Print this page

على هامش العيد الوطني للمرأة التونسية: «بنات السّياسة» أو كتاب الرّائدات الصّامدات

بقلم: حمه الهمامي

صدر في الأسابيع الأخيرة، عن دار زنوبيا للنّشر التي تديرها السيّدة زينب فرحات، كتاب جديد بعنوان: «بنات السّياسة،

سرديّة مناضلات برسبكتيف-العامل التونسي» في السّبعينات، إعداد العراقية هيفاء زنكة. ويحتوي الكتاب، ذو الـ230 صفحة من الحجم المتوسّط، ستّة نصوص لستّ مناضلات هنّ على التّوالي آمال بن عبا - دليلة محفوظ جديدي - زينب بن سعيد الشّارني - ساسيّة الرّويسي بن حسن - عائشة قلّوز بن منصور- ليلى تميم بلّيلي. وتحكي هذه النصوص حكاية كلّ مناضلة من هؤلاء المناضلات اليساريّات الرّائدات مع الإيقاف بمحلاّت البوليس السياسي ومع التعذيب الجسدي والنفسي والاعتقال بسجن النساء بضاحية منّوبة خلال سبعينات القرن الماضي.

سلمتني رفيقتي وصديقتي دليلة محفوظ نسخة من الكتاب يوما واحدا قبل حصة توقيعه بفضاء التياترو (يوم 8 جويلية 2020). ولا أخفي أنّني حالما استلمته التهمته التهاما رغم المشاغل و«المشاغب» الكثيرة لأنّ هؤلاء النّسوة اللّواتي ملأن السّاحة في السّبعينات يتكلّمن لأوّل مرّة عن تجربتهنّ بعد ما يزيد عن أربعة عقود. أنهيت قراءته دقائق فقط قبل التّوجّه إلى فضاء التياترو لحضور حفل التّوقيع. كان في انتظاري أمام مقرّ الحزب رفيقتاي رفيقة الرقيق، المنسّقة الوطنيّة السّابقة لمنظّمة مساواة وسها ميعادي القياديّة الحاليّة بحزب العمال لنترافق إلى الحفل. كانت أولى الكلمات التي توجّهت بها إليهما حتى قبل التّحيّة: «مرّة أخرى النساء أصدق من الرجال». وأخذت مباشرة أحدثهما عن الكتاب وما خلّف في نفسي من مشاعر وأحاسيس وما أثار في ذهني من أفكار وهواجس تتعلّق بالحاضر والمستقبل.

يتضمّن الكتاب نصوصا رائعة. وهذه النّصوص ليست مجرّد شهادات تسرد «تفاصيل الاعتقال والتعذيب على أهميتها»، كما جاء في التقديم، بل هي لوحات أدبية، فنية تمتزج فيها الوقائع الدقيقة بالمشاعر والأفكار والهواجس التي تكشف العمق الإنساني للّواتي عشن هذه الوقائع وتحدّين نظاما قمعيّا، دكتاتوريّا، لا يقبل أيّ نقد أو معارضة وهو ما يجعل القارئ ينشدّ إلى النص انشدادا ولا يترك الكتاب إلاّ بعد التهامه بالكامل. ولكن ليس هذا الجانب، على أهميته، هو الذي شدّني وجعلني أطلق ذلك الحكم أمام رفيقتي رفيقة وسها. إنّ الأهمّ والأعمق والأنبل والأشدّ وقعا على النّفس في هذا الكتاب هو أن لا واحدة من هؤلاء السيدات الستّ اللواتي نطقن بعد ما يزيد عن الأربعة عقودا، تباكت أو عبّرت عن ندم أو قامت بدور الضحية أو حسبت تجربتها على «مراهقة الشباب وطيشه» أو ألقت المسؤولية على الغير أو وجّهت سهاما إلى هذا أو ذاك من الرفيقات والرفاق أو تخلّت عن القيم التي من أجلها اعتقلت وعُذّبت أو استغلّت الفرصة لتصفية حساب أو طالبت باعتراف إلى غير ذلك من المهازل التي شاعت في السنوات الأخيرة.

