Print this page

ردّ على كتاب الأستاذ العميد الأزهر القروي الشابي تصحــــيـــــح أخـــطــاء تاريــخـــيــة هــــامّـة

قرأت مؤخرا كتاب المحامي الأستاذ العميد

الأزهر القروي الشابي بعنوان "نسيج الذكريات" الصادر سنة 2023 واستغربت لاحتوائه على أخطاء تاريخية هامة كنت شاهدا عليها بل فاعلا أساسيا فيها.

سوف لا أتعرّض إلى جميعهاحتى لا أرهق كاهل القارئ بل أقتصر الآن علىبعضها.

1))حول الأسباب الحقيقية لسحب الباجي قائد السبسي ترشّحه لعمادة المحامين أمام ترشّح أستاذه فـتحي زهـير:
جاء بالصفحة 102-فقرة 2 من الكتاب ما نصّه حرفيّا:"انتهت عمادة الأستاذ محمد بن للّونة ّ بانتهاء مدّتها.وفي شهر جويلية 1975 ترشّح للعمادة الأستاذ فتحي زهير،وترشّح معه الأستاذ الباجي قائد السبسي،إلاّ أنّ هذا الأخيرقد فاجأ الزملاء الحاضرين يوم الانتخابات بموقفمشرّف يدلّعلى احترامه لتقاليد المهنة، إذ صعد على المنصّة وأخذ المصدح وأعلن تخلّيه عن الترشّح لفائدة الأستاذ فتحي زهير مؤكّدا أنّ هذا الأخير هو أستاذه الذي علّمه قواعد المهنة وتقاليدها،وهو أوّل من احتضنه عندما دخل المحاماة.وفتح له مكتبه ليقضي فيه تربّصه معه.ولذلك فمن واجب الأخلاق ألاّ يزاحم التلميذ أستاذه في الترشّح للعمادة. دوّت القاعة بالتصفيق إعجابا بموقف الأستاذ الباجي قائد السبسي الذي برهن على أنّه محام ملتزم بقواعد المهنة...".
ولئن أتفهّم وفاء الأستاذ الأزهر القروي الشابي لوليّ نعمته قائد السبسي الذي عيّنه وزيرا مستشارا وممثّلا شخصيا له، إلاّ أنّ هذه المنّة من قائد السبسي لا تجيز للأستاذ الشابي تبييض وتلميع صورة قائد السبسي بهذا الكلام الباطل في جوهره والذي يراد به حقّ في ظاهره، وهوكلام غير صحيح بل يرتقي إلى تزييف التاريخ، إذ أنّ حقيقة الواقعة كما يتذكرها مئات الزملاء الحاضرون بالجلسة ولا يزالون أحياء ،أطال الله في أنفاسهم،هي كالآتي:
فعلا تمرّن الأستاذ الباجي قائد السبسي في المحاماة بمكتب الأستاذ فتحي زهير في بداية الخمسينات، وشاء القدرأن حظيتُبالتّـدرّب في المحاماة بنفس مكتب الأستاذ فتحي زهيرفي بداية السبعينات.
وعندما قرّر الأستاذ فتحي زهير الترشّح لعمادة المحامين بسعي من زملائه – كما كان الأمر يجري آنذاك – وكان يحظى بشبه إجماع حوله من الزملاء المحامين لما يتمتّع به من كفاءة وتواضع وطيب معشر مع الجميع فضلا عن تاريخه الوطني النضالي وسجنه ونفيه من قوات الاستعمار،كان الباجي قائد السبسي مقالا من الوزارة ورأى أن يعوّض ما فَـقَـده بالترشّح لعمادة المحامين ضدّ أستاذه فتحي زهير. فاتصلت بهذا الأخير مستغربا ذلك باعتبار أن أخلاقيات المهنة لا تسمح بأن يترشح تلميذ ضدّ أستاذه في المحاماة.أجابني الأستاذ فتحي زهير: " لا تشغل بالك...خلّيه(أتركه)يترشح...لا يهمّ".
واثناء الجلسة الانتخابية المنعقدة بقصر المؤتمرات بشارع محمد الخامس،طلبت الكلمة وقلت:
- يا أستاذ محمد بن ناصر (ليس محمد الناصر،الوزير والرئيس المؤقت الأسبق) من منعك من السفر وحجز جواز سفرك من أجل أفكارك؟ فيصيح الحاضرون:الباجي قائد السبسي...!!
- يا أستاذ محمد الشرفي من سجنك من أجل أفكارك؟ فيصيح الحاضرون: الباجي قائد السبسي...!!
- يا أستاذ محمد محفوظ من سجنك وعذّبك من أجل أفكارك؟ فيصيح الحاضرون الباجي قائد السبسي...!!
- يا أستاذ عبد الجليل الدشراوي من سجنك ونفاك في الصحراء من أجل أفكارك ؟ فيصيح الحاضرون: الباجي قائد السبسي.... !!
- يا أستاذ الصادق مرزوق من سجنك وعذّبك من أجل أفكارك؟ فيصيح الحاضرون: الباجي قائد السبسي...!!
عندها عقّبت قائلا:لهم:هذازميلكم الباجي قائد السبسي وزير الداخلية السابق الذي ظلمكم وسجنكم ونفاكم وعذّبكم من أجل أفكاركم ،فهل تقبلون أن يصبح عميدكم؟ وهل تسمح له سوابقه السوداء تلك معكم ومع غيركمبأن يكون أهلالعمادة المحامين ولحماية العدل والحقوق والحريات،فدوّت القاعة بالصياح المندّد..لا..لا...لا..... !!
وآنذك صعد الباجي قائد السبسي إلى المنصة وسحب ترشّحه.حينها بادرته قائلا:. أتركني أكمّل قائمة المضطهين والمعذبين والمسجونين والمنفيين من أجل أفكارهم بأوامر منك وتحت إشرفك كوزير داخلية.
فتقدّم الأستاذ فتحي زهـيـر للمنصة و وضع يده على كتفي قائلا لي :" يزّيــــه(يكفيه) يا بشرة (تصغيرا وتودّدا لاسمي بشير).
فهل نسيت أو تناسيت أو خانتك الذاكرة أو تجاهلت لأمر في نفس يعقوب كلّ هذا سيدي العميد الأستاذ الأزهر القروي الشابي، في حين تذكرت كلّ التفاصيل عن أحداث أخرى تهمّك شخصيّا..... !! "قالويا بابا وقتاشنولّو شرفاء...؟ ".

