Print this page

هل تعلم أننا نتفوّق على «الصين» في نسبة مستخدمي الانترنت ؟

من منا اليوم لا يمارس شعائر الابحار دون توقف داخل الفضاء الافتراضي ، الذي لم يعد افتراضيا كما كنا نعتقد في السابق بل جزء منغمر غير محسوس من الواقع،

جذاب ومؤثر الى أبعد الحدود، أكسبه «فيروس الكورونا» في صيغته «الكوفيدية الجديدة» مزيدا من الفاعلية والجبروت.

فإن كان القرن الخامس عشر منطلقا لحركة الاستكشافات الجغرافية الكبرى وما ترتب عنها من تغيير كامل في معالم الخارطة الجيوسياسية للعالم نعيش علي وقع ارتداداتها الى حدّ اليوم، فإن الألفية الثالثة التي يمكن توصيفها بعصر «جغرافيا النات البديلة» بمستكشفين جدد أمثال «بيل غيتس» و«مارك زوكربيرغ» ، وبجغرافيين رقميين من «مطوّري البرمجيات» و«مٌحلّل بيانات» و«مٌفكّرين في الجيوسياسة الرقمية»، فانها لا محالة نجحت في تغيير مقاربتنا للمكان والنطاق والاقليم التي جاءت بها الجغرافيا الكلاسيكية، فالاتجاهات الأربع لم تعد تفي بالغرض في زمن «جغرافيا النات البديلة» التي لا تعترف بالحدود ولا بالكيانات ولا حتى بالذوات البشرية عند تحديد بوصلة اشتغالها.
وإن أمست «جغرافيا النات البديلة» حقيقة لا مفرّ منها تعبث بحياتنا اليومية كما تشاء فإنه من المفيد معرفة نسق تطورها البنيوي الداخلى ببلادنا من خلال التوقف عند عدد من المؤشرات الكبرى التي أتى على ذكرها تقرير دولى حول الواقع الرقمى في تونس قامت بها مؤخرا الشركة الفرنسية We Are Social بالتعاون مع المنصة الكندية Hootsuite المتخصصة في مواقع التواصل الاجتماعي.

للاشارة، فان الأرقام التي تضمّنها هذا التقرير تقف في حدود شهر جانفي 2020 مقارنة بالسنة المنقضية -2019- أى قبل بداية ظهور الكوفيد -19 في بلادنا، بما يتوجّب:

- أخذ هذه المقارنة الاحصائية 2019 / 2020 في سياقها الزمنى المحدود جدا (شهر جانفي فقط من سنة 2020).

- إبداء بعض الملاحظات والقراءات لم يأت عليها التقرير وذلك بهدف تحسّس أوسع لدلالات وأبعاد الأرقام المٌضمّنة التي وردت في مجملها في شكل أرقام وجداول ورسوم بيانية.

1- مؤشّر عدد مستخدمى الانترنت : (عدد الأشخاص المستخدمين للشبكة )
من بين أبرز المؤشرات التي يتم تداوله تقريبا في جميع التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية والخاصة ومراكز البحوث لما يكتسيه من أهمية قصوى في معرفة تطور نسق الإنترنت في العالم قاطبة، واستخدامه أيضا كأداة احصائية علي قاعدتها يقع احتساب «الفجوة الرقمية» الفاصلة بين مختلف الكيانات الجغرافية الكبرى...
الى موفي شهر جانفي من هذه السنة، بلغ عدد مستخدمى الانترنت في بلادنا 7.550 مليون شخص بما يعادل تطورا إيجابيا بنسبة 0,6 مقارنة بسنة 2019، زيادة قابلة للارتفاع إلى خمسة أضعاف علي الأقل اذا احتسبنا أشهر «الحجر الصحى العام» والمرحلة «الكوفيدية» التي نشهدها اليوم المتميزة بالضغط الشديد المتزايد علي شبكة الانترنت عبر التحاق عشرات الالاف من المستخدمين الجدد الذين لم يأت التقرير على تعدادهم.
في العالم بلغ عدد مستخدمى الانترنت سنة 2019 قرابة 4.1 مليار بزيادة قدرها 10 ٪ مقارنة بسنة 2018 حيث احتلت الصين والهند والولايات المتحدة الأمريكية المراتب الثلاث الأولى من حيث عدد المستخدمين للانترنت في العالم.