كلّهن تحدّثن عن تجربتهن بشموخ واعتزاز وتحمّلن مسؤولية تلك التجربة لأنهنّ خضنها عن قناعة وهي قناعة لم تتزعزع إلى حد اليوم، كما هو واضح من كتابتهنّ، رغم أنّ معظمهنّ لا ينتمي الآن إلى أحزاب أو منظمات سياسية بل ينشط في فضاءات مدنية متنوعة الاهتمامات. ما أروع هؤلاء السيدات اللواتي جسّدن روح اليسار وعمقه الثوري

والإنساني. هنّ جمع ولسن مفردا في أصولهن الاجتماعية وتكوينهن وأمزجتهن وطريقة ردّة فعلهنّ وتفكيرهنّ ولكنّهنّ مفرد ولسن جمعا في كلّ ما يتعلق بالأسس والمبادئ والقيم. انخرطن في النضال ضد الدكتاتورية والقمع البورقيبيين عن قناعة، وكرّسن جهدهنّ لذلك ودفعن الثمن غاليا لأنهنّ يدافعن عن الاشتراكية... لأنهنّ يردن الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية لوطنهنّ وشعبهنّ وللإنسانية جمعاء، فهنّ يرفضن الاستبداد والميز والاستغلال وكافة أشكال الاضطهاد والاستلاب والاستعمار والهيمنة. وإذا كان لتونس أيام معركة التحرر الوطني من الاستعمار الفرنسي رائدات فيهنّ المعروفات وفيهنّ المغمورات، فإنّ «بنات السياسة» اللواتي يعبّئن صفحات هذا الكتاب، يمثّلن بحق، إلى جانب أخريات لم تسعفهنّ الظروف للمساهمة فيه، رائدات النضال ضد الدكتاتورية في بلادنا، اللواتي عبّدن طريق الثورة والحرية للوطن والشعب.

• آمال النبيلة، العظيمة
من لا يعرف من المناضلات والمناضلين القدامى ما تعرضت له آمال بن عبا، هذه المرأة النبيلة، العظيمة، مدرّسة الفلسفة، من تعذيب همجي بمحلات أمن الدولة خلال اعتقالها في أواخر 1973؟ «جاءني أحد الجلاّدين المدعوّ «سكابا»، ليحملني إلى غرفة «العمليات» وضربني على يديّ وذراعي... وفي يوم آخر، هدّدني بالاغتصاب وأجبرني على نزع حمّالة الصّدر. استطعت يومها أن أتمالك نفسي وأنظر إليه مباشرة لأحدّثه عن «مهنته» المقرفة... لم أكن أعرف بعدُ كلمة الجلاّد كتعريف باللّغة العربية لهذه «المهنة». ثم تكرّرت ولكنّني لم أشعر بالخوف». (ص 44). ولكن آمال صاحبة القلب الكبير التي تفكر دائما في الآخرين وعذاباتهم لم يؤلمها تعذيبها هي بقدر ما آلمها تعذيب الرفيقات والرفاق: «إن أشدّ ما كان يؤلمني هو صرخات الرفاق أثناء التعذيب، وأن أراهم وهم يجرّونهم عبر الممرّ، أو يمشون على ركبهم من شدّة الضرب على الأقدام تاركين وراءهم آثار الدماء. كنت أكنّ لهم محبة لا متناهية أحاول أن أنقلها إليهم من خلال النظرات أو التّعبير لهم عن مشاعر التضامن عبر بعض كلمات أو إيماءات صداقة كلّما أودع أحدهم مؤقّتا بالغرفة التي كنت أقيم بها»...

