Print this page

الحجر الصحي الشامل لمدة أسبوعين لكسر التفشي الجنوني للفيروس

بقلم: الدكتور عبد المجيد المسلمي
يشهد الوضع الوبائي و الصحي في تونس تطورا خطيرا و غير مسبوق. فقد تفشى الفيروس بصورة كبيرة في صفوف المواطنين

و قد يتجاوز خلال الساعات القادمة عدد 20 ألف مصاب و مئات المقيمين بالمستشفيات منهم العشرات في أقسام الإنعاش في حين تجاوز عدد الوفيات 250 شخصا. و حسب الدكتورة حبيبة الزاهي بن رمضان أستاذة علم الوبائيات بكلية الطب بتونس و عضو باللجنة العلمية فان عدوى الفيروس في بلادنا أصبحت الأرفع في العالم و هي الثانية بعد برمانيا. فحسب الدراسة العلمية فإن نسبة الإصابات ترتفع بنسبة 70 ٪ في حين ترتفع الوفيات بنسبة 40 ٪. و مما يزيد الوضع تعقيدا تعدد الإصابات في صفوف أعوان وأطباء الصحة و التي بلغت المئات منهم أطباء و صيادلة قضوا نحبهم بفعل الوباء.. و تشير بعض الدراسات مثل covid 19healthdata إلى أنه إذا لم يتم تطبيق الإجراءات الوقائية الصارمة فإن رقم الوفيات قد يبلغ في نهاية السنة حوالي 6000 حالة وفاة.
إن بلادنا شأنها شأن جميع بلدان العالم في حالة حرب قاسية ضد هذا الوباء. و لذلك يجب أن تكون الخطط المتبعة نابعة من النتائج الحاصلة على ساحة المعركة. و في هذا المجال فإن الملاحظ البسيط يدرك دون عناء ان الوباء يحقق يوميا «انتصارات» و اختراقات ضد المنظومة الصحية التي تبدو أمامها عاجزة تتكبد الهزائم تلو الأخرى. فالخطة التي وضعتها الدولة و المتمثلة بالوقاية الفردية الطوعية (كمامات- تباعد اجتماعي و تعقيم اليدين) عجزت عن التصدي للفيروس الخطير. و من الضروري أن تعي السلط العمومية بأن خطتها الحربية منيت إلى حد الآن بالفشل الذريع. ذلك ان نسبة استجابة التونسيين لدعوات الوقاية الفردية الطوعية لازالت ضعيفة. و قد أظهرت دراسة أن نسبة الإستجابة لحمل الكمامة لا تتجاوز نسبة 10 ٪. ليس هناك مجال او وقت لتفسير سوسيولوجي نفسي أو اجتماعي لضعف استجابة التونسيين لنداءات الوقاية الطوعية الفردية. فالوضع خطير وعاجل ويجب تغيير الخطة في أقرب وقت قبل أن يحقق الفيروس اختراقات جديدة. و بعد أن ينجلي غبار المعركة سيكون هنالك متسع لعلماء الإجتماع وعلماء النفس و السياسيين للبحث حول ظاهرة عدم استجابة التونسيين لتلك النداءات.
وإن الإصرار على التمادي في نفس الخطة قد يكون كارثيا على صحة التونسيين. فوحدهم الأغبياء لا يغيرون مواقفهم.
وقد اثبت الحجر الصحي نجاعته خلال الموجة الوبائية الأولى كما ثبتته تجارب الشعوب الأخرى و الدراسات العلمية. و لذلك من الضروري إعادة إرساء الحجر الصحي و لو لفترة محدودة لأسبوعين على غرار ما قامت به بلدان اخرى. فخطة الحجر الصحي حسب الذين درسوها وطبقوها ليست نهائية بل هي تعتمد على خطة stop and go اي انه عندما يتم رفع الحجر الصحي يمكن إعادة إرسائه مرارا أخرى عندما تتطلب الحالة الوبائية ذلك.
ويتعلل البعض بصعوبة الأوضاع الاقتصادية لرفض الحجر الصحي. ولكن قد يكون ذلك نوعا من قصر النظر. فكيف يمكن تشغيل الإقتصاد إذا اصيب عشرات الالاف من القوة العاملة وتم وضع العشرات الالاف الأخرين في الحجرالصحي وتوفى الألاف. فأغلبهم كوادر و إطارات عليا وعمال مختصون ومهنيون وحرفيون.. لقد بذلت المجموعة الوطنية الغالي والنفيس لتكوينهم. فكيف نعرض الرأسمال البشري للخطر و هو أثمن رٍأسمال. هذا علاوة على النتائج العائلية والإجتماعية و النفسية الوخيمة على المجتمع والتي ستؤثر سلبا من جهتها على الإقتصاد. لذلك من الضروري الخروج من نظرة «اقتصادوية» ضيقة والنظر إلى الوضع بطرق أكثر شمولية وبعد نظر.
وتمثل حماية أعوان الصحة ضرورة استراتيجية في الحرب على الكورونا. و قد تكبد الجيش الابيض في المرحلة الأخيرة خسائر مؤثرة من الضروري تداركها في أقرب وقت بتوفير أقصى ما أمكن من وساءل الحماية الفردية لأعوان الصحة. كما يتطلب الوضع انتدابات جديدة ومكثفة لأعوان الصحة والأطباء سواء أكان ذلك انتدابا نهائيا أو وقتيا.
كما نعتقد أن رصد منحة خصوصية مجزية للأطباء والممرضين الذي يعملون في أقسام الكوفيد سيكون عامل تشجيع لهم في هذه المهة الصعبة.

المشاركة في هذا المقال