Print this page

نحتاج إلى تصوّر جديد لمجلس أعلى للافتاء ...

حين نتصفّح تاريخ الإفتاء في بلادنا نجده قد عرف مرحلتين الأولى تسمّى "مرحلة ما قبل الاستقلال" وتعود إلى سنة 1611 لمّا قامت "الدولة المرادية"

واتّخذت المذهب الحنفي مذهبا رسميا لها وتمّ تكليف مشرف على هذا المذهب في الدولة، وأسندت له عبر العصور عدة ألقاب، منها: المفتي الأكبر والباش مفتي وشيخ الإسلام نذكر من هؤلاء 1611 - 1634: الشيخ رمضان أفندي و1634 - 1641: الشيخ أحمد الشريف الحنفي وصولا إلى الشيخ عبد الكبير درغوث ثمّ تولّى الأمر رؤساء المذهب الحنفي في الدولة الحسينية على غرار:
• 1720 - 1730: الشيخ علي الصوفي
• 1932 - 1939: الشيخ محمد بن يوسف
• 1939 - 1942: الشيخ الطيب بيرم
• 1942 - 1947: الشيخ محمد الصالح بن مراد
• 1947 - 1948: الشيخ محمد دامرجي
• 1948 - 1956: الشيخ محمد عباس
وفي نفس الفترة أي بين 1932 و1956 تمّ تفريع مشيخة الإسلام إلى فرعين: شيخ الإسلام الحنفي وشيخ الإسلام المالكي، وقبل ذلك كان للمذهب المالكي شيوخ وقضاة أقل رتبة من المشرف على المذهب الحنفي و شيوخ الإسلام المالكي هم:
• 1932 - 1945: الشيخ محمد الطاهر بن عاشور
• 1945 - 1956: الشيخ محمد عبد العزيز جعيط
ثمّ مرحلة "ما بعد الاستقلال" ففي 1956، تمّ توحيد القضاء وحذف خطتي شيخ الإسلام الحنفي وشيخ الإسلام المالكي، وعوضتهما خطة "مفتي الديار التونسية" حسب المرسوم المؤرخ في 28 فيفري 1957، ثم تغّير بعد ذلك إلى "مفتي الجمهورية" عملا بالمرسوم المؤرخ في 6 أفريل 1962 حيث تم تحديد وضبط مهامه وتتلخص في تحديد بداية كلّ شهر قمري اعتمادا على رؤية القمر، مع الاستئناس بالحساب الفلكي وإصدار شهادات اعتناق الإسلام للراغبين فيها من غير المسلمين من جميع أنحاء العالم ومن جميع الجنسيات مع الإجابة عن أسئلة المستفتين عبر المراسلات أو بالحضور المباشر أو عن طريق الاتصال الهاتفي إضافة إلى تمثيل الجمهورية التونسية في الملتقيات العلمية والمؤتمرات وفي المجامع الإسلامية الإقليمية والدولية وإعداد الدراسات العلمية الموكلة إليه لتقديمها والإسهام بها مع إبداء الرأي فيما يعرض عليه من كتب مدرسية أو وثائق وبحوث ودراسات ذات العلاقة بالدين الإسلامي .
وقد تولّى المنصب الإفتائي المشائخ :
- محمد العزيز جعيّط
- محمد الفاضل بن عاشور
- محمد الهادي بن القاضي
- محمد الحبيب بن الخوجة
- محمد المختار السلامي
- كمال الدين جعيّط
- عثمان بطيخ
- حمدة سعيّد
وحاليا الشيخ عثمان بطيخ هذه الشخصية التي أثارت مواقفه الاهتمام في زمن الترويكا لمّا عارض تشدّد السلفية والتسفير لبؤر التوتر وجهاد النكاح وقد عزله "المرزوقي" ثمّ أعاده "الباجي" وحاليا حين صمت إن لم نقل ساند دعوة رئيس الدولة المتعلّقة بالمساواة في الميراث ولم يصدر موقفا واضحا حول "تقرير لجنة الحريات والمساواة"
وعند عامة الناس أضحت وظيفة "المفتي" محلّ تندر في صفحات التواصل الاجتماعي غير مقدّرة لدوره الحقيقي ويعود ذلك لكونه منصبا يخضع لتعيين رئيس الدولة في حين أن كبريات المسؤوليات والمناصب أصبحت في النظام الديمقراطي بعد الثورة تخضع للانتخابات كما أن مقرّ دار الإفتاء ومكاتبه وعدد موظفيه لا يليق بسمعة تونس والأهمّ من هذا كلّه ما يظهر للناس من كون مهام المفتي مقتصرة على الاعلان عن رؤية الهلال فحسب بشكل نمطي مملّ متكلّس غالبا ..
وعليه فالمطلوب اليوم في خضمّ المستجدّات التفكير فيما تحتاجه هذه الوظيفة أو بالأحرى هذه المؤسسة شئنا أم أبينا .تحتاج إلى تغييرها فقد انتهى دورها بالشكل الحالي وتعويضها بمجلس أعلى للإفتاء منتخب وفق معايير وضوابط ونصوص قانونية لأن زمن الإفتاء الفردي انقضى منذ عقود فالإفتاء اليوم جماعي أو لا يكون يشترك فيه رجل العلم الشرعي واختصاصي الجباية و الطب والاقتصاد وغيرهم لتشعّب القضايا وتقاطعها مع المستجدات المعقدة والمتشعبة ..كما أن وظيفة الإعلان عن دخول الأشهر وهلال رمضان والأعياد ومقدار الزكاة وغيرها لا يمكن أن تكون من مهمات المفتي بقدر ما هي من مهمات الناطق الرسمي للمجلس الإفتائي ووسائل الاعلام المتاحة بكثافة اليوم بمختلف أنواعها وكذلك بالنسبة إلى كلّ العمليات الإدارية فهي موكولة لأهل الاختصاص كذلك .
لا نحتاج إلى مؤسسة مشلولة أو ديكورا ..ولا للمفتي الذي يغنّي خارج السرب بل نحتاج الى رجال حكماء وشباب لهم من الكفاءة والاحترافية ما يجعلهم محافظين على صورة الدين وصورة الاجتهاد الحدبث في بلد الزيتونة والعلماء وضمن هيئة إفتائية فسيفسائية التركيبة استجابة للتحوّلات التي تشهدها البلاد والأفكار والسلوكات ..
نحتاج إلى تصوّر جديد لمجلس أعلى للافتاء في مرحلة ما بعد الثورة تتوسّع دائرة مهامه وتواكب تطورات العلم والتكنولوجيا وفنون التواصل والخوض في كبريات مشاغل الناس الدينية والاقتصادية بتشابكها ..

المشاركة في هذا المقال