• دليلة الشّعلة التي لم تنطفئ
ومن لا يتذكّر من القدامى أيضا دليلة محفوظ، «القصيرة»، «الصغرونة»، الشابة على الدوام التي أعطت الإشارة الأولى من معهد الفتيات بنهج الباشا بالعاصمة لالتحاق التلامذة بالعاصمة ثم في كامل أنحاء البلاد بحركة فيفري 1972 الطلابية الشبابية التي غيّرت أكثر من معطى في حياة بلادنا السياسية والثقافية والاجتماعية. ما أبشع ما تعرّضت إليه من تعذيب... عمد الجلاّدون، من بين ما عمدوا إليه، إلى فتح ساقيها بالقوّة ووضعوا بينهما مجفّف الشّعر «سيشوار» ينفث الهواء الساخن ممّا ألحق بها آلاما في الرحم لأشهر عديدة... وما أروع ما أبدته من مقاومة حتى أصبح اسمها في ذلك الوقت على ألسن الجميع. وما أجرأها أيضا يوم إطلاق السراح حين وقفت بقامتها الصغيرة والنحيفة أمام وزير الداخلية آنذاك الطاهر بلخوجة، الضخم، الشرس، الذي كان بورقيبة يمتدحه لعنفه ووحشيته، وهو يحاول تهديدها بمكتبه إن راودتها فكرة العود إلى النشاط فجاء جوابها صاعقا: «ملّي نخرج باش نرجع للنشاط»، فطلب من زبانيته أن يرجعوها إلى زنزانتها. تقول دليلة محفوظ عن تجربة الإيقاف والسجن: «هذه التجربة هي أيضا جزء لا يتجزأ من الحاضر الذي يجمعنا الآن. حاضر يحمل رمز نضال مستميت لم ينطفئ. هي تحية وفاء إلى كلّ من رافقني خلال أيام العسر وفترات النصر، إيمانا بأنّ النضال يحيك نسيجه بصبر وأناة وقوة وإيمان» (ص 61). ودليلة ما تزال واقفة إلى اليوم فهي المناضلة صلب حزب العمال وصلب منظمته النسائية «مساواة». تجاهد بلا كلل ولا ملل، وهي تقسم على انتصار الشمس. («أقسمت على انتصار الشمس» هو عنوان ديوان الشاعر اليساري الراحل مختار اللغماني).

• زينب الفيلسوفة التي لا تلين
وزينب بن سعيد الشارني، الفيلسوفة المتألقة، هل ثمة من لم يحبّها ويعجب بها من بنات جيل كامل وأبنائه؟ زينب الصّدق والالتزام والوضوح والمنطق والكفاح والمثابرة أينما كانت وأينما حلّت. تحدثت زينب عن التعذيب وآلامه: «لم يتذمّر أيّ منّا. فإنّ كلّ واحدة منّا كانت على طريقتها مضطرّة إلى أن تثبت جلدا وشجاعة وحزما إزاء الصعاب. تلك صفات يطالب بها كل مناضل سياسي مسؤول يتحدّى النظام القمعي...». (ص 93) وفي موقع آخر تروي ما حصل لها مع جلاّدها بعد أن فشل في إرغامها على تقديم معلومات أو اعترافات:» أمرني الحاج (وهو الجلاد) بأن أتعرّى، فنزعت السّترة والفستان والقميص الداخلي تحت التهديد. استطعت مع ذلك أن أحافظ على بعض الملابس الداخلية. لم أكن أشعر بأيّ خوف. في هذه اللحظة مرّ بذهني مشهد سينمائي شاهدته بحمام الأنف وأنا في سن الخامسة عشرة. كان الشريط يقدم مشهدا حول الصمود الشجاع لامرأة أوقفتها الشرطة أثناء الحرب وأجبرتها على التعرّي. ولئن أربكتني هذه الصورة وأنا يافعة، فإنها علمتني أنه يمكن أن نصمد أمام التعذيب. هذه الذكرى ولّدت فيّ جرأة وسكينة في مواجهة جلادي. الشريط كان عنوانه وفق ما أظن: «الثمار المرة».( ص 96)

• ساسيّة العنيدة، الرائعة
وساسيّة الرويسي الجريدية، الدقاشية. ما أروعك أيتها السمراء الكادحة. طلب منها الجلادون، كعادتهم، نزع ثيابها للترهيب والإذلال. بدأت في نزعها بدم بارد. قال لها أحدهم: «يا (كذا) تنزعي دبشك قدام الرجال...» أجابت بنفس البرودة: «أنتم رجال باش نحشم منكم...». انهال عليها الوحوش ضربا وعفسا ورفسا... تروي ساسيّة حكايتها بضمير الغائب: «استمرّ التعذيب حتى منتصف الليلة الثانية. اثنان وعشرون ساعة متواصلة، وهي واقفة لا جلوس أو حتى انحناء، ولا أكل ولا شرب، ودماء جروح السياط تنزف. نسوا أسئلة التحقيق وأصبح تركيزهم على إذلالها وجعلها تبكي، فأفشلت جهودهم وظلت تضحك حتى أعيتهم جميع أدواتهم...». وبعد أن أخذوها إلى إحدى الغرف إثر التعذيب: «حاولت أن تستلقي إلاّ أنّ ظهرها ورأسها وكلّ مكان في جسدها، كان ينزف، وقد تلطخت ملابسها بالدماء. هاجمتها كل الآلام دفعة واحدة عندما خلت إلى نفسها: فرأسها تحتله الكدمات، وشفتاها كانتا مطفأة للجلاد، ووجهها بلا ملامح. كتلة متورمة من الألم» (ص 141 – 142). ولكن ساسيّة الأبيّة ظلت أقوى من همجية الجلاد ولم تستسلم.

