لكنه زمن واحد من الكرامة والإرادة، حيث تتقاطع السياسة مع المقاومة في مشهد لبناني خالص، لا يخلو من المخاوف الدبلوماسية، لكنه محمل بالمعاني العميقة.
وتكتسب الانتخابات البلدية الحالية أهمية استثنائية بالنسبة لحزب الله، في ظل تصاعد الدعوات الخارجية لنزع سلاحه وتواصل الغارات الإسرائيلية.
وقد سعى الحزب إلى تأكيد حضوره السياسي بقوة خلال هذا الاستحقاق، من خلال حملات دعائية مكثفة في عدد من البلدات، حيث غطّت الشعارات واللافتات الشوارع، داعية الناخبين إلى منحه أصواتهم، في محاولة واضحة لتكريس صورته كقوة فاعلة ومتماسكة.
بين لبنان وغزة
وفي ظل مشهد إقليمي مأزوم، تتداخل فيه الحرب، السياسة، والانهيار الاقتصادي، تتصدر غزة المشهد المأساوي للمنطقة، بينما تتحول الانتخابات البلدية في لبنان إلى مرآة عاكسة لتوازنات داخلية متغيرة. وفي كلا الملفين، يبدو أن المعارك لم تعد تُخاض فقط بالرصاص والصواريخ، بل بتغيرات المواقف الدولية والتحالفات والتوازنات.
منذ 7 أكتوبر 2023، يعيش قطاع غزة تحت جحيم عدوان إسرائيلي لم يسبق له مثيل في دمويته واتساعه. ومع دخول الحرب يومها الـ69، وبعد استشهاد أكثر من 53 ألف فلسطيني وإصابة ما يزيد على 122 ألفا، يتكشف جانب آخر أكثر ظلاما من هذا العدوان وهو استخدام التجويع كسلاح.
بلغت سياسات حكومة بنيامين نتنياهو مستويات غير مسبوقة من الهمجية، حيث تمنع إدخال المواد الغذائية، وتستهدف البنى التحتية الصحية، وتعرقل عمليات الإغاثة. ويقول مراقبون إن ما يجري في غزة اليوم يشكل نموذجا معاصرا لحصار العصور الوسطى، لكن بأدوات تكنولوجية حديثة وأمام أنظار العالم.
لم تعد هذه السياسات القمعية تثير الغضب في الأوساط الحقوقية فقط، بل بدأت تؤثر فعليا على مواقف حلفاء إسرائيل، خصوصا في أوروبا حيث تصاعدت الدعوات داخل البرلمانات وفي الشارع لفرض عقوبات على تل أبيب، وذهب بعضها أبعد من ذلك بالمطالبة بـالاعتراف الرسمي بدولة فلسطينية، كخطوة سياسية لوقف دوامة العنف وفتح الطريق أمام حل الدولتين.
انقسام دولي وضغط شعبي
بينما تواصل الولايات المتحدة دعمها غير المشروط لإسرائيل، بدأت دول مثل إيرلندا، إسبانيا، والنرويج، تميل بوضوح نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وفي بريطانيا، لم تكن التظاهرات المناهضة للحرب إلا دلالة على انقلاب المزاج العام ضد ممارسات الاحتلال.
في المقابل، يتعامل نتنياهو مع كل هذه الضغوط بلغة التحدي والتصعيد، مدعوما بيمين متطرف يعتقد أن القوة وحدها كفيلة بفرض ما يسميه "أمن إسرائيل". لكن حجم الجرائم المرتكبة، وتصاعد صور الأطفال الجوعى والمشردين، بدأ يكسر حاجز التردد السياسي لدى الكثير من صانعي القرار في أوروبا.
الامتحان وسط ركام السياسة
ليس ببعيد عن نيران الحرب في غزة، تشهد لبنان انتخابات بلدية تمثل اختبارا هاما لموازين القوى السياسية والاجتماعية، قبل الاستحقاقات الكبرى التي ستحدد مستقبل البلد المنهك اقتصاديا وسياسيا.
ووفق مراقبين تحمل هذه الانتخابات البلدية، ورغم طبيعتها المحلية، دلالات وطنية كبيرة.
