Print this page

كواليس النات: غوغل/ فايسبوك: «أبناؤنا» الجدد بالتبنّي !

من الطّقوس الأكثر انتشارا في العالم قيام مؤسّسات رسمية متخصّصة بإجراء مسوحات سكّانية دورية - بمعدّل تعداد للسكّان والسكنى

كلّ عشر سنوات - من خلاله يتم تحيين الخارطة الديمغرافية/ الإحصائية لمجتمع ما وذلك بغاية مساعدة دوائر القرار على ضبط السّياسات العامة للدولة في مختلف المجالات والقطاعات ...
وباعتبار أنّ تركيبة الأسرة تٌعدّ من بين المؤشّرات القاعدية الكبرى التي اعتمدتها عمليات التعداد العام للسكان في بلادنا منذ عقود آخرها سنة 2014 حيث خلص المختصون في الجغرافيا البشرية الى أنّ المعدل العام لأفراد الأسرة التونسية فى تراجع بما يناهز الأربعة أشخاص .. إلا انه بفعل الرقمنة المكثفة تظل الشكوك تحوم حول:
- مدى تطابق منهجية المسح الأسرى المعتمدة منذ عشرات السنين مع الكيمياء العائلية المعاصرة بوجهها البيولوجي المٌعلن والافتراضي الخفي ؟
- ألم تتغير المعادلة الأسرية في العمق بفعل الرقمنة التي تسللت داخل كل بيت ؟
- ألسنا بصدد التعاطي مع عالم مٌتجه نحو التأسيس لأسرة رقمية Famille digitale في تجاوز للأسرة المرقمنة Famille digitalisée ؟
- لمً لا يتم احتساب الثنائي التوأم غوغل / فايسبوك من مجموع شخوص الأسرة الواحدة ؟
- كيف يمكن «للإدارة الأسرية» le management familial الراهنة أو المستقبلية مهما كانت درجة تماسكها او محافظتها ان تصمد في وجه أبناء جدد قذفت بهم رياح وادى السيليكون Silicon Vallée ؟
بالفعل منذ مطلع هذه الألفية تشهد الأسرة التونسية كغيرها من الأسر في العالم تحوّلات بنيوية عميقة بفعل الرقمنة المعولمة.. تحوّلات كبرى صامتة لم تتحرّك حيالها نخبنا السياسية المنشغلة بالاعتكاف على أبواب «دار الضيافة» ولا حتى أوساطنا الأكاديمية التى لم تفكّر الى اللحظة بالإسراع فى إحداث مختبر علمي متخصّص في «علم النفس الافتراضي» .. وحدة بحثية من شأنها أن تساعد على تنضيج مقارباتنا السوسيونفسية لما يجري داخل وسطنا المدرسي من تفشي ظاهرة الانقطاع المبكّر واستشراء للمخدّرات والعنف بأشكاله المتعددة...
بلغة الأرقام كشفت العديد من الدراسات أن عدد التونسيين « الفايسبوكيين » Facbookers يتجاوز عتبة 7,6 ملايين شخص، 59 ٪ منهم من فئة الشباب الأقل من 35 سنة، 1,9 مليون شخص لهم حساب «انستغرام، وان أكثر من 50 ٪ من التونسيين يتصفّحون الإنترنت عبر محرّك البحث غوغل ...
كما أن عددا من البحوث المتخصّصة في «علم النفس الافتراضي» أثبتت ما يلي:
- إن سرّ تفاعلنا الفايسبوكي فيما بيننا عصبي بالأساس يتمركز في مستوى جهازنا الدماغي أين يوجد تحديدا هرمون المتعة hormone de plaisir المعروف بالدوبامين Dopamine ...
- إن 44 ٪ من «الفايسبوكيين» يستخدمون Like على الأقل مرة فى اليوم الواحد لأسباب عدة منها سهولة العملية وجاذبيتها أو للتعبير عن التعاطف مع صاحب التدوينة أو بغاية التأشير بالإيجاب على علامة تجارية أو لمساندة قضية معينة...
- ان شريحة واسعة من المستجوبين يقومون بالتعليق commentaires على التدوينات المتداولة لإثبات ذواتهم ومن باب التعويض النفسي عن الشرخ التواصلي الكبير الذي يفصلهم عن محيطهم المادي المباشر...
على امتداد الأسبوع، جميعنا تقريبا على موعد عائلي متجدّد مع الاخوة «غوغل و فايسبوك»..الساعة تشير الى الثامنة ليلا ..أولياء وأطفال مرهقون بأثقال اليومي.. مساحات التواصل بيننا مٌستنزفة يحكمها التشنج والتوتر.. المصادر السلطوية العائلية التقليدية - من أب وأمّ - تشهد انحسارا كبيرا فى وجه سلطة صاعدة افتراضية ناعمة انخرط فيها جميع أفراد العائلة.. لوحات وهواتف ذكية اكتسحت كل زوايا البيت.. الجميع يتنفس «ويفي».. أي لحظة انقطاع عن الشبكة أو توقف تثير التذمر وحتى الذعر.. الأخ «غوغل» بسخائه الرقمى يقودك الى اختراق المواقع المحرمة لممارسة نوازعك الدفينة دون حسيب أو رقيب.. والأخت «فايسبوك» بقوامها الاغرائى الرشيق تحيطك بأصدقاء جدد وعدد من صور الإعجاب Like من هنا وهناك وأخبار وفيديوهات مثيرة.. بوجودهما أضحى كل فرد منا سجين عالمه الخاص يتحرك داخل أسرته الافتراضية فى شبه قطيعة عن عائلته البيولوجية.. بالنتيجة نحن اليوم حيال أسرة رخوة مخترقة من الداخل بتعليمات من الأخ الداهية «غوغل» والأخت اللعينة «فايسبوك».
بٌعيد هذا التقديم، ألم يحن الوقت ان يٌعدّل «المعهد الوطني للإحصاء» قاعدة احتسابه لعدد العائلة التونسية الواحدة بإضافة «غوغل و فايسبوك» كأبناء جدد بالتبني الافتراضي؟ خاصة ونحن مقبلون فى المنظور القريب على حرب وجودية ضروس بيننا -les Homo sapiens- وبين كائنات الذكاء الاصطناعي-les Homo conectus- ...

المشاركة في هذا المقال