• عائشة الشّهامة والصّبر...
وعائشة قلوز، الطيبة، الخلوقة، التي لا تغادرها الابتسامة، المتفوقة جدا في دراستها... اسمها الحركي «فوليا» لكنها اشتهرت في حلقة الرفيقات والرفاق القريبين منها باسم «الحفيانة» لأنها كانت تسهر في غرفتها بالمبيت الجامعي ولمّا تتأكّد من أنّ الجميع أخذه النوم تخرج حافية حتى «لا تعمل الحس» وتوزّع مناشير «العامل التونسي» في كافة طوابق المبيت دون أن ينتبه إليها أحد. عاشت السرية قبل أن تعتقل وتصبح السجينة رقم 362 بسجن النساء بمنوبة. حكت كافة أطوار قصتها، مع السرية ومع الانتقال من مخبأ إلى مخبأ. إلى أن وقعت ذات يوم من أيام أفريل 1975 بين قبضة البوليس السياسي بسوسة: «انتقل بي أعوان أمن الدولة إلى مركز الأمن بسوسة مكبّلة، ثم أوثقوا الكبالة بمقعد في حجرة الهاتف إلى أن أتمّوا إجراءات نقلي إلى تونس. قضيت ساعات وأنا على تلك الحال، أتسلّى بالغناء، أردّد أغنيات الشيخ إمام التي كنت أحفظها عن ظهر قلب، أمام اندهاش العون المكلف بحراستي...». وكيف لا يندهش عون الحراسة من جرأة هذه المرأة الشابة وشجاعتها في وقت كان فيه اسم «بوليس أمن الدولة» يثير الرعب في أعتى العتاة... وفي مقرات أمن الدولة لم تكفّ عائشة قلوز عن التحدي رغم التعذيب والإهانات فكتبت ذات يوم على حائط غرفة إيقافها بملعقة من الأليمينيوم: «ولا بدّ للظلم أن ينجلي». فضُربت من جديد ضربا مبرحا. مرت عائشة من محاكمة إلى أخرى إلى أن استقر وضعها بالسجن. وهناك خاضت مع رفيقاتها النضالات من أجل تحسين ظروف الاعتقال إلى أن أطلق سراحها. «نحن هنا «بنات السياسة» على يسار التاريخ حيث قلبه النابض، إن كان كتابا فلنكن صفحته البارزة، وإن كان صفحة فلنكن سطره السّاطع، وإن كان سطرا فنحن كلمته المضيئة». يا للروعة. أعطوني كلاما عن اليسار أبلغ وأجمل من هذا الكلام الساطع الذي ختمت به السيدة عائشة إبداعها.

• ليلى نصيرة الفقراء وعاشقة كوبا
يكتمل المشهد بليلى بن تميم، المؤرخة، «المتمردة منذ سنّ مبكرة جدا ضد جميع أشكال التسلط وشديدة الميل إلى الحلم والمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية». تقول ليلى: «كنت رومنسية، حالمة بمجتمع متساو ومتجانس. فمنذ طفولتي، كنت أميل إلى اقتسام ما أملك، وأفضل مخالطة التلاميذ من أوساط اجتماعية متواضعة. ولا شيء يحلو لي أكثر من تناول الحليب بالشوكولاطة الذي كان يوزّع مجانا بالمدرسة، في حين كان بعض التلاميذ المنتسبين إلى أوساط «راقية» يتعالون عنه باشمئزاز». التحقت ليلى بالجامعة التونسية في أكتوبر 1969 ومن ثمة بدأ نشاطها صلب الاتحاد العام لطلبة تونس ثم صلب منظمة «برسبكتيف» لليسارية لتعرف الاعتقال، في مطلع سبعينات القرن الماضي، أكثر من مرة وتقضي الأسابيع والأشهر أحيانا بمحلات بوليس أمن الدولة بوزارة الداخلية قبل أن تكون في المرة الأخيرة إحدى «ضيفات» قصر الأميرات بمنوبة (سجن النساء). «عنّفت ووقع سبيي وشتمي وتهديدي بالاغتصاب. كان الجلاد يبحث عن ترهيبي بالتظاهر بفتح أزرار سراويله...» هكذا تحدثت ليلى بن تميم عن بعض لحظات اعتقالها في أواخر عام 1973. ولكنها مثلها مثل رفيقاتها ظلت واقفة، شامخة...

