Print this page

تحليل اخباري: في قراءة مسودة من باب «تونس الغد»: ما هكذا يصاغ الدستورالمنتظر...

عندما اطلعت على مسودة الباب اللأول من الدستور الّذي سيعرض على الاستفتاء في ما يتعلّق بـ»أسس السياسة التنموية الإقتضادية و الإجتماعية لـ»تونس الغد»

« الّتي نشرتها» المغرب « يوم 14 جوان الجاري ، فوجئت بضعف مستوى الصياغة لمضمون الأحكام الدستورية المنتظرة .
فالفصول السبعة والعشرون المنشورة جاءت أغلبها بصياغة أدبية فضفاضة لا يكمن أن ترقى لمستوى صياغة دستور مرشح بأن يكون نافذا لمدة الأربعين سنة القادمة.
و بمزيد من التفصيل يمكن أن نلاحظ أن الفصل الأول يشير إلى النهوض بالاقتصاد الوطني وتحديثه ويمكن اعتبار مضمونه مجرد شعار سياسي، كذلك كان الفصل الثاني الّذي أشار إلى بعض مهام الدولة ودورها في الإشراف على تعبئة كل الموارد و القدرات الوطنية في سبيل إرساء ديمقراطية إقتصادية واجتماعية. وقد تم ربط هذا المهام بتمكين البلاد من الخروج من الأزمة العميقة الحالية ، ممّا جعل النص يخرج عن صبغته العامّة والمجرّدة ويصبح مرتبطا بحالة راهنة غير ممتدّة في الزمن. أما الفصل الثالث من المسودّة فقد أورد كيفية ضبط السياسة التنموية من الحكومة بالتشاور مع رئيس الدولة وكيفية رسم ملامح «العقد الإجتماعي التونسي للتنمية الشاملة» ولكن ربط ذلك بفترة محدّدة، دون بيان أي نمط إقتصادي أو مرتكزات هذا النمط، ممّا جعل مضمونه غير واضح .و يلي هذا ،الفصل الرابع الّذي دخل مباشرة في تناول البرنامج الحكومي الّذي يقتضي التشاور فيه مع رئيس الجمهورية مع التنصيص على ضرورة موافقة هذا الأخير قبل عرضه على المجلس الاقتصادي والاجتماعي الّذي يذكر عرضا، ثم عرضه على مجلس النواب للتصويت عليه، وفي هذا تضارب مع الدور «المركزي» الّذي يريد الدستور الجديد منحه لرئيس الجمهورية، الّذي يفقد قول الكلمة الفصل في هذا الباب.
ونجد في الفصل الخامس من مسودة أحد أبواب الدستور أول محاولة لتقديم إشارات عن كنه التوجه الإقتصادي الذي ستنخرط فيه تونس ،و لكن ضمن «حزمة «من التصورات العامّة الفضفاضة تجد فيها «المبادرة الحرة لخلق الثروات بما في ذلك حرية الإنتاج والإستهلاك و التبادل التجاري (ما المقصود؟)... كما «يضمن القانون الحرية التعاقدية بين الافراد و بين الجماعات في إطار المنافسة الحرة والنزيهة والشفافة ويمنع القانون التحالفات الإقتصادية و التجارية المخلة بهذه المبادئ، وتمنع التشريعات و (التراتيب) الإدارية التي من شأنها التحديد (الحد)من حرية المبادرات عملا على أساس أن الحرية هي المبدأ والإستثناءات لا توضع إلا بقانون».

هذه الصياغة تبدو تجميعا لجملة من المقترحات والأفكار السياسية دون أي ترتيب أو إختزال أو دمج لمضامين متجانسة أحيانا . و قد تضمنت بقية الفصول صياغات على نفس المنوال في مجالات التعليم والصحة وإستغلال الثروات الطبيعية وحق العمل مع الإبقاء على بعض فصول دستور 2014 مع تعديل شكلي كما ما جاء في الفصل 10 بخصوص الضريبة و حسن التصرف في المال العمومي (الفصل 23 )، وما جاء بالفصل 17 بخصوص الإدارة العمومية و ما جاء أيضا بالفصل 21 بخصوص مبدأ اللاّمركزية إلخ.
ولكن نجد بعض الفصول الّتي تتضمن ملامسة لبعض االمبادىء مثل إخضاع جميع الوظائف والمهمات السياسية و الإنتخابية والوظائف العمومية لمبدإ المساءلة دون سريان التقادم عليها وهي مبادئ نجدها في نصوص سارية في التشريع الجاري به العمل و هي مسائل تحتاج لمزيد تعميق النظر فيها . كما نلاحظ أن الفصول 24 و25 و26 و27 من المسودة المنشورة، تضمنت جملة من الأفكار الّتي نستشف منها رغبة في التجديد من ذلك الإشارة إلى «التعايش والتكامل المثمرين بين القطاعات العمومية والخاصة والإشتراكية التضمانية» و«مبادئ الإدماج والتضامن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لكل الفئات الاجتماعية».. و«مبادئ الإبتكارية المستدامة..». هذه المفاهيم المضافة في هرم القوانين طمستها بقية الفصول الفضفاضة ، الّتي تحتاج إلى إعادة صياغة ومزيد من البلورة والتوضيح .
بعد هذه القراءة السريعة يمكن القول بأن كل الفصول المنشورة يمكن اختزالها بكل إيجابية في عشر (10) فصول واضحة تستوعب جملة المبادئ المزمع إدخالها و ذلك في قالب نصوص تقع صياغتها ضمن مصطلحات قانونية واضحة تسمي الأشياء بمسمياتها دون تعويم و دون ترك المجال للتأويل الواسع أو الضيق . و يجب ألا ننسى أننا بصدد صياغة نصوص دستورية عامة ومجرّدة تهدف إلى تركيز دعائم دولة القانون والمؤسسات لتجنب مخاطر استنساخ نصوص قديمة بتحميلها مضامين و شعارات خاوية بتسرع و لخبطة . نقول هذا الآن تخوفا من أن نفاجأ مجددا بصياغة مماثلة لبقية النصوص ، الأمر الّذي يستوجب نشر مسودة بقية النصوص للإطلاع عليها و تمكين من أراد، من إبداء الرأي فيها ولو على سبيل المجادلة القانونية الّتي قد تنفع الناس، لترك إمكانية التدارك بإدراك وروية وبكل أمانة علمية.

المشاركة في هذا المقال