Print this page

في معنى «إفرح بيّا» التونسية

يتداول الناس فيما بينهم ما يعزّز الطلب والطلب المضاد. يقترحون كلمات وجملا على بعضهم البعض لتأسيس

علاقة تبادلية مفعمة بالمصالح المشتركة. يُفهم الفرح هنا على أنه شكل ومضمون لحاجات يتمّ عرضها في سوق الامتيازات والخدمات الذي يتّسع بشكل لافت. الفرح هو ذلك المسهّل الذي يقوم مقام تمرير الأمور دون تعقيدات ودون رفض مبرّر أو غير مبرّر. ينطوي الفرح المطلوب أو المعروض على اتفاق مبدئي على أن الأمور ستسير في الاتجاه المقترح بين المتداولين.
تُستعمل عبارة « إفرح بيا» في المبادلات والتعاملات المختلفة بين الناس لتبديد كلّ منابع اللايقين وتجسير الفجوات بين المتعاملين. هي طريقة في التوقع وفي ضمان نجاح المعاملة والوصول بها إلى برّ الأمان. العبارة هي أيضا ضبط للعلاقة بين المتعاملين خارج كل الأطر القانونية وهي كذلك فرصة إخراج المعاملة وحصر العلاقة بين المتعاملين في الفضاء العاطفي، مما يؤسّس لنوع من القبول المتبادل الذي هو ضمانة لإبعاد وجع الرأس. ولكن في سياق مغاير يكون الفرح مجالا للتورية وهنا تصبح عبارة «سأفرح به» مرادفة لعنف و لاعتداء سيسلّط على أحدهم.
يقع تداول العبارة في كل المجالات كبيرها وصغيرها وهي تعويض للحرج الذي يمكن أن ينشأ بين المتعاملين للتعبير عن الاشتراك في الغنيمة مادية كانت أو رمزية. في الصفقات الكبرى كما في ركن سيارة في مجاز غير مناسب يسعى الناس إلى التأكيد على العبارة تلطيفا للأجواء وتأكيدا على مودّة قائمة وضامنة. وهي تتحوّل بذلك إلى عُملة عاطفية في انتظار تحويلها إلى عُملة حقيقية. عبارة « إفرح بيا» يطلبها من يريد الاستفادة من خدمة يقدمها للغير أو يتوسط فيها، هي المقابل المادي لكل تدخّل يذلل الصعوبات ويقابلها من الطرف المستفيد إيماءة أو تأكيدا صريحا على قبول صيغة التعاقد الوقتي المبرم بينهما. ولكنها أيضا عبارة لطيفة في صورة ما إذا كان الرفض حازما، فهي عبارة للتعويم في صورة عدم قبول العرض الضمني، وهي تُخرج صاحبها من أي حرج قد يحدث ويشوش على إمكانية التعاقد.
تستعمل العبارة في سياقات أخرى غير السياقات التي تعني تذليل العوائق بمقابل. يطلبها الشخص الذي يريد اعتبارا وتقديرا من طرف شخص آخر. عندما يتجه أحدهم إلى حضور حفل أو مناسبة اجتماعية وعند الدعوة يطلب من الداعي أن يفرح به أمام الملإ في بحث مستمر عن الاعتراف. الفرح في هذه الحالة دليل على القيمة الرمزية التي يسعى إليها طالبها ويأتي الطلب رغبة في المرور بأعلى ما يمكن من الوجاهة، على أن تكون هذه الوجاهة معروضة أمام الجميع. إذ لا يريد الناس الذهاب إلى المناسبات في أشكالها المختلفة دون أن يحصلوا في النهاية على مكافأة رمزية ترتقي إلى مستوى المجهود المبذول.
يتعامل الناس فيما بينهم من خلال السجل العاطفي وهو سجلّ معتمد في بناء الروابط الاجتماعية. الفرح هنا مقولة عاطفية تسعى إلى تعبئة الموارد وتوزيعها بين المتعاملين وما يربط الناس ليس فقط انتماءاتهم الاجتماعية ومواقعهم من التراتبية الاجتماعية، بل ما يربط بينهم هو تلك القدرة على تجاوز المحددات والضوابط الاجتماعية. قد يكون الفرح هنا ذلك السائل الذي يذوّب الفوارق ويجعلها لزجة قدر الإمكان. الفرح في هذه الحالة مقولة لتبديد العلاقات الحديدية. ولهذا لن يكون الفرح فرحا إلا إذا وصل إلى مبتغاه، هو فرح مؤجل إلى حين ، ولهذا هو من ضمن المقولات السائلة.
« إفرح بيا» مقولة شعبية تدلّ على أزمة الفرد في مجتمع ينهكه ألم الاعتراف والتقدير والاعتبار. تكشف المقولة عن تعب يعيشه الفرد باحثا عن علاجات لأمراض التجلي والاستهلاك والتموقع في مجتمع يعيش بشكل مكثف على المقارنات المابيفردية في الواقع كما في الوسائط الاجتماعية للتواصل. ومنوط على الفرد ان يجد المعنى الذي يبدّد له انشغالاته وانهمامه بذاته والتي تدفعه دفعا إلى تجاوز المعيقات التي تعترضه. المقولة فيها الكثير من الإيحاءات الفردية، هي طلب فردي، هي مركزة للذات، وهي تعبير عن فردانية تريد أن تتحمل كل مسؤوليات المطبات التي تعترضها.
يريد الناس أن يتمّ الفرح بهم، هم يعرضون فرحهم على من يرغب ، يعتقدون أن هذا الفرح يمكن أن ينزع عنهم هموم الدنيا و لكنهم في المقابل لا يعلمون أن الفرح أيضا هو صديق لا يمكن التعويل عليه...

المشاركة في هذا المقال