Print this page

وجهة نظر: لجنة الحريات الفرديّة وسياسة «عيش بالمنا يا كمون»

أذكّر بدءا بمسألة أساسية، وتتعلّق بمهام لجنة الحريات الفردية والمساواة: هي لجنة مكلّفة «بإعداد تقرير حول الإصلاحات

المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة. وستكون ذات طبيعة استشارية وتتولى تقديم جملة من التصورات والمقترحات حول الحريات الفردية وكيفية حمايتها دستوريا واجتماعيا. وستقدّم في ظرف 6 أشهر مقترحاتها ليتولى بعد ذلك رئيس الجمهورية أو المؤسسات الدستورية الأخرى النظر في هذه المقترحات بقبولها أو تعديلها أو رفضها». واستنادا إلى هذه المهام أرى لزاما أن أقف عند مسائل أساسية:

• المسألة الأولى تتمثّل في أنّ مهامّ هذه اللجنة ليست سياسية، وعلى هذا الأساس فهي خارج الأطر السياسية التي يمرّ بها أيّ حزب، وتأخير التقرير إلى ما بعد الانتخابات ليس مشغل اللجنة، وإنّما تقدّم أعمالها ورئيس الجمهورية حرّ في التصرّف فيه قبل الانتخابات أو بعدها.

• المسألة الثانية تتعلّق بالتاريخ الجديد: وأعترف أنّه تاريخ عائم لا يوحي بالدقّة « فقد صرّحت رئيسة اللجنة بعد التقائها برئيس الجمهورية يوم 20 فيفري، (التاريخ المبدئي لتقديم التقرير)، أنّ اللجنة طلبت من رئيس الجمهورية الموافقة على تأخير تقديم التقرير إلى ما بعد الانتخابات البلدية» . لا أخفيكم أنّ هذا التصريح أخافني وذلك لعدّة أسباب، أوّلها يعود إلى قلقي من سكوت اللجنة إثر تهجّم أساتذة الزيتونة في بداية فيفري، وإعلانهم المتوعّد بالردّ على تقرير اللجنة الذي سيرمي بمبادئ الشرع ويزيغ بالمجتمع في متاهات الضلال. كنت أنتظر من اللجنة أن تردّ على بيان هذه المؤسسة الحكومية والتابعة لوزارة التعليم العالي وبإشراف رئيس جامعتها، ولا يفوتني التذكير أنّ اللجنة سعت منذ بداية نشاطها إلى استرضاء هؤلاء واجتمعت بهم ثلاث مرّات وتناقشوا في مسائل حيوية حول مائدة غداء، معناه كلاو الماء والملح.. ومع ذلك فوجئ المجتمع المدني بصمت مريب من قبل لجنة الحريات الفردية، وتساءل إن كانت مراوغة سياسية فليست تلك بقضيّته، والخوف كلّ الخوف أن يكون القرار فرديا قائما على اجتناب شرّهم..
أمّا المسألة الثالثة فهي تتعلّق بالتاريخ المتماهي الجديد، وفي هذا السياق أسأل اللجنة ألا نكون أيضا نستقبل تحديات انتخابية تشريعية ورئاسية أخرى؟؟؟؟

وليس غريبا أن تخرج رئيسة اللجنة آنذاك لتعلن إرجاء تقديم التقرير إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، إن تمّ انتخاب الباجي قائد السبسي ، وتجديد الثقة فيه؟ لذلك أعتقد أن التعلل بالانتخابات مسألة واهية ولا تستند إلى سبب منطقي: فإمّا أن تكون اللجنة أخطأت في المنطلقات والمنهج، وهي على هذا الأساس مثلها مثل المقعد يروم نهوضا. وإمّا أن ترتهن قضيتنا لتخدم مناورات سياسية انتخابية أكثر مصيرية من الانتخابات البلدية...وقد تكون اللجنة تخشى ردّة فعل المرجعية التقليدية وشعرت بأنّ القضية غير مستوعبة من قبل المجتمع، وصدّقت التهديدات المصطنعة.. ومرّة أخرى نعود إلى مسألة المنطلقات. ولعلّ ما يؤكّد هواجسي البيان الجديد الذي أصدره معهد الحضارة الإسلامية بجامعة الزيتونة، التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي مباشرة بعد تصريح رئيسة لجنة الحريات الفردية: «بارك الله في جهود أساتذتنا وشيوخنا وطلبتنا..
واصلوا الخطوة الاخيرة من أجل الالغاء النهائي لمشروع اللجنة».عند هذه المسألة لا يسعني مواصلة الصمت أو الجلوس على الربوة لأقول:
مسألة المساواة قضيتنا نحن، نحن من ناضل لأجلها طيلة عقود، وواجهنا من العنف والاستبداد ألوانا، وكنّا ننعم بتلك المواجهات. ولسنا على استعداد حتى نفرّط فيها، وإن سكتنا هذه الأشهر فلمراقبة ما قد تقوم به لجنة الحريات الفردية من عمل قد نكون غفلنا عنه، والحقيقة كنّا نطمح إلى اكتشاف مقاربات جديدة، لكن اليوم بات واضحا أنّه علينا أن نسترجع مطالبنا لأنّ الحقوق لا تهدى على أطباق من ذهب، ولأنّنا واقعيون جدّا .. فالمساواة هي الدّم الذي يغذّي فكرنا، ولا نؤمن بالمثل « عيش بالمنا يا كمّون»، وما عليك أختاه المكافحة سوى الانتفاضة من جديد، ولا ننسى بيت طرفة:

فـإنْ كُنْتَ لاَ تَسْطِيْـعُ دَفْعَ مَنِيَّتِـي

فَدَعْنِـي أُبَادِرُهَا بِمَا مَلَكَتْ يَـدِي.

نحن نملك من الجرأة ما يكفينا لأن نواجه جبالا من المعارضة، أتدرون لماذا؟ لأنّنا نؤمن بأنّ قضيتنا على حقّ والغير في ضلالة، وأنّنا نحن المالكين لقيود العلم وليسوا هم.. وسيأتي ردّنا على من اعتبروا أنفسهم سدنة الدين لنصدع لهم بالحجة أنّهم يتقوّلون على الله .
وحاشا الله عز وجل أن يبيح لأحد أن يتقوَّل عليه ما لم يقل..

المشاركة في هذا المقال