Print this page

حادث وحديث: كلّ إنسان هو منتج، هو مقاول

كلّ إنسان هو منتج. كلّ منتج، تراه يسعى ويتدبّر حتّى يلقى إنتاجه في السوق قبولا ورواجا. كلّ منتج

هو مقاول غايته البيع وفي البيع ربح وثراء. هذا هو شأن الناس جميعا. هذا شأني وشأنك في الحياة. قد يكون الانتاج سلعة أو خدمة. قد يكون كلاما. مهما تكن البضاعة، كلّما حصل انتاج، هناك بيع وغاية كلّ بيع تحقيق للربح والمكاسب...

في الجامع، هناك بيع. في الجامعة، في المستشفى، في مراكز الشرطة، في الديوانة، في النقابات، في الأحزاب، في الجمعيّات...، هناك إنتاج. كلّ المنتجين على اختلافهم، تراهم في جهد، في كدح، لتسويق ما أنتجوا، لبيع ما كان لهم من إنتاج...

الامام فوق المنبر يخطب في الناس. يهدي الناس. يصلّي بالناس. ما غاية الامام هداية الناس ولا إقامة الصلوات. غاية الامام رضاء الله أحيانا وهمّه الأساسيّ ما سوف يلقى في الدنيا من تبجيل وتكريم من الناس ومن السلطات. أمّا السياسيون فنفاقهم بيّن وغاياتهم أبين. كلّهم في خدمة مصالحهم. يوارون، ينافقون في سبيل كسب النفوذ والسلطان. كذب السياسيّون، من قال إنّ غايتهم هي حبّ الوطن والناس. كذب من ادّعى أنّه بالشعب متيّم وغايته تحقيق العزّة والأمان...

في كلّ زمن. في كلّ أرض. كلّ انسان يسعى لتحقيق مصالحه الذاتيّة. لا أكثر ولا أقلّ. أحيانا، أسأل: هل توجد في الأرض مصلحة عامّة؟ بعض الناس من حولي مازال يعتقد أنّ رجال الدين بعثوا في الأرض لنصرة الحقّ، للهدى والتقوى وتراهم يصدّقون القول ولا يرون ما في القول من بيع وشراء. تنطلي عليهم الحيلة ويفعل الأيمّة بالمؤمنين ما شاؤوا لقضاء شؤونهم، لجلب المصلحة. مصلحتهم الخاصّة. الكثير من النقابيين اليوم لتمرير ما ينتجون من سلعة، من خطاب، تراهم يعيدون صباحا، مساء، أنّهم في خدمة الطبقة الشغّيلة وهمّهم حماية ضعاف الناس. ذاك ما يؤكّدون. دوما يذكّرون مقولة المرحوم حشّاد: «أحبّك يا شعب»... هل حقّا يحبّ النقابيّون الشعب؟ أنا أسال هل حقّا يحبّ حشّاد الشعب؟ ما المصلحة من حبّه للعباد؟

كما هو الحال في السياسة وفي الدين حيث كان ومازال الانتاج كذبا وزورا، نفس التوجّه نلقاه عند العديد من المنتجين. أحيانا، أرى المنتجين، جلّهم، ناصبين فخاخا...
***
يفسد بعض الأطبّاء سير المستشفيات. تراهم في تغيّب، في إهمال. وجوههم عابسة. في خدماتهم سوء وتغافل. يمشي المرضى في اضطرار الى المصحّات. يدفعون ما لهم من مال تبقّى. في المصحّات يلقى المرضى نفس أطبّاء المستشفى وكلّهم حسن وانشراح. بعض الأطبّاء من القطاع العام هم من حوّلوا وجهة المرضى. هم من أسّسوا وبنوا المصحّات... في المعاهد والجامعات العموميّة، تلقى الكثير من الأساتذة في تغيّب، في تهاون وترى التلاميذ والطلبة في إهمال. يبحثون عن شرح، عن مساعدة. للتدارك، على الدارسين دفع المال. يجب أن يذهبوا الى المدرّسين في المستودعات. بعد أن خرّبت الجامعات على أيدي الوزارة والنقابات والأساتذة، بمعيّة الوزارة، يبني الأساتذة الجامعيّون الجامعات الحرّة وفيها يستقطبون الطلبة، يبيعون لربح المال.
نفس التمشّي تلقاه في الادارات. هذا عسر في نيل رخصة للبناء. تدعوك الادارة الى مدّها بعديد الأوراق والوصولات. تعجز عن توفير الطلبات. تتدبّر. تمشي الى ذاك الذي اشترط الأوراق والوصولات. مقابل رشوة، يعطيك من الرخص ما تشاء. كذلك، الأمر في البلديّات، في شركة الماء والكهرباء، في مراكز الشرطة... كلّما كثرت الطوابير واشتدّ العسر، هناك، بائع ينظر، ينتظر. موظّف منتج يبيع لك من الرخص والخدمات ما تشتهي ومن الوثائق ما تشاء. نفس المنهج تلقاه في الديوانة، في وزارة التجارة، في وزارة الصناعة، في الفلاحة وفي غيرها من الأكشاك المنتصبة في كلّ مكان... هي أكشاك فخاخ، ظاهرها خدمة المواطن وباطنها خدمة أصحابها. كلّ حسب ما امتلك من «سكّين»، يحدّد القيمة والمقابل. كلّ موظّف، كلّ مسؤول، كلّ معلّم، كلّ شرطيّ... هو مقاول. هو بائع للخدمات...
هؤلاء «المنتجين»، هم الذين يقفون اليوم حجر عثرة، رافضين كلّ تغيير. ضدّ كلّ إصلاح. كيف الاصلاح والتيسير وفي عسر السبل والتعطيل، مصلحة لهم ونفاذ؟ كيف التخفيف من عذاب الناس في الادارات، في المستشفيات، في المدارس وفي ذاك العذاب «ريع» منه يقتات الفسّاد؟ كيف الاسراع وتحسين الانتاج وفي ذاك التأخير وفي تلك الرداءة تكمن المصلحة ويكون البيع والشراء. بقدر شدّة الأعباء وكثرة العراقيل وطول الاجراءات تتحدّد الأسعار. بقدر العسر، ترتفع الأثمان وتعظم الرشاوى ويكثر الفساد...

المشاركة في هذا المقال