Print this page

معركة قانون الإعلام: لماذا نحتاج قيس سعيد

قامت حكومة المشيشي بسحب مشروع القانون حول الاعلام الذي بدأت الاشتغال عليه حكومة الشاهد وأودعته المجلس حكومة الفخفاخ

المأسوف على شبابها، بعد أن بدا أن فصوله قد حازت رضى معظم المعنيين بإصلاح الإعلام. سحب المشيشي للمشروع هو أول ثمار التحالف المعلن بين رئيس «حكومة الخطإ»، وبين الثلاثي الحاكم بأمره في البرلمان ولا أدري حقيقة سبب المفاجأة التي عبر عنها عدد من الفاعلين من هذا السلوك. بالمعنى المنطقي، هذا سلوك طبيعي في سياق تحالف لم يخجل من التصريح بوجوده من أجل ضمان إطالة عمر حكومته ونحن على أبواب فصل الشتاء الصعب، يحتاج المشيشي من منطلق براغماتي إلى تأكيد ولائه للثلاثي البرلماني، كما أن الصراع الصامت الذي يخوضه ضد رئيس الجمهورية يحتاج منه إلى تنازلات ستقوي بالنتيجة ذلك التحالف. هناك إذن مصلحة مشتركة بين أطراف التحالف الحكومي-البرلماني: محاصرة رئيس الجمهورية والاستمرار في قيادة المشهد. سيستمر ذلك ردحا من الزمن، ولن تطرأ على هذا التحالف هزات كبيرة إلا عندما سيقرر المشيشي أن يجرب حظه في الانتخابات القادمة، بمغازلة الضفة الأخرى. هذا مسار كلاسيكي لا ينبغي أن يفاجئ أحدا.

من وجهة نظر الثلاثي البرلماني، الأمر يتعلق بمعادلة بسيطة: لا يستطيع هذا التحالف أن يبقي سيادته على المشهد وأن ينجح في محاصرة القوى المؤسساتية والسياسية المناوئة دون تغيير عميق في المشهد الإعلامي. هناك حاجة أكيدة لتشظية المشهد الإعلامي من أجل إذابة التأثير الذي يمارسه المناوؤون لهم في كم كبير من المضامين والدعايات. من هذا المنطلق يبدو تبرير وجوه التحالف الثلاثي لمبادرة إئتلاف الكرامة بإلغاء الترخيص المسبق لوسائل الإعلام تمظهرا آخر للوقاحة التي تميز أداء الثلاثي منذ الكارثة التي ارتكبها الرئيس بتكليف المشيشي: هناك تأكيد على أن الهدف من هذا «الإصلاح» هو تحرير المشهد الإعلامي. وحدهم الذين يقارنون الخطاب بالأداء، ويفهمون الأهداف الحقيقية لبناء هذا التحالف يفهمون أن المقصود بتحرير الإعلام هنا هو فعليا الهيمنة على الإعلام والمقصود هو تفتيت الإعلام من أجل تسهيل السيطرة عليه: عندما تنظر في الفصل الآخر المراد تنقيحه والمتعلق بطريقة تصعيد أعضاء هيئة تعديل الإعلام، والذي يخطط لأن تعين الأغلبية البرلمانية الحالية كل أعضائها بالأغلبية البسيطة ودون عودة لهياكل المهنة، تفهم بوضوح الغاية من الأمر. عندما تتوقع حجم الأموال المتربصة على الحدود، والتي تنتظر فقط تبني التنقيحات المذكورة من أجل غزو الفضاء الإعلامي، فإنك تفهم بوضوح أكبر أن أداة السيطرة الثانية، وهي المال الأجنبي، هي الشريك الحقيقي في مشروع الهيمنة الذي ينسج خطوطه الثلاثي البرلماني المهيمن والداعم للمشيشي. بإمكاننا الآن أن نفهم بوضوح أكبر ما يقصده الثلاثي بتحرير الإعلام.

هذا التحالف ليس إلا مشروع هيمنة. وحكومة المشيشي ليست إلا شريك الصدفة (والخطأ القيسي) في ترسيخ هذه الهيمنة. من منطلق براغماتي، ومنطقي أيضا، فإن كل تحالف يستدعي تحالف مضادا. لقاء رئيس الجمهورية مع أمين عام إتحاد الشغل حول موضوع تنقيح المرسوم 116 هو أحد تمظهرات تحالف تميز لحد الآن بنوع من الصلابة. ما يحتاجه هذا الالتقاء ضد تمرير مشروع هيمنة الثلاثي البرلماني الحاكم هو إلتفاف واسع حول أهداف واضحة: محاصرة الميل للهيمنة الذي يمارسه الثلاثي المذكور على الإعلام وعلى بقية المؤسسات الدستورية، وبالذات على المحكمة الدستورية. ليست صدفة أن الثلاثي البرلماني يطرح تنقيح الفصول المنظمة للإعلام ولانتخاب المحكمة الدستورية بطريقة متزامنة.

نحن إذن بإزاء مشروع هيمنة تنبغي مواجهته بتقوية رئيس الجمهورية وتمكينه من غطاء سياسي واسع يسمح له بمواجهة الإستراتيجية المرسومة في ردهات الثلاثي البرلماني. لا يمكن حقيقة القول بأن أداء قيس سعيد بعد سنة من تسلمه الرئاسة كان أداء جيدا، فقد جرعنا طيلة السنة المنقضية الخيبة تلو الأخرى. الأمر يصح أيضا على أداء اتحاد الشغل، ومنذ سنوات. غير أن مواجهة خطط التحالف البرلماني اليميني في الهيمنة الكاملة على المشهد الإعلامي والسياسي والمؤسساتي لا يمكن أن ينجح دون إلتفاف واسع حول هذا القطب الثنائي. هذا مجرد منطق.
إسناد واسع لموقف الرئيس واتحاد الشغل والإعلاميين في مواجهة مشروع الهيمنة اليمينية على الإعلام خصوصا وعلى البلاد عموما في العشرية القادمة يمر أولا عبر إدراك أبعاد ذلك المشروع: الأمر لا يتعلق فقط بدخول المال الأجنبي للإعلام، ولا بانتخاب محكمة دستورية متواطئة، بل بتوجيه البلاد برمتها نحو سياسات موغلة في اليمينية ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا. نتيجة انتصار هذا التوجه معلومة بالتجربة التاريخية: قتل الحريات وقتل الفقراء.

المشاركة في هذا المقال