Print this page

خفايا ومرايا: اللعب في الوقت الضائع

يبدو أنّ فشل «مسار ما بعد 25» جويلية 21» وعدم تحقّق أيّ من الوعود التي أطلقت عند انطلاقه أصبح قناعة لدى غالبية المواطنين ولم تبق سوى قلّة قليلة مازالت تؤمن بشعاراته وتتشبث بالبقاء فيه، فالأزمة

احتدت عمّا كانت عليه من قبل ومخاطر الانهيار الاقتصادي المالي تتضاعف كلّ يوم وسط ضبابية وتخبّط في مواجهة الأزمة وعجز عن إيجاد حلول لها، لكن الأدهى والأمر أنّ هاته الحالة لا تقتصر على من بيده المقود، فكلّ الأطراف بعد سنة ونصف من منعرج «25 جويلية « تجد نفسها مكبّلة وهي أيضا غير قادرة على فعل أي شيء ملموس للخروج من الأزمة،
الرئيس قيس سعيد الذي كان محور ذلك المنعرج ورقم رهان الغالبية العظمى للعبور بها نحو واقع أفضل والماسك بكلّ السلطات، يؤكد في كلّ المناسبات عدم استعداده للإنصات لا إلى صديق ولا إلى عدوّ وهو يصرّ على منطق أنّ الأزمة مفتعلة ومن صنع «لوبيات» من المهرّبين» و»المحتكرين» ولا علاقة لسياسته وخياراته بها.
وكردّ على المواقف والتعاليق في الداخل والخارج، حول هبوط نسبة المشاركة في انتخابات 17 ديسمبر إلى ادني مستويات المشاركة في العالم عبر التاريخ، نظم اجتماعا بقيادات أمنية وعسكرية إلى جانب رئيسة الحكومة ووزير الداخلية ووزيرة العدل ليجدّد رفع «لاءاته» المعتادة ويكرر فيه نفس التهم لكلّ من يناوئ مشروعه ولا ينخرط فيه وموجها من خلال نوعية المدعوين إلى ذلك الاجتماع رسالة حول من سيعتمد لمواصلة مشروعه مستقبلا، وأثنى على وطنية الأقلية التي شاركت في الانتخابات وأبرز تميزها عن الأغلبية الساحقة «التي تقاعست عن أداء واجبها في مواصلة السير معه» يمكن اعتباره تحوّلا جذريا في خطابه بالتخلي عن الاستناد إلى حجة انخراط الملايين في مساره وشعار الشعب يريد بما أنّه بات لا يجد حرجا في الاعتماد على أقلية صادقة من المناصرين وعلى الأجهزة الصلبة بالدولة ولم يترك مجالا للشك في ذلك الاجتماع على أنّه مصمّم على المواصلة في طريقه على نفس النهج وأنّ باب الرئاسة موصد أمام أي حوار ولو لتعديل وجهته قليلا لترك مجال للمشاركة التي ساندته في البداية

من جهة أخرى الأحزاب والقوي السياسية ليست بأفضل حال، فهي ما زالت تعاني من مفعول حملات الشيطنة والتشويه التي تعرضت لهما على امتداد اكثر من سنة، فلقد عمّقت تلك الحملات القطيعة بينها وبين الشارع ممّا جعل تحرّكاتها وتأثيرها ينحصر في أنصارها، العديد من العوامل ما زالت تعيق تلك الأحزاب على استعادة زمام المبادرة والمصالحة مع الشارع، منها تأخرها في القيام بالمراجعات الضرورية لمواقفها وقراءتها للواقع وإجراء إصلاحات عميقة على هيكلتها ونقطة الضعف الكبرى التي تعاني منها الساحة السياسية وهي تشظي القوى الوسطية وعدم قدرتها على الانتظام في إطار موحد مما يساعد على إعادة التوزان للمشهد السياسي ويخلّصه من الارتهان للمعارك الجانبية التي لا تخوضها القوى التقليدية في بينها وتمنع تشكيل قوّة وطنية واسعة لتخليص البلاد من الوضع الذي تردّت فيه .
الجديد الذي يمثل بارقة أمل في هاته العتمة هو عودة الاتحاد العام التونسي للشغل لمبادرته في إجراء حوار وطني بعد استعادة حليفين من حلفائه الثلاثة في الحوار الوطني السابق وهما «الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» و»عمادة المحامين» وبالرغم من غياب «منظمة الأعراف هذه المرّة فهي المبادرة الوحيدة التي يمكن أن تزعج الرئيس ومن من حوله لما يمتلكه الاتحاد من قدرة على كسر احتكار النفوذ من طرف السلطة وخاصّة تعرف هذه الأخيرة أنّ دخولها في مواجهة مفتوحة مع هذه الفعاليات يعتبر مغامرة غير مضمونة العواقب ، لكن الكثير من الأسئلة مازالت عالقة حول هذه المبادرة، أوّلا إلى أي مدى ستتوغل في طرح الأزمة السياسية والبدائل التي ستخرج بها ؟ وثانيا في علاقتها بالأحزاب والذي يمكن أن يؤدي عدم إشراكها في هذا الحوار إلى تعزيز موقف الرئيس الذي يقوم على استبعاد الأحزاب من الحياة السياسية بالكامل وبالتالي تفقد المبادرة جانبا من القوّة التي تحتاجها لتغيير ميزان القوى ووضع تصوّر شامل لحلّ الأزمة.

يبدو الجميع اليوم مستعجلين وكأنّهم يلعبون في الوقت الضائع...والوقت الضائع في منطق لعبة كرة القدم هو أخطر أوقات المقابلة لأنّ المفاجآت التي تحصل فيه عادة ما تكون «قاتلة» ولا يمكن تداركها وفي ظل غموض موقف الشارع، اللاعب الذي يخشاه الجميع أن المقابلة مازالت مفتوحة على كلّ الاحتمالات.

المشاركة في هذا المقال