تُجرى الانتخابات البلدية في جنوب لبنان بالتزامن مع عيد تحرير لبنان يوم 25 ماي، في لحظة استثنائية تتقاطع فيها الذاكرة الوطنية مع واقع أمني بالغ التوتر، حيث تتخذ صناديق الاقتراع طابعا رمزيا يتجاوز البعد الديمقراطي لتغدو عنوانا للصمود والتشبث بالأرض والسيادة.
ويرى مراقبون أن الأمر ليس مجرد تزامن بين تاريخين، بل هو تلاق مقصود بين ماضي صامد وحاضر مشحون، إذ تأتي هذه الانتخابات في الذكرى الخامسة والعشرين لتحرير أرض الجنوب عام 2000، لتعيد إلى الأذهان مشهد التحرير والانتصار.
في مشهد غير مسبوق، تختلط العمليات الانتخابية بدوي القذائف، وتصبح المشاركة السياسية رسالة تمسك بالهوية والقرار الوطني، وسط تهديدات متصاعدة وحالة إنسانية متردية في غزة ولبنان.
استمرار عملية الفرز
تستمر عملية فرز الأصوات في الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي لبنان الجنوبي والنبطية التي جرت السبت، بعد ان أُقفلت صناديق الاقتراع عند السابعة مساء، علما انه سجل فوز بالتزكية لما يقارب الـ40 بالمئة من البلديات في المحافظتين.
وفي هذا السياق، شكر رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام في حديث له “كل من ساهم في إنجاح العملية الانتخابية”، وقال “وعدنا ووفينا بأن تتم الإنتخابات بموعدها وجهوزية وزارة الداخلية كانت عالية جدا”، وأضاف “لا يمكن أن ننكر وجود بعض الشوائب لا سيما في الشمال، وقد تعلّمنا منها وسنبدأ بالعمل للتحضير للانتخابات النيابية في العام المقبل متسلّحين بالدروس من الانتخابات البلدية.
بدوره، أكد وزير الداخلية والبلديات في الحكومة اللبنانية أحمد الحجّار بعد إقفال صناديق الاقتراع أن “الشّعب اللبناني مارس حقه الديمقراطي وهذا هو الأهم، وعسى أن تكون هذه الانتخابات مقدّمة لتجديد الحيوية في العمل في مختلف البلديات”، وقال “تأكدنا أنه لم يكن هناك أي تدخل سياسي في العملية الانتخابية، والإشكالات التي حصلت وبعض العنف الذي حصل والاعتداء على بعض الأشخاص جميعها موثقة وأحيلت على الأجهزة المعنية لمتابعتها من دون أيّ تهاون أو تدخل”، وأكد أن “الفوز بالتزكية عملية ديمقراطية سليمة ولا شائبة في هذا الامر من الناحية القانونية”.
وقد بدأت النتائج الأولية بالظهور، حيث أفادت قناة المنار عن “فوز كبير للوائح التنمية والوفاء في بلدات شقرا – جويا – السلطانية – عيترون – السكسكية – فرون – دير قانون النهر – حانين – برعشيت ودبين”.
واكدت “فوز لوائح التنمية والوفاء في بلدات عرمتى، مليخ، ميفدون، جبشيت، جرجوع، زوطر الشرقية، عدشيت، بنعفول، عبا، يحمر زوطر الغربية، النبطية الفوقا، بريقع والنميرية جنوب لبنان”.كما أفادت بتقدم لوائح “التنمية والوفاء” في صور وقضائها.
تقاطع الأزمات
ليس من المبالغة القول إن العدوان على غزة يلقي بظلاله على الداخل اللبناني، سواء عبر التصعيد المستمر على الحدود الجنوبية، أو من خلال انعكاسه على الرأي العام اللبناني المنقسم بين داعم للمقاومة ورافض لأي مواجهة جديدة قد تجر لبنان إلى حرب شاملة.
تستثمر بعض القوى السياسية هذه الأوضاع في تعزيز خطابها الشعبوي، فيما تنشغل أخرى بمحاولة احتواء أي تصعيد قد يطيح بما تبقى من الاستقرار الهش.
ما بين التجويع الممنهج في غزة، وتحولات الداخل اللبناني، يبرز واقع إقليمي جديد تتشكل ملامحه تحت ضغط الدم والانهيار. فالفلسطينيون يفرضون قضيتهم على الأجندة الدولية مجددا، ليس فقط بصمودهم، بل أيضا بتمسكهم بأرضهم.
