Print this page

خاص: أول دراسة في تونس الانعكاسات الاقتصادية لفيروس كورونا على بلادنا الجزء الثاني والأخير الخطوط العريضة لبرنامج إنقاذ وطني

نشرت «المغرب» في عددها 2619 أول دراسة للانعكاسات الاقتصادية لفيروس كورونا على الاقتصاد الوطني

وكشفت هذه الدراسة عن النتائج المحتملة للفيروس وفق 4 فرضيات تعلقت بانتشاره وتأثير ذلك على الناتج القومي الخام ونسبة نمو البطالة والاستثمار.
وفي عدد اليوم تنشر «المغرب» الجزء الثاني المتعلق ببرنامج إنقاذ يبحث عن الفرضيات التي طرحت في الجزء الأول من الدراسة

بعد دراسة التداعيات الاقتصادية لهذه الأزمة على بلادنا سنحاول في هذا الجزء تقديم بعض الخطوط الكبرى لبرنامج إنقاذ وطني من اجل محاولة السيطرة على هذا الفيروس والتقليص من انعكاساته السلبية على كافة الأصعدة.
وسنحاول في هذا المجال التركيز على ثلاث مسائل أساسية وهي : المبادئ ،محتوى البرنامج أو الإجراءات والنتائج المحتملة .
المبادئ :
يخضع هذا البرنامج الوطني للإنقاذ إلى جملة من المبادئ الأساسية الضرورية لتوحيد سياسات وتوجهات كل المتدخلين في صياغته .
المبدأ الأول:
يهم مسؤولية الدولة لحماية شعوبها في فترة الأزمات الكبرى الصحية والأمنية والاقتصادية. وفي هذا المجال لابد من التأكيد على هذا المبدإ في الأزمة الحالية التي تمر بها بلادنا .وهذا المبدأ يشكل قاعدة أساسية تتخطى وتتجاوز كل الالتزامات الأخرى بما فيها التي أخذتها الدولة مع المؤسسات الدولية كصندوق النقد .
المبدأ الثاني :
يهم ضرورة أن تكون الإجابة شاملة ومتكاملة لقد أثبتت هذه الأزمة الصحية في بلادنا وفي العالم أن تداعياتها لا تتوقف على الجوانب الصحية بل تمتد كذلك إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لتصبح مسألة أمن قومي .ولهذه الأسباب لابد أن يكون برنامج الإنقاذ شاملا ومتكاملا ويشمل كل المستويات الصحية والاقتصادية والاجتماعية .
المبدأ الثالث:
يهم الجانب الاقتصادي وضرورة أن تتضافر الجهود من قبل الحكومة والبنك المركزي للتقليص من حدة الانكماش الاقتصادي.وهذا يتطلب الشجاعة للخروج من السياسات الاقتصادية التقليدية وإتباع سياسات جريئة قادرة على إعادة النفس للديناميكية الاقتصادية ودفع النمو .
المبدأ الرابع :
يهم أهمية قطاع الصحة وضرورة دعم هذا القطاع الاستراتيجي . وقد أثبتت هذه الأزمة الصحية لا فقط في بلادنا بل كذلك حتى في البلدان المتقدمة التدمير الذي حصل لهذا القطاع من جراء السياسات النيوليبرالية ودعوتها لتقليص دور الدولة في الاقتصاد وإخضاع القطاعات الاجتماعية لمبدإ السوق والربح. لقد أثبتت هذه الأزمة أن هذا القطاع كغيره من القطاعات الاجتماعية هو قطاع استراتيجي وأساسي ويتطلب تدخلا كبير الدولة لتوفير الصحة والأمان الاجتماعي لجميع للمواطنين .
المبدأ الخامس :
يقوم برنامج الإنقاذ الوطني على مبدأ التضامن والتآزر .وللدولة دور أساسي للوقوف على جانب كل الفئات الاجتماعية الضعيفة والتي ستتضرر كثيرا من الأزمة الاقتصادية ومن تصاعد البطالة .فلابد للدولة من القيام بتحويلات مالية لفائدة هذه العائلات لدعمها والتقليل من تأثير الأزمة الاقتصادية عليها .
المبدأ السادس :
ويهم انعكاسات الأزمة الاقتصادية على مؤسساتنا وضرورة إيجاد السياسات والإجراءات الضرورية لإنقاذها .وقد قامت اغلب البلدان بإضافة جزء هام لبرامج مكافحة الفيروس بدعم المؤسسات الاقتصادية والوقوف إلى جانبها لحمايتها في هذه الظروف الاستثنائية .
المبدأ السابع :
إن برنامج الإنقاذ الوطني لا يمكن له أن يتوقف على الإجراءات الآنية لإيقاف تفشي الفيروس بل يجب عليه كذلك أن يأخذ بعين الاعتبار الإجراءات المتوسطة والطويلة المدى وخاصة المتعلقة بالتأهيل الهيكلي لقطاع الصحة .
المبدأ الثامن:
ويهم الاستفادة من كل الإجراءات التي أخذتها المؤسسات المالية العالمية لدعم البلدان النامية في حربها ضد الفيروس .
بعد هذه المبادئ نمر إلى تقديم الخطوط العريضة لبرنامج الإنقاذ الوطني وللإجراءات التي يشملها .
البرنامج والإجراءات :
1 - الدعم الآني :
وتهم هذه الإجراءات ثلاث مستويات :
المستوى الأول:
يهم تخصيص 300 مليون دينار لقطاع الصحة لمجابهة تحدياته الآنية .
المستوى الثاني:
يهم الجانب الاجتماعي والعائلات المعوزة ويمر الى تحويل 200 مليون دينار لفائدتها
المستوى الثالث:
يهم المؤسسات الاقتصادية وخاصة في القطاعات المتضررة .حسب تقديراتنا فان الزائد trop PerçU الذي يقع الآن عند الدولة لفائدة الدولة بالنسبة للأداء على القيمة المضافة والأداء على المؤسسات يصل إلى 6 مليار دينار . ونقترح في هذه المجال تحويل هذا المبلغ إلى المؤسسات في القطاعات المتضررة على ثلاث سنوات بمعدل 2 مليار دينار سنويا عوضا عن الاداءات .
المستوى الرابع:
ويهم المؤسسات الاقتصادية ويخص التخفيض في المساهمات الاجتماعية للأعراف بـ%50
2 - السياسات الاقتصادية :
وتهم هذه الإجراءات السياسية المالية والنقدية.
- في مجال السياسة المالية نقترح التسريع في انجاز المشاريع الكبرى بقيمة 2 مليار دينار
- في مجال السياسة النقدية نقترح التقليص في نسبة الفائدة المديرية بـ200 نقطة
- كما نقترح أن تتولى الدولة مع البنك المركزي دعم المؤسسات الصناعية في مفاوضتها لإعادة جدولة ديونها مع البنوك
- كما نقترح تخصيص سيولة مقدراها 500 مليون دينار من البنك المركزي لدعم المؤسسات الصناعية وتوفير حاجياتها من التمويل .
3 - الإجراءات الطويلة المدى
وهنا نقترح التركيز على القطاع الصحي وتخصيص استثمارات عمومية بـ1 مليار دينار سنويا لتهيئة القطاع ودعم المؤسسات الصحية .
النتائج:
وقد قمنا بتطبيق هذا البرنامج على السيناريو الثاني وهو سيناريو التفشي المحدود .وقد أعطى النموذج الكمي النتائج التالية :
جدول 3 :النتائج الاقتصادية لبرنامج الإنقاذ الوطني لسنوات 2020 - 2021 - 2022


