Print this page

مشروع قانون حقوق المرضى والمسؤولية الطبية: لا يضمن حقوق المرضى و لا يحمي مهنيي الصحة

بقلم: د. عبد المجيد المسلمي

طبيب جراح - أستاذ محاضر في الطب

في المنظومة القانونية الحالية تخضع الحوادث المنجرة عن الأعمال الطبية إلى مجلة الالتزامات والعقود والمجلة الجزائية.

فإذا حصل حادث طبي فإن المحكمة هي التي تقرر التعويض عن الضرر سواء بالعقوبات البدنية أو بالتعويض المالي.

و تتمثل الانتقادات الموجهة للمنظومة الحالية في أن التعويض عن الحوادث الطبية لا يتم إلا إذا ثبت الخطأ الطبي في حين أن هنالك أضرار تحدث للمريض دون أن يكون هناك بالضرورة خطأ طبي. كما يشتكي المرضى من الآجال الطويلة للتقاضي. كما أن مهنيي الصحة كثيرا ما احتجوا على تطبيق فصلي المجلة الجزائية : الفصل 217 ( القتل عن غير القصد نتيجة قصور أو عدم احتياط) والفصل 225 (الحاق ضرر نتيجة قصور أو إهمال) خاصة على إثر سجن طبيبين منذ سنتين على خلفية حوادث طبية.

لذلك تم التفكير على غرار عديد البلدان المتقدمة في استنباط قانون جديد حول المسؤولية الطبية وحقوق المرضى من أجل تأمين حقوق المريض وتوفير ظروف طبيعية للمهنيين كي يمارسوا نشاطهم بكل طمأنينة

و لكن و للأسف و رغم الفكرة الجيدة و النوايا الطيبة جاء مشروع القانون غير مرضي بصياغته الحالية مما أثار أثار حفيظة و احتجاج قطاعات واسعة من الأطباء والصيادة و أطباء الأسنان الذين ينشطون في القطاع الصحي الخاص.

• لجان التسوية الرضائية: وزارة الصحة هي الخصم و الحكم

ينص الفصل 38 من مشروع القانون على أنه تحدث على مستوى كلإ إدارة جهوية للصحة لجنة تسمى «اللجنة الجهوية للتسوية الرضائية والتعويض» تتولى النظر في مطالب التسوية الرضائية (بين الطبيب و المريض) وتضبط مهامها وتركيبتها و طرق تسييرها بأمر حكومي.

من حيث المبدإ فإن بعث لجان التسوية الرضائية الجهوية مكسب للمرضى الذين يتعرضون لحادث طبي إذ تعفيهم من الإجراءات الطويلة للتقاضي أمام المحاكم. و لكن المشكل أن هذه اللجان ستحدث في الإدارات الجهوية للصحة أي ضمنيا تحت سلطة وزارة الصحة. وقد دار نقاش في اللجنة البرلمانية حول تركيبتها و هل يكون من ضمنها ممثلون عن مهنيي الصحة. إنه تضارب صارخ للمصالح خاصة و أن الفصل 30 من مشروع القانون ينص على أن الأمر بالدفع لصندوق التعويض على الحوادث الطبية هو وزير الصحة. فالمواطن الذي سيشتكي ضد المستشفى التابع لوزارة الصحة سيجد نفسه أمام لجنة للتسوية الرضائية التي تشرف عليها وزارة الصحة. و في صورة صدور حكم بالتعويض المالي فإن وزير الصحة هو الذي سيدفع له التعويض. علينا أن نكون في المدينة الفاضلة حتى نصدق أن المواطن سينال حقه في هذه المتاهة التي تتحكم فيها هياكل وزارة الصحة من أولها إلى آخرها. إن ترحيل تركيبة اللجنة و صلاحياتها إلى أوامر إلى السلطة التنفيذية أمر يبعث على القلق على مصير استقلاليتها. خاصة و أن المشروع الأصلي للقانون يعين قاضيا لرئاسة اللجنة و يساعده طبيبان من وزارة الصحة.

و نعتبر أنه من الضروري التنصيص في القانون على الإستقلالية التامة لهذه اللجان عن الإدارات الجهوية للصحة و منع مهنيي الصحة من عضويتها تماما و توفير أقصى حقوق الدفاع لجميع الأطراف لضمان حقوقهم جميعا.

• صندوق التعويض عن الحوادث الطبية: صندوق لبيع الأوهام للمرضى

ينص الفصل 30 من مشروع القانون على إحداث «صندوق التعويض عن الأضرار المرتبطة بالعلاج» و يتولى وزير الصحة الإذن بالدفع لهذا الصندوق. و يحدد هذا الفصل موارد الصندوق و تتمثل في مساهمات الدولة و مساهمات المستشفيات العمومية والمصحات الخاصة و أطباء و أطباء الأسنان وصيادلة القطاع الخاص و موارد أخرى لم يحددها الصندوق.

