Print this page

منبــــر: قراءة في كتاب«المسيرة و المسار» لأحمد نجيب الشابي: حياة كفـاح من أجــل الحريات و الديمقراطية في تـونس

صدر مؤخرا كتاب السيد أحمد نجيب الشابي عن دار «نشاز» بعنوان «المسيرة و المسار- ما جرى وما أرى».

و يتألف الكتاب من جزأين. تناول الجزء الأول السيرة الذاتية للسيد أحمد نجيب الشابي وتناول الجزء الثاني عديد القضايا الفكرية و السياسية المطروحة على مجتمعنا مثل البورقيبية و المسألة العربية و عديد القضايا الإقتصادية و الإجتماعية.
و إن المتأمل في السيرة الذاتية للسيد أحمد نجيب الشابي يعجب للثراء الذي ميز تجربته السياسية والفكرية على مدى التاريخ المعاصر لبلادنا حتى أن أي جزء من أجزاء هذه السيرة الذاتية كان كافيا ليملأ حياة شخصية سياسية مرموقة.
فلو انتهت تجربته السياسية قبل تغيير 7 نوفمبر 1987 لاعتبر أحمد نجيب الشابي من ابرز الشبان الذين ثاروا ضد استبداد دولة الإستقلال و قاسوا ويلات السجون و التعذيب و الإقامة الجبرية في نضالهم من أجل الحريات و الديمقراطية. ولكان صنف كأبرز رموز جيله إلى جانب جيلبار نقاش و أحمد بن عثمان الرداوي و نورالدين بن خضر. و لو انتهت تجربته السياسية قبيل ثورة الحرية و الكرامة في 14 جانفي 2011 لتذكره الناس كأبرز شخصية معارضة لنظام الإستبداد و الفساد الذي كان قائما قبل الثورة و من أهم الشخصيات التي سعت إلى تجميع المعارضة التونسية و أنضجت الحوار الفكري والسياسي بينها و ساهمت في إنضاج الظروف الموضوعية و الذاتية لثورة الحرية و الكرامة. وحتى ولو توقف عن النشاط السياسي قبل حركة 25 جويلية 2021 لكان اعتبر من أبرز الشخصيات التي ساهمت بصورة مؤثرة في الإنتقال الديمقراطي طيلة العشرة سنوات الماضية سواء بمشاركته في حكومة ما بعد الثورة وانتخابه عضوا بالمجلس التأسيسي ومختلف التجارب السياسية التي أسسها من الحزب الديمقراطي التقدمي إلى الحزب الجمهوري و الإتحاد من أجل تونس و جبهة الإنقاذ و اعتصام باردو وغيرها من المحطات التاريخية في العشر سنوات الأخيرة والتي أتى عليها في مؤلفه.
• الليبرالية السياسية: جوهر الفكر السياسي لأحمد نجيب الشابي
من خلال قراءة الجزء الأول من الكتاب يتبين لنا خط السير الفكري و السياسي للسيد الشابي وصولا إلى تبنيه لفكرة الليبرالية السياسية ( الحريات والديمقراطية) لتصبح جوهر مشروعه السياسي.
فبعد سنوات الشباب التي قضاها في إطار حركة البعث و اليسار الماركسي و اطلاعه المباشر على النتائج العملية لتجارب الحكم الشيوعية و البعثية والقومية من خلال زيارات مطولة إلى العراق وسوريا والصين أصيب بخيبة أمل شديدة جعلته يعي بأهمية الحريات و الديمقراطية في مشروع النهضة العربية. و يروي كيف تساءل بإلحاح خلال زيارته للعراق عن حقيقة اعتقال و تعذيب و قتل الشيوعيين من طرف حزب البعث الحاكم و كيف صدم لما عرف الحقيقة. فقد كان ضرب الحريات و القمع و التعسف والديكتاتورية هي القواسم المشتركة للأنظمة القومية والبعثية و الشيوعية.
و قد يكون أيضا للفترة التي قضاها طالبا في فرنسا أو تلك التي قضاها في زيارته المطولة للولايات المتحدة الأمريكية تأثير هام على توجهه نحو اعتناق الليبرالية السياسية و التي أدت به إلى القطع تنظيميا مع منظمة العامل التونسي الماركسية اللينينية و تأسيس التجمع الإشتراكي التقدمي سنة 1981
و يذكر في كتابه أن تبنيه للحريات و الديمقراطية لم يكن معزولا عن المخاض الذي كان يعيشه المجتمع التونسي منذ بداية السبعينات. إذ برز تيار ليبرالي داخل الحزب الإشتراكي الدستوري يدعو إلى دمقرطة الحياة السياسية في الحزب و البلاد. كما تطورت النضالات النقابية و أصبح الإتحاد العام التونسي للشغل يناضل من أجل استقلاليته و تطورت حركة الدفاع عن حقوق الإنسان خاصة في ظل تنامي قمع السياسيين و الطلبة والنقابيين وتوجت بتأسيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان سنة 1977.
