Print this page

التّيّار الدّيمقراطي أو حزب «الّي فيه طبّة ما تتخبّى» ؟

بقلم: غسّان البوخاري
كنت قد استمعت يوم 5 أوت الفارط إلى مداخلة أدلى بها النّائب الشّاب عن حزب التّيّار الدّيمقراطي زياد غنّاي

في إذاعة شمس آف آم، وكم تمنّيت لو لم يصادفني الحظّ لاستماع هذه المداخلة لما انتابني إثرها من خيبة وإحباط.

فقد بدأ الصّحفيّ المقابلة بالأسئلة المعتادة حول تعيين هشام المشيشي رئيسًا جديدًا للحكومة وعن مشاورات تشكيل الحكومة القادمة وكانت أجوبة غنّاي جدّ منتظَرة، تراوحت بين عموميّات مملّة من قبيل ضرورة الإرتقاء بالممارسة السّياسيّة، وبين التّنديد بالأطراف السّياسيّة الّتي كانت «ساقًا في الحكم وساقًا في المعارضة» أيّام حكومة الياس الفخفاخ. والواضح هنا أنّه يعني حركة النّهضة الّتي تحالف معها حزب التّيّار في نفس الحكومة فما راعه إلاّ أن وجدها في تحالف مضادّ مع حزب قلب تونس في مجلس النّوّاب، ممّا حدّ من مرونة الوزراء وهامش تصرّفهم لغياب الدّعم الكافي في البرلمان. والأنكى أنّ تخاذل حركة النّهضة وصل بها إلى اعتزام سحب الثّقة من الفخفاخ لمّا رفض هذا الأخير «توسيع الحزام السّياسي» وإدراج حزب قلب تونس في التّحالف الحكومي.

هنا يبرز مشكلان على الأقلّ حسب رأيي. أوّلهما تعنّت حزب التّيّار وإصراره على المشاركة في الحكم إبّان انتخابات 2019، كلّفه ذلك ما كلّفه، رغم المحذّرين والمنوّهين أنذاك (وهم كُثّر). إذ أنه منذ 2011، كلّما تحالف طرف مع حركة النّهضة إلاّ وفشل في تحقيق مشروعه السّياسي واضمحلّ وتلاشى وبقيت النّهضة على السّاحة لتفترس المرشّح الموالي. بل الأدهى والأمرّ أنّ حزب التّيّار يُعتبر وريث حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة، أي أحد أبرز أعضاء نادي المكتوين بنار النّهضة سابقا. أفلم يكن من المتوقّع أن يفشل هذا التّحالف إذن؟ أمّا ثاني المشكلين، فهو يخصّ حكومة الفخفاخ وشعار مقاومة الفساد، وهو المشكل الّذي نسي (أو تناسى) غنّاي ذكره في الحوار. فالقاصي والدّاني يعلم أنّ حركة النّهضة لم تناور لإسقاط حكومة الفخفاخ درءًا لشبهات تضارب المصالح أو محاربةً لطواحين الفساد في تونس. لكن أيعفي ذلك الفخفاخ من الشّبهات ذاتها؟ ألم يشهد رئيس هيئة مكافحة الفساد بوضعيّة تضارب المصالح الصّارخة قبل إحالة الملفّ إلى القضاء؟ ألم ينصّ تقرير هيئة الرّقابة العامّة للمصالح العموميّة عن إخلالات بالجملة اقترفها الفخفاخ؟ بل إنّ بعض ما ينصّ عليه التّقرير قد يرتقي إلى مرتبة الفساد الموصوف حسب بعض المتابعين، ورغم ذلك لا يرعوي قياديّو التّيّار عن الدّفاع عن الفخفاخ وعن التّنسيب من أخطائه، فنراهم يتعلّلون بالفرق بين «التّضارب» و»شبهة التّضارب» تارةً، ويميّزون الأخلاقيّات السّياسيّة عن القانون طورًا. ألا يخاطر التّيّار بالإفلاس السياسي عندما يساوم بأصله التّجاري الوحيد وهو مقاومة الفساد؟ هذا وقد سبق أن أثار انتماء التّيّار لهذه الحكومة التّساؤل عند اندلاع فضيحتي صفقة الكمّامات وسيّارة الوزير أنور المعروف.

بعدئذ انتقل الصّحفي إلى محاورة غنّاي حول التّحالفات الممكنة في حكومة المشيشي، وهنا كانت الطّامة الكبرى. فلمّا ذكر الصّحفيّ إمكانيّة التّحالف مع الحزب الدّستوري الحرّ، كان غنّاي واضحًا واثقًا من استحالة ذلك، وهي إجابة متوقّعة واعتياديّة من قيادي في حزب التّيّار. فهو حزب يُحسب على الخطّ الثّوري وذو توجّهات مناهضة للنّظام السّابق وممارساته. لذا من البديهيّ أن يكون التّحالف مع حزب عبير موسي غير وارد نظرًا للتّباين الجوهريّ في المواقف من حقبة حكم بورڤيبة ثمّ بن علي وخاصّة من ثورة 2011 والمنظومة الّتي تلتها.

لكنّ ما أدهشني حقًّا هو إجابة النّائب الموقّر لمّا ذكر المحاور إمكانيّة إعادة التّحالف مع حركة النّهضة. إذ لم يكن غنّاي جازمًا كما هو الحال مع الدّستوريّ الحرّ، بل اكتفى بصمت قصير ثم ردّ موجزًا أنه يفضّل انتظار قرار رئيس الحكومة الجديد لعدم التّأثير عليه. يستنتج المستمع إذن أنّ إعادة معانقة حركة النّهضة ليست بالمرفوضة أو المستهجنة، أو على الأقلّ ليست بنفس صرامة وحدّة رفض التّعامل مع الدّستوري الحرّ.

ذُهلتُ حقيقةً لمّا سمعت هذا العجب العجاب، ووقفت أتساءل تُرى كيف يعرِّف زياد غنّاي وحزب التّيّار الثّورة؟ هل أن الثّورة هي خروج عن النّظام السّياسي السّابق فقط؟ أتُعتبر حركة النّهضة، وهي من فاقم كلّ مشاكل ما قبل 2011، أي كلّ ما اندلعت من أجله الثّورة، مختلفة عن الدّستوري الحرّ؟
ثار من ثار ذات جانفي 2011 على نظام يعتريه الفساد المالي، ألم يزدد الفساد منذ الثّورة وبإيعاز من حركة النّهضة؟ ثار من ثار ذات جانفي 2011 على نظام دُجّن فيه القضاء لفائدة الحزب الحاكم، ألم تتلاعب النّهضة بالقضاء والقضاة ووزارة العدل؟ ثار من ثار ذات جانفي 2011 على تفقير الطّبقات الوسطى وصعود التّفاوت الإجتماعي، ألم تعكّر حركة النّهضة كلا المشكلين في عهدها السّعيد؟

أيكفي أن يكون حزبٌ معارضًا للنّظام السّابق ليكون ثوريًّا؟ ألن يتّعظ حزب التّيّار من تحالفه المشؤوم مع النّهضة؟
حقيقةً صدق من قال «الّي فيه طبّة ما تتخبّى» إن وقع التّيار ثانيةً في نفس الفخّ.

المشاركة في هذا المقال