وسنحاول في ما يلي تقديم قراءة لأهم نتائج هذه الدراسة .
فيما يخص نسبة النمو برنامج الإنقاذ ستكون له نتائج ايجابية منذ هذه السنة حيث ستصل نسبة النمو إلى %3.46 وستواصل هذا النسق من النمو خلال السنتين القادمتين أي 2021 و2022.
وسيكون لعودة النمو تأثير ايجابي على البطالة حيث ستعرف نسبة البطالة تراجعا منذ السنة المقبلة بـ%-1.56 ويتواصل ها التراجع سنة 2022 بـ%-2.78.
كما سيكون هذا البرنامج وراء عودة الاستهلاك الداخلي منذ السنة الثانية بـ%1.52 و%2.54 خلال سنة 2022.
وستكون من نتائج عودة الاستهلاك الداخلي ارتفاع في الأسعار والتضخم ولكنه يبقى محدودا .
إلا أن التطور الأهم في رأينا الذي سيقود إليه برنامجا لإنقاذ هو العودة الكبيرة للاستثمار والذي سيعرف أرقاما مهمة وارتفاعا كبيرا للاستثمار الخاص .ومن نتائج ارتفاع الاستثمار ستعرف بلادنا ارتفاع الصادرات والواردات .
كما ستعرف كذلك بلادنا ارتفاعا لمداخيل الدولة من خلال الضريبة على المؤسسات والضريبة على الدخل .
إلا أن هذا الارتفاع غير كاف لمجابهة حاجيات التمويل مما سينتج عنه تطور هام لحاجيات التمويل وللمديونية .وسيبدأ هذا التوجه في التقلص منذ السنة الثنية لتطبيق البرنامج .
إن نتائج هذه الدراسة تؤكد أن برنامجا طموحا وإراديا ويقطع مع السياسات التقليدية قادر على مجابهة أزمة فيروس كورونا ومواجهتها .ولكن هذا البرنامج يتطلب الكثير من الجرأة لصياغته الشجاعة للدفاع عليه خاصة أمام المؤسسات الدولية والكفاءة والقدرة لتطبيقه .
في النهاية
يمكن الإشارة إلى ثلاث مسائل ونتائج ورسائل أساسية .
الرسالة الأولى:
هي أن فيروس كورونا هو الأخطر الذي عرفته الإنسانية في العقود الأخيرة وانعكاسات هذا الفيروس لا تتوقف على الجوانب الصحية بل تشمل وتمتد إلى كل جوانب الحياة الاجتماعية وقد اشرنا في هذه الدراسة إلى عمق وخطورة الانعكاسات الاقتصادية لهذا الداء في بلادنا .
الرسالة الثانية :
تهم برامج مقاومة تفشي الفيروس وقد أكدنا في هذه الدراسة على أن الجوانب الصحية على أهميتها لا يمكن أن تختزل كل الإجابات على هذه الأزمة. وهذا الفيروس يتطلب برنامجا شاملا ومتكاملا وهو ما حاولنا تقديمه في هذه الدراسة.
الرسالة الثالثة:
تخص قدرة السياسات العمومية على محاربة مختلف جوانب هذا الوباء . وقد اشرنا في دراستنا على إمكانية مجابهة الجوانب السلبية لهذا الوباء من خلال سياسات عمومية شجاعة وجريئة . ويمكن لهذه السياسات أن تعيد الأمل أمام واقع الخوف والهلع الذي سيطر علينا اليوم .
وعلى خلاف فلورنتينو وحبيبته واللذين سيبقيان على ظهر المركب في رائعة «الحب في زمن الكوليرا» للروائي الكبير غابريال غارسيا ماركيز فإن السياسات العمومية والتعاون بين الأمم والدول والمؤسسات الدولية ستمكن العالم من إيقاف هذا الوباء والإرساء بالمركب الإنساني في ميناء الأمل والحلم.

المشاركة في هذا المقال