أما لبنان، فيسير على حافة الهاوية، يختبر نفسه مجددا في صندوق انتخابي محلي، لكن تحت أعين مراقبة تبحث عن مؤشرات على مستقبل بلد طالما كان مرآة لتوازنات الشرق الأوسط.لكن ما هو واضح أن الشعوب – رغم كل شيء – لا تزال ترفض الاستسلام، وتبحث عن مستقبل خارج رماد الحروب والفساد والانقسامات.
مأساة إنسانية تتفاقم في غزة والضفة الغربية
منذ استئناف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة، تتكشف أبعاد المأساة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون تحت وطأة حرب لا تهدأ، بينما يتواصل التصعيد العسكري ويقابله انهيار شبه تام للمنظومة الإنسانية، في ظل الحصار الخانق وشبح المجاعة الذي يخيّم على القطاع.
أفادت وزارة الصحة في غزة أن 44 شهيدا سقطوا منذ فجر اليوم السبت نتيجة غارات مكثفة شنتها طائرات الاحتلال على مناطق متفرقة من القطاع. بذلك، يرتفع العدد الكلي للشهداء منذ 7 أكتوبر 2023 إلى 53,901 شهيد، إضافة إلى 122,593 مصابًا، غالبيتهم من النساء والأطفال.
هذه الأرقام لا تعكس فقط حجم الخسائر البشرية، بل تشير إلى نمط استهداف ممنهج للمدنيين، ما أثار إدانات دولية ومطالب متكررة بوقف فوري لإطلاق النار، دون جدوى تُذكر على أرض الواقع.
عسكرة شاملة للعدوان
ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن الجيش دفع بجميع ألوية المشاة والمدرعات النظامية إلى داخل القطاع، في خطوة تكشف عن نية لتوسيع رقعة المواجهة وتحقيق ما تسميه إسرائيل بـ"أهداف أمنية بعيدة المدى". إلا أن الواقع على الأرض يُظهر أن كلفة هذه الأهداف تُدفع من دماء المدنيين والبنية التحتية المنهارة.
التحركات العسكرية الإسرائيلية تتزامن مع تقارير استخباراتية وتحليلات سياسية تفيد بأن تل أبيب تحاول كسر إرادة المقاومة الفلسطينية عبر الاستنزاف المتواصل، وسط صمت دولي مريب وعجز واضح للمؤسسات الأممية عن كبح جماح العدوان.
لا تقف المعاناة عند حدود القصف، بل تمتد لتشمل نقصا كارثيا في الغذاء والماء والدواء. تقارير دولية حذرت من أن أكثر من نصف سكان غزة يواجهون خطر المجاعة، نتيجة الحصار المستمر وتعطيل قوافل الإغاثة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
ووصفت منظمات أممية الوضع في غزة بأنه "الأسوأ منذ عقود"، في حين تشير بيانات ميدانية إلى تسجيل حالات وفاة بسبب الجوع، لا سيما بين الأطفال وكبار السن.
في موازاة العدوان على غزة، تتصاعد وتيرة عنف المستوطنين في الضفة الغربية. ووفقًا لمركز معلومات فلسطين، فإن المستوطنين نفذوا 900 اعتداء منذ مطلع عام 2025 وحتى 24 ماي وفق تقارير. و تتنوع هذه الاعتداءات بين إحراق ممتلكات، واقتحامات للقرى، واعتداءات جسدية على السكان تحت حماية الجيش الإسرائيلي.
هذا التصعيد يندرج ضمن سياسة توسعية تهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، في ظل ضعف الرد الدولي وتواطؤ واضح من بعض الأطراف الداعمة لإسرائيل.
الى أين يتجه المشهد؟
الواضح أن إسرائيل ماضية في استراتيجيتها القائمة على الضغط الميداني والعقاب الجماعي، دون اكتراث حقيقي بالتبعات الإنسانية أو القانونية. ومع اتساع رقعة الدمار وتدهور الوضع الإنساني تبدو فرص التوصل إلى تهدئة شاملة بعيدة ما لم تتدخل أطراف دولية فاعلة بجدية.
أمام هذه المعطيات، يقف العالم اليوم أمام اختبار حقيقي للقيم التي طالما تشدّق بها. هل يكون الصمت هو الرد على واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث؟ أم أن هناك أملا في يقظة الضمير العالمي قبل فوات الأوان؟
وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"،أمس الأحد، إن "السبيل الوحيد" لمنع تفاقم الكارثة الحالية في غزة هو تدفق المساعدات بشكل "فعال ومتواصل"، وسط الحصار الإسرائيلي الخانق والمستمر على القطاع منذ نحو 3 أشهر.