• طوبى للرائدات الملهمات
تلك هي قصة الرائدات الحالمات اللواتي أخذت أخريات المشعل من أيديهن ليواصلن المسيرة... وكم تمنّيت لو أنّ الكتاب احتوى قصص بقية الرائدات الحالمات ليكتمل المشهد. ولكم تمنيت لو أنّ «بنات السياسة» من الأجيال الأخرى تكلمن هن أيضا وأملي ألاّ يقضين أربعة عقود أخرى صامتات عما تعرّضن إليه وكابدن من متاعب وآلام. أعرف أنهن متواضعات، يكرهن الأضواء ولكن سِيَرَهن ضرورية لكي تُمَرّر إلى شباب اليوم الذي تفعل فيه آلة الدعاية الامبريالية والرجعية فعلها بشكل غير مسبوق... يا لهنّ من رائعات بنات وطني... يا لهنّ من رائعات يساريات وطني... إنّ من يقرأ كتاب «بنات السياسة» يدرك للمرّة الألف أنّ مكتسبات النساء التونسيات لم تأت من فراغ. ولم تكن هدية من أيّ كان. بل جاءت نتاجا لنضال طويل ومرير شاركت فيه نساء بلادي بقوة وقدّمن التضحيات. جيل بعد جيل خطّت نساء بلادي بطولات وملاحم. ساهمن في كل المعارك وفي كل الواجهات. وقد كان النساء اليساريات هن الرائدات على الدّوام لأنّهن لا يساومن في المبادئ الكبرى: الحرّية والمساواة والعدالة الاجتماعيّة والكرامة الوطنية دون نقصان أو تشويه. ولأنهن أيضا يعطين من جهدهن ومن حياتهن بلا حساب. وكما كنّ حاضرات في كلّ مراحل تاريخ تونس، حضرن بقوة في الثورة وفي ما تلاها من أحداث كبيرة كادت أحيانا أن تعصف بمكاسبهن. وهنّ مطالبات اليوم بحضور أكبر لأنّ الخطر أعظم عليهنّ وعلى وطنهنّ الذي يتعرّض للتّخريب والتّدمير الممنهج من القوى الرجعية، الظلامية والليبرالية والشّعبوية.

إلى الأمام بنات وطني...
وفي الختام فإنّ كتاب «بنات السّياسة» وإن تعرّض لفترة سابقة من التّاريخ فإنّه ليس مجرّد كتاب تاريخ... فهو يكتسي راهنيّة كبيرة بالنّسبة إلى قوى اليسار التونسي لأنّه مليء بالدّروس وبالحفز على العطاء وعلى الصّمود والمقاومة والتضحية... هو كتاب فيه شفاء للعديد من الأمراض التي ولّدتها وتولّدها ظروف نضال اليوم الصعبة والمعقدة... فيه شفاء من الخوف والإحباط وحبّ الذات والفردانية وعدم تحمّل المسؤولية والكذب و»التبلعيط» والنفعية المقيتة واللامبدئية والخواء الفكري والنّظري.

إلى الأمام يا بنات وطني...

إلى الأمام بلا خوف ولا تردد

إنّ الانتصار على مرمى حجر

أنتنّ الثورة وهم العورة

أنتنّ الشرف وهم العار

أنتنّ الحرية وهم الاستبداد

أنتنّ النور وهم الظلام

أنتنّ الإنسانية وهم الوحشية

المشاركة في هذا المقال