من حيث المبدإ فإنها فكرة جيدة و لكنها في نفس الوقت قد تصبح وهما و ديماغوجيا لمغالطة المواطنين. ذلك أننا لا نجد أي دراسة لوزارة الصحة توضح و لو بصورة تقديرية المبالغ التي سيطالب بها المواطنون المتضرورن من الحوادث الطبية على الأقل خلال الخمس سنوات القادمة خاصة و أن مثل هذا القانون سيترافق بالضرورة مع تنامي الطلب على التعويض على الحوادث الطبية مهما كانت بساطتها و هو حق مشروع. علاوة على أن عدم المرور بالإجراءات القضائية لدى المحاكم ستشجع المواطنين على طلب التعويض حتى لو كانت الحوادث بسيطة. و يطرح السؤال : كيف سيتدبر الصندوق تلك المبالغ في هذه الفترة. و الحال أن المستشفيات التي منطقيا سيقع عليها العبء الأكبر من التمويل تعيش صعوبات مالية تبدو معها عاجزة عن توفير العلاج للمرضى فما بالك بتعويضهم عن الحوادث الطبية.

فهل ستكون الأقساط التي سيدفعها أطباء وصيادلة القطاع الخاص كافية لتغطية مبالغ التعويض التي ستكون بالضرورة مرتفعة. لا نظن ذلك. بل ربما لا تكفي تلك المساهمات حتى لخلاص مصاريف التسيير للصندوق بمديره و موظفيه و التكفل بما يقارب 30 لجنة جهوية للتسوية الرضائية بأعضائها و خبرائها و إدارتها.

ما نخشاه و في ظل غياب دراسة علمية لمصاريف الصندوق و موارده أن يتحول إلى صندوق مفلس. وعلى المواطن أن ينتظر أشهرا أو حتى سنوات أو استعمال الوساطات لخلاص تعويضه. و تجربة التونسيين مع الصناديق العمومية المفلسة تجربة مريرة. و قد يصبح هذا الصندوق عاجزا حتى على خلاص موظفيه و مصاريف تسييره فينضاف إلى القائمة الطويلة للمؤسسات والصناديق العمومية المفلسة و يصبح عبءا على المجموعة الوطنية.

لذلك نعتبر أنه من الضروري حذف الصندوق من مشروع القانون. فالمواطن الذي يتحصل على حكم من المحكمة أو من اللجنة الرضائية يتوجه إلى الطبيب أو الصيدلي المسؤول عن الحادث الطبي ليتحصل على مستحقاته سواء مباشرة أو عن طريق شركة التامين التي تؤمن الطبيب. فالمسؤولية الطبية مسؤولية فردية وكل فرد من مهنيي الصحة يتحمل المسؤولية عن أعماله الطبية. وهو ما يتطلب إرساء التأمين الإجباري عن الحوادث الطبية لكل مهنيي الصحة سواء في القطاع الصحي العام او القطاع الصحي الخاص.

إن إنشاء صندوق وطني ذا طابع اجتماعي للتعويض عن الحوادث الطبية تموله الدولة و المجوعة الوطنية هو طموح وطني مشروع. و لكننا نعتبر أن ظروف إنشائه سواء من حيث التمويل أو الحوكمة لم تتوفر بعد. و نعتبر أن الأولوية في قطاع الصحة في الفترة القادمة هو تحسين ضروف علاج المرضى و استعمال كل الأليات العصرية للحد من الحوادث الطبية ( و بصورة خاصة التعفنات الإستشفائية infections hospitaliéres) قبل التفكير في تعويضها.

• مغالطة كبرى: هذا القانون لا يحمي مهنيي الصحة

على عكس ما يشاع فإن هذا القانون لا يحمي بصورة خاصة مهنيي الصحة. بل إن أغلب فصوله تؤكد على حقوق المرضى و واجبات و مسؤوليات أعوان الصحة والمؤسسات الصحية و هو برأينا اتجاه أيجابي و نؤيد كل ما من شانه حماية المرضى و ضمان أقصى ما أمكن من حقوقهم.

صحيح أن المواطن المتضرر بإمكانه اللجوء الى اللجنة الجهوية للتسوية الرضائية و هو ما يمكن من تفادي إحالة الطبيب على القضاء. و لكن اللجوء إلى القضاء من طرف المتضرر يبقى واردا دائما لأنه حق دستوري للذين لا يريدون الشكوى إلى لجنة المصالحة الجهوية. كما أن المتضرر بإمكانه الإشتكاء للقضاء عند عدم التوصل إلى صلح ( الفصل 37) و أيضا عند المطالبة بالتعويض عن تفاقم الضرر ( الفصل 43). و في كل الحالات لا نرى مبررا من التخوف من مرور الطبيب أمام القضاء. فهو الأقدر بالاليات المتوفرة لديه من إنصاف كل ذي حق.

و تبقى المسؤولية الجزائية لمهنيي الصحة قائمة دائما حسب الفصل 25 من المشروع « يعد الإهمال الجسيم أساسا للمسؤولية الجزائية لمهنيي الصحة على معنى أحكام هذا القانون». «و يحال وجوبا مهني الصحة المعني بالأمر من قبل وكيل الجمهورية على قاضي التحقيق الذي يتولى بحثه في موضوع التتبع». و بالتالي فإن الطبيب يبقى دائما مسؤولا عن أفعاله أمام الإدارة و أمام عمادة الأطباء (سلطة أدبية و إدارية) و أمام القضاء.

قصارى القول فإننا نعتبر أن مشروع القانون هذا لا يحقق ايا من الاهداف المعلنة سواء من ضمان حقوق المرضى او حماية المهنيين. و قد يكون كما قال بعض المختصين قانونا لا طائل منه قد لا يساهم سوى في تعميق «فوضى القضاء»حيث ان تعدد القوانين قد لا يساعد على تحقيق العدالة.

المشاركة في هذا المقال