2- مؤشّر نسب الاختراق أو الوصولية Taux de pénétration : (عدد المستخدمين / مجموع السكان)
تشتغل العديد من التصنيفات والتقارير والبحوث على هذا المؤشر النوعي الذي يعكس بأكثر شفافية ووضوح مدى انخراط الدول في عملية الارتباط بالشبكة والمجهود المبذول في هذا اتجاه حيث سجلت بلادنا نسبة وصولية تٌقدّر 64 ٪ مما يفوق جمهورية الصين الشعبية الأولى عالميا في عدد مستخدمى الانترنت بما يناهز 746.662 مليون لكن بنسبة وصولية لا تتعدى 53 ٪ من عدد السكان الجملى الذي يفوق 1.40 مليار.
بالفعل، حسب التقرير المشار اليه استقرت هذه النسبة ببلادنا في مستوى 64 ٪ الى حدود جانفي من هذه السنة وذلك دون احتساب المرحلة «الكوفيدية» مما قد يدفع بهذه النسبة إلى تخطى عتبة 70 ٪ موفي هذه السنة بعدد سكان يناهز 11.76 مليون نسمة.
علما، أنه وفق تقرير «الاتحاد الدولى للاتصالات» لسنة 2019 فان المعدل العام لنسبة الوصولية في العالم تبلغ 53 ٪ مع تسجيل فجوات رقمية بين مختلف الكيانات الجغرافية الكبرى .

3- مؤشّر عدد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعى في بلادنا
عرف هذا المؤشر بدوره تطورا مقارنة بسنة 2019 ليصل الى مستوى 7.30 مليون مستخدم.. رقم يحتاج بدوره أيضا إلى مزيد من التحيين والتدقيق بعد دخول «جائحة الكورونا» علي الخطّ باعتبار أنه من المتوقع ان يفوق 8 مليون مستخدم لمنصات التواصل الاجتماعي نهاية هذا العام.
هذا الرقم يعدّ من أعلى المستويات المسجلة علي الصعيد الدولى مقارنة بعدد السكان (أكثر من ثلثى التونسيين من رواد منصات التواصل الاجتماعى)، وكما كان متوقعا يتصدّر «الفايسبوك» دون مفاجأة صدارة الترتيب بعيدا عن موقع «الانستغرام» (المرتبة الثانية) وعن «موقع لينك ان» Linkedin (المرتبة الثالثة).
فبعملية حسابية بسيطة تجمع بين موقعى «الفايسبوك» و»الانستغرام» فإن انخراط التونسيين داخل مملكة «مارك زوكيربرغ» ملفت للانتباه مما بوّأنا عربيا وافريقيا مواقع متقدمة جدا في هذا المجال .
ويبقى «موقع الفيسبوك» متربعا علي عرش أكثر المواقع الاجتماعية استخداما في الدول العربية وفي العالم أيضا حيث فاق عدد مستخدميه ملياري شخص .

4- مؤشّر مواقع الانترنت الأكثر زيارة
في بلادنا
مرة أخرى حافظ «موقع غوغل» Google.com علي موقعه الريادى في طليعة مواقع الانترنت الأكثر زيارة في بلادنا، يليه مباشرة «موقع اليوتيوب» ثم بمسافة قريبة «موقع الفايسبوك» في المرتبة الثالثة.. ترتيب يٌؤشّر إلى محورية «منظومة الفايسبوك» في الوجدان الجمعي لمستخدمي الانترنت في بلادنا سواء على مستوى المنصات الاجتماعية أو مواقع الإنترنت.
في نفس السياق قد يكون «موقع موزاييك أفم» مفاجأة الترتيب باحتلاله المركز الرابع ممّا يبرهن على اهتمام التونسي المتزايد بالمواقع الإخبارية وبما يجري على الساحة الوطنية المٌتحكّم فيها من قبل دراويش السياسة والاعلام الجدد.
فالشغف التونسي باستخدام الإنترنت الى حد الادمان خاصة في فترات الأزمات يعكس حالة ذهانية جماعية تبحث عبثا عن ملاذ يقيها ولو مؤقتا من جحيم اليومي المعاش، كما يؤشر الى ان «التفوّق» التونسي في نسب الوصولية (عنوان المقال) ليس الا مجرد الشجرة التي تخفي الغابة.

المشاركة في هذا المقال