جاء ذلك في منشور للوكالة الأممية عبر منصة إكس، في وقت لا يزال يعاني فيه قطاع غزة من أزمة إنسانية وإغاثية كارثية منذ أن أغلقت إسرائيل المعابر في 2 مارس الماضي.
وشددت الأونروا أن فلسطينيي قطاع غزة لم يعودوا يستطيعون انتظار دخول المساعدات.
وأوضحت أن إن قطاع غزة يحتاج على أقل تقدير ما بين 500 و600 شاحنة مساعدات يوميا، تديرها الأمم المتحدة.
وأكدت أن "السبيل الوحيد" لمنع تفاقم الكارثة الحالية في القطاع هو تدفق المساعدات بشكل "فعال ومتواصل".
وتروج إسرائيل والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة لمخطط من أجل توزيع المساعدات بنقاط محددة جنوب غزة، من خلال منظمة غير ربحية سُجلت حديثا في سويسرا تحت اسم "مؤسسة غزة الإنسانية"، والتي تشير تقارير إعلامية عبرية إلى أن مؤسسها هو المبعوث الرئاسي الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
فيما أقرت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن هذا المخطط بهدف إلى تسريع إخلاء الفلسطينيين من مناطق شمال القطاع إلى جنوبه، تمهيدا لتهجيرهم وفق خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي يصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنها باتت ضمن أهداف الحرب.
استشهد اكثر من 71 فلسطينيا وأصيب العشرات في قطاع غزة، جراء غارات إسرائيلية ، فيما وصف الأمين العام للأمم المتحدة، الهجوم الإسرائيلي بأنه بلغ "مستويات مروعة من القتل والدمار."
وأكد محمد المغير، مسؤول جهاز الدفاع المدني في غزة، استشهاد 71 شخصاً على الأقل.
وقال المغير وفق وكالة الأنباء الفرنسية، إنه تم الإبلاغ عن "عشرات الإصابات، وعدد كبير من المفقودين تحت الأنقاض نتيجة الغارات الجوية الإسرائيلية"،وأفاد مستشفى ناصر في خان يونس بأن صاروخاً أصاب منزل إحدى طبيبات الأطفال فيه، ما أسفر عن استشهاد تسعة من أطفالها العشرة.
وعلق الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على الأحداث، بأن الفلسطينيين يعيشون "أقسى مرحلة" في حرب غزة
وقال غوتيريش، في بيان ان "الفلسطينيين في غزة يعيشون ما قد يكون أقسى مرحلة في هذا الصراع الوحشي"، مضيفا أن إسرائيل "يجب أن توافق على السماح بدخول المساعدات الإنسانية وتسهيلها".
وأضاف: "في هذه الأثناء، يشتد الهجوم العسكري الإسرائيلي بمستوياتٍ مروعة من الموت والدمار".
وتحدث عن بعض العراقيل، مشيرا الى أنه من بين نحو 400 شاحنة سُمح لها بالدخول إلى غزة في الأيام الأخيرة، لم تتمكن سوى 115 شاحنة من دخول القطاع.
وأضاف أمين عام الأمم المتحدة: "على أي حال، فإن جميع المساعدات المُصرّح بها حتى الآن لا تُمثّل سوى ملعقة صغيرة من المساعدات في وقتٍ يتطلب فيه الأمر تدفقًا هائلًا من المساعدات".
"تطهير عرقي وإبادة جماعية"
أكدت مقررة في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا الجمعة، أن ما يحدث في قطاع غزة "قد يرقى إلى مستوى تطهير عرقي وإبادة جماعية"، ووصفت "المجزرة التي تجري حالياً" بأنها "مأساة هائلة".
وتحدثت ساسكيا كلويت، مقررة الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا وهي الجهة المراقبة للحقوق والديمقراطية في القارة، وتضم 46 دولة عضواً، عن "الحاجة العاجلة لإنهاء الأزمة الإنسانية المتعلقة بالنساء والأطفال والرهائن في غزة"، مؤكدة أنها "مأساة هائلة تَسبّب فيها الإنسان والبشرية جمعاء، لأننا تركناها تجري على مرأى منا من دون أن نتدخل".