فلقد تبين له بان الحرية سواء تعلقت بالحريات الفردية (حرية التفكير و التعبير و المعتقد..) والحريات العامة ( حرية التنظم السياسي والنقابي و التعبير في الفضاء العام) أصبحت في أخر القرن العشرين ضرورة حياتية لكرامة الإنسان الذي لم يعد يكتفي بتلبية حاجياته الأساسية من أكل وشرب وغيرها.. كما أصبحت قناعته راسخة بأن الديمقراطية بما تضمنه من فصل للسلطات وانتخابات حرة وشفافة و تداول على الحكم هي أفضل الآليات لتنظيم المجتمعات و توفير شروط تقدمها الإجتماعي. وهو ما لمسه من خلال زياراته لبلدان العالم شرقيها و غربيها. فلقد أثبتت التجربة التاريخية التفوق التاريخي لمجتمع الحريات و الديمقراطية في الغرب الليبرالي على مجتمعات الشرق التي كانت تحكمها ديكتاتوريات دموية رغم اعتناقها للإشتراكية. وكان سقوط جدار برلين سنة 1991 إعلانا لذلك الإنتصار.
هكذا كرس 40 سنة من حياته سواء في العهد البورقيبي أو في عهد بن علي للنضال من أجل تحقيق الحريات و الديمقراطية في بلادنا. و قد روى ما عاشه من أنواع التعسف والتعذيب و السجن والتهجير خلال نضاله الطويل. و لما اندلعت ثورة الحرية والكرامة ودخلت البلاد في مرحلة الإنتقال الديمقراطي كرس كل جهوده لتثبيت الديمقراطية و التصدي لكل المخاطر المحدقة بها من كل حدب وصوب. وقد أصاب في عديد المواطن وأخطأ في مواطن أخرى و هي طبيعة كل عمل بشري.
• أحمد نجيب الشابي و السلطة: النصر في الهزيمة
كثيرا ما يوصم أحمد نجيب الشابي بالفشل لأنه ورغم المدة التي قضاها في العمل السياسي لم يتمكن من الوصول إلى الحكم. فلقد ارتبط العمل السياسي في تاريخنا العربي «بالغنيمة» باعتباره طريقة لتحقيق منافع شخصية وعائلية. لذلك يسعى الجميع للظفر بالمناصب و التشبث بها أطول وقت ممكن. و يروي مؤلف الكتاب عديد العروض التي قدمت له ليصبح وزيرا سواء في عهد بن علي ( و لو تم ذلك لربما أصبح أحد أركان النظام السابق و نال الغنائم و الإمتيازات) أو في عهد حكومة الباجي الأولى أو حكومة الترويكا الأولى و الثانية. كما أن يوسف الشاهد عرض عليه منصبا وزاريا خلال تشكيل حكومته الأولى و لكنه رفض. و هو ما يطرح تساؤلات عن دور المناضل السياسي في مجتمعنا. فهل أن دور السياسي هو خدمة الشأن العام أو خدمة مصالحه الشخصية و العائلية؟؟. فعقلية الغنيمة مكنت عددا كبيرا من الإنتهازيين والوصوليين للتسرب للأحزاب السياسية لخدمة مصالحهم الخاصة فأفسدوا الحياة السياسية وأفسدوا الديمقراطية الناشئة. فهل نسمي انتهازيتهم نصرا ونجاحا أم فشلا وهزيمة أخلاقية وقيمية؟؟
ويستعرض الكاتب في سيرته الذاتية الظروف التي حفت بهزيمته في الإنتخابات الرئاسية لسنة 2014 والتي فاز فيها الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي رغم وجاهة و ثراء البرنامج السياسي والإقتصادي الذي اشتغل عليه مع ثلة من خيرة الخبراء. فتحالف النهضة مع جزء أساسي من النظام القديم ( نداء تونس) لم يترك أي مجال للمنافسين الآخرين بما فيهم الشابي الذي كان في قطيعة مع المنظومتين. ويطرح السؤال دوما هل أن الفشل الإنتخابي هو دليل على الفشل السياسي؟؟
فالزمن السياسي لا يتماشى دوما مع الزمن الإنتخابي. و المسالة لا تتعلق بخصال الشخص وكفاءته و إنما بجملة من الظروف السياسية الحينية المعقدة. فكم من الأشخاص العديمي الأخلاق والكفاءة فازوا في الإنتخابات في تونس وفي البلدان الأكثر تقدما. و كم من أشخاص كانت سيرتهم الذاتية ناصعة و برامجهم نيرة ولم ينالوا ثقة الناخبين. وربما هي حكمة و قوة صندوق الإقتراع. فلو افرز دائما شخصيات مستنيرة لما عرف الناس أن هناك أشرارا. والعكس بالعكس. وقد يكون انتصار «السيئين» وكشفهم أمام الرأي العام الذي انخدع بهم هو بحد ذاته نصرا للمنهزمين الذين لم يعطهم الناخبون فرصة لاستثمار سياساتهم. وقد يكون ذلك وسيلة للتعلم و الدربة للشعوب. فهذه الأخيرة تتعلم أساسا من تجربتها الخاصة ومن أخطائها وانتصاراتها و انكسارتها. فرب انتصارات هي بمثل الهزائم و رب هزائم هي بحجم الإنتصارات.

المشاركة في هذا المقال