Print this page

رحيل المثقف والناشر والإعلامي والرياضي والباعث الاقتصادي محمد بن إسماعيل ، أحد الكبار

غادرنا محمد بن إسماعيل عن سن تناهز 92 عاما .. غادرنا احد ابرز حاملي

وحافظي الذاكرة الحيّة للفكر والثقافة والأدب لتونس المعاصرة
محمد بن إسماعيل هو أحد بناة هذه البلاد لا من موقع السلطة التنفيذية أو من موقع القرار السياسي وإن كان لعب أدوارا هامة فيها في ردهات من حياته ولكن هذا المثقف الفذ الذي تقلد مسؤوليات سياسية وإعلامية ورياضية (كان رئيس الترجي الرياضي التونسي) قد كان كذلك أول مؤسس لدار نشر خاصة (Ceres production) منذ أوائل ستينات القرن الماضي ..

دار نشر راهن من خلالها ومنذ البداية على إبراز كل ما في الفكر والأدب التونسيين من إبداع ومن مواضع جدة فأغنى مكتبتنا بآلاف العناوين باللغتين العربية والفرنسية وكان أول نافذة للجامعة التونسية لتعرف بحركة البحث فيها ولتخرج من أروقتها إلى الساحة العامة كما كان له الفضل في اكتشاف أجيال متعاقبة من المثقفين والمبدعين والأدباء على امتداد عقود طويلة .

سوف يقول المؤرخون كم هي مدينة حركة النشر في بلادنا لهذا الرجل الفذ والذي أحاط نفسه بمثقفين من طراز رفيع نذكر منهم المرحوم نور الدين بن خذر ذلك المثقف اليساري الاستثنائي .. لقد كان قارئا غير عادي ومكتشف مواهب وسخر كل حياته داخل سيراس ليوجه ويرافق عشرات بل ومئات الكتاب جاعلا من «سيراس» احد أعمدة الفكر والثقافة والأدب والفنون في بلادنا ..

وسوف يحفظ التاريخ المكانة الخاصة لسي محمد في تلك الفورة الفكرية والفنية والأدبية التي شهدتها بلادنا منذ الستينات وما رافقها من تعدد دور النشر وتنوعها ..

لقد كان ذا نظرة ثاقبة وحدس لا يخطئ وكان يؤمن بأنّ وحده الكتاب باق وما سواه آيل إلى زوال ..

لقد كان يؤمن بقوة الفكرة وبثراء تونس وتنوعها وتعددها وراهن طوال حياته العملية على أجيال الشباب من المثقفين والمبدعين وجعل من دار النشر التي أسسها مؤسسة قائمة الذات فلقد جبل إبناه كريم ورشيد على حب الكتاب منذ الصغر فواصلا عمله في ظروف عسيرة على النشر والفكر والإبداع قبل الثورة وبعدها ، ولكن الكتاب هو المنتصر في النهاية وهو الباقي وما سواه زبد يذهب كجفاء السيل .

رحم الله سي محمد رحمة واسعة ورزق أهله وأحبته جميل الصبر والسلوان

المشاركة في هذا المقال