحرة الخيرين ليواصل القبطان استعطافه قبل وصف حالة زوجته قائلا "ارفق بجالي أيها الساحر الحكيم" وقد تواترت في مثل هذه القصص لعبة الشروط والمقايضة والمساومة وكانت السفينة شرط الساحر لتمكين القبطان من هذه الوردة الشافية وقد وافق القبطان لحبه لزوجته بل وكان مستعدا لتضحيات أكثر كتقديم كل ما يملك من أموال وثروات مقابل هذه الوردة الشافية.
ولكي يعيش الطفل بخياله القصة وقد أضفت عليها الكاتبة مسحة غرائبية وعجائبية حضرت لمسة العصا السحرية التي انتقل عن طريقها الى مكانين أولهما الجزيرة الوردية ثم شاطئ الأمان أمام داره.
تمكنت الكاتبة سرديا من اللعب الى بعدة ثنائيات الحزن والفرح والمرض والشفاء الحيرة والانفراج الخوف والاطمئنان مع رسالة التضحية بالغالي والنفيس لأجل من نحب كالبطل الذي تنازل على سفينته وهي أغلى ما يملك تصور قبطان بدون سفينة كفارس دون رمح أو سيف أو جواد وقبطان لوحده مجابها الأمواج العاتية والرياح القاتلة
ومما قيل بين الأسطر كرسائل أخلاقية وسير جميلة رد الجميل مقابل الجميل إذ قال القبطان للساحر " وحتما سوف يأتي يوم وأرد لك الجميل"أو في الرد الحسن على الصوت القادم من أعماق البحر أين أجزل له القبطان الشكر والاحترام كما صاحب المتن الحس الشعري والعديد من المحسنات اللغوية والبديعية كالغم والهم وساهر وماهر والسعد والعهد لتكون الأحداث مشوقة إلى جانب اللغة إذ حددت لها الكاتبة مسار كمسار السفينة تنقل ذهنيا الطفل مع الأحداث طالبا من الكاتبة أن تمكنه من الوردة كي لا يضيع شقاءه وتعبه بعد كل الأميال التي قطعها لوحده دون رفيق أو أنيس طالبا الوردة الشافية ولم تخيب الكاتبة رجاء الطفل القارئ كي تسعده في الأخير النهاية الأخيرة السعيدة.

بقلم: طارق العمراوي 

المشاركة في هذا المقال