Print this page

منبــر// في الثورة الفعلية


من المؤلم والموجع أن نصل إلى هذا الاستنتاج: «شعبنا يتكلم ولا يعمل». هذه حقيقة جماعية تخص المجتمع التونسي اليوم. مجتمع يعيش في القرن الواحد والعشرين. مجتمع لم يصل إليه من مكونات العولمة والتنمية المستدامة إلا الفتات ، إلا القشور، إلا المظاهر السلبية للحداثة.
ففي مجتمعنا، يتساوى الذي يعلم والذي لا يعلم.. لم يقرؤوا القرآن. (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون،) قرؤوه قراءة دغمائية وسطحية و وظفوه من أجل أن يخلقوا لأنفسهم قيودًا أو سلاسلً قيدوا بها أنفسهم و مجتمعهم وما رسوا كاريكاتورا أساسه طقوس وعادات حالية تضر ولا تنفع. ينهضون للصلاة في الثالثة صباحا ثم يهرولون إلى مضاجعهم حتى يغطوا في سباتهم الأبدي العميق. هل يحتاج الله إلى صلواتهم.

كل تاريخ البشرية نتاج عمل دؤوب، تفكيرا وتمحيصا وبرمجة وحركة وإنتاجا وتقييما وتعديل مسار. هذا هو التشخيص العلمي و الحداثي لقراءة التاريخ في أزمنته وفي بساطة جزئياته عمل، عمل، عمل، عقل، عقل، عقل!!
في مجتمعنا يجهل المختص الدكتور في الفيزياء كل أبجديات التواصل والتاريخ ويجهل المختص في التواصل كل أبجديات الحوار الشخصي واحترام الرأي الآخر والمواطنة ويمارس المثقف "نرجسية مطلقة". فهو العالم بكل العلوم والمالك المنفرد لكل حقائق الكون وهو في صراع مستدام مع كل الآخرين هو ... الله!!! أما ذاك الأحمق الذي يمثل قسطا واسعا من سواد الشعب ولا تتعدى ثقافته قراءة ما ينشر من فضائحُ ترويج البلبلة والتفاهة في الجريدة اليومية المفضلة لدى البسطاء، ذاك الأحمق يجادل الدكتور في اختصاصه ولا يحترم لا علمه ولا مقامه ولا حتى شخصه. هو يعبد «الأغنياء» ويتغامز ويتهكم على الحكيم!!! هذه هي تونس العميقة اليوم.

وفي مجتمعنا يسود الفساد والأنا الأعلى جل ممارسي السياسة فهم يلهثون وراء سلطة شخصية من أجل ثراء غير قانوني وفاحش وهابط. لافكر! لا ثقافة! أنانية وتحالفات من اجل تدجين السلطة وكسب أكثر أموال مأتاها لا يمت بصلة إلى خلق القيمة المضافة التي ترتقي بالمجتمعات ومآ لها تعطيل للحركة الوطنية للتراكم الإيجابي. لم يفهموا الأساسي. لم يقرؤوا لا ماركس ولا فوكو ولا نيتشة ولا كاينس ولاسبينوزا ولا .. ولا ولا حتى الشابي. لهث وراء الأنا على حساب الآخر. هم في ضلال مبين. وكل أطياف البسطاء يكنون لهم (لأموالهم وسلطتهم) احتراما «دينيا»، بل هم يعبدونهم عبادة وفي ذلك ينسون وجودا كونيا يسمى ... الله.

يا أهل بلادي! متى تستفيقون؟ يا أهل بلادي!متى تبدؤون في قراءة التاريخ؟ يا أهل بلادي! متى تتفتح أعينكم وبصائركم وعقولكم إلى ما يحدث حولكم الآن وهنا في مجتمع القرن الواحد والعشرين؟ يا أهل بلادي! متى تهبون إلى العمل؟ يا أهل بلادي! متى تبدؤون في محاولة فهم أبجديات العلم والمعرفة؟
يا مثقفي تونس! متى تشرعون في تربية الشعب الكريم؟ يا سياسيو تونس! متى تتفتح بصائركم للمعنى الحقيقي لوجود البشر؟ محبة الآخر والعمل من أجل السعادة ...

يا نساء تونس؟ متى تدمرن تلك القيود الفولاذية والـهابطة التي صنعها لكن الأغبياء والجبابرة؟ يا شباب تونس! متى تثورون على البالي القديم وتشرعون في تحقيق الحلم؟ ثقافة وعمل وحداثة وعلم.

أفيقوا، أفيقوا. فثروة البشر هي الوقت. والوقت يمر بلا هوادة فلا تبددوه. أعطوا معنى لوجودكم!

كل شيء ممكن. نعم! كل شيء ممكن. ومن أجل الممكن وجبت ثورة فعلية: ضد الجهل، ضد الأنانية البلهاء، ضد فساد الأغبياء والنرجسيين والمتعطشين للتلاعب بدم الأبرياء وعرق العاملين. اليوم نحن في مزبلة التاريخ. يوم نعي و يوم نفهم تتحول المزبلة إلى ثروة. المجتمع الجديد بين أيديكم. السلطة للعاملين! السلطة للفاعلين! السلطة للأذكياء!

نعم للثورة العميقة!

المشاركة في هذا المقال