2))حول واقعة إيقاف الأستاذ سعيد الشايي من طرف رئيس دائرة بالمحكمة العسكرية عبد العزيز الحمزاوي(صفحات 150 و151 و152 و153) " :
ما يهمّني في هذه الواقعة هو أنّ السيد العميد الأستاذ الأزهر القروي الشابي يدّعي خطأ وتزييفا للحقيقة بالقول ما نصّه حرفيّا : "في هذه اللحظة عرفت أنّه لم يبق أمامي إلاّ الوزير الأوّل السيد محمد مزالي فرجعت إلى مكتبي واتصلت هاتفيا بالوزارة الأولى، وفي لحظة وجدته على طرف الخط فأعلنت له رغبتي في مقابلته حالاّ لأنّ الأمر متأكّد وخطير وهو يتعلّق بالمحاماة ورئيس الدائرة بالمحكمة العسكرية"(صفحة 153 – فقرة 1 ).
"كان ردّه لطيفا جدّا وهو ما عرف به وحدّد لي موعدا بعد نصف ساعة وهو ما حصل بالفعل إذ بمجرّد أن وصلت وجدت موظفا في انتظاري...دخل السيد مدير الديوان وبعد الترحيب بي أدخلني إل مكتب الوزير الأول محمد مزالي الذي أقابله مباشرة للمرة الأولى ..."(صفحة 153 – فقرة 1 ).
هنا نسي أو تناسى أو تجاهل السيد العميد الأستاذ الأزهر القروي الشابي أنّه ومن مكتبه بشارع باب بنات حاول الإتصال بالوزير الأول محمد مزالي لكنّ هذا الأخير رفضالردّ على مكالمته الهاتفية. وآنذاك اتصل بي هاتفيا بمكتبي بشارع باريس طالبا مني النجدة ،نعم النجدة حالاّ بوصفي عضو الهيئة الوطنية للمحامين وباعتبار علاقتي الودية آنذاك بالوزير الأول.فأسرعت إلى مكتبه بباب بنات واتصلت من هاتفه القار بالوزير الأول الذي طلبت منه استقبالنا فورا لخطورة الحالة موهما إيّاه أن ّ في تلك اللحظة يتواجد حوالي ثلاثمائة محام بزي المحاماة ومستعدون لمسيرة إلى رئيس الجمهورية بقصر قرطاج ،فأجابني حرفيا :"تفضلواتوة(أي الآن) هاني نستني فيكم (أي أنا في انتظاركم").وقصدنا مكتب الوزير الأوّلبقصر الحكومة بالقصبة أنا والسيد العميد معا.
وهل نسي أو تناسى أو تجاهل السيد العميد الأستاذ الأزهر القروي الشابي،أنّ الوزير الأوّل أثناء حديثه هاتفيأ مع وزير الدفاع صلاح الدين بالي ،لاحظ لهذا الأخيربالقول حرفيّا :يا سي صلاح، يظهر أنّك نسيت أو لم تكن على علم بحلقة من حلقات هذا المسلسل وهي أنّ رئيس الدائرة بالمحكمة العسكرية عبد العزيز الحمزاوي هو الذي بادر بإهانة المحامي الأستاذ سعيد الشابي بأن قال له :"أنت مكش متربّي"،وبالتّالي فإنّ ردّ فعل الأستاذ سعيد الشابي لم يكن سوى دفاعا عن كرامته كمحام وإنسان حين أجاب رئيس الدائرة بقوله:"اللي يقول لمحامي يرافع مكش متربي هو اللي موش متربي".وطلب الوزير الأول من وزير الدفاع إنهاء هذا الإشكال بالحسنى راجيا منه ألاّ تتكرّر مثل هذه الحالات المؤسفة في المستقبل.

3)) حول انتمائك إلى اليوسفية:

طبعا حضرة العميد الأستاذ الأزهر القروي الشابيأنت حرّ في اعتقاداتكوانتماءاتك وآرائك السياسية وغيرها، علما وقد كان هذا رأييدوما سواء كنت داخل الحزب الدستوري أوخارجهحتى فيزمن بورقيبة حين ذكرت في عديد المناسبات الرسمية:كنّا ونحن صغار نتظاهر ضدّ المستعـمر في الخمسينات مردّدين:" صالح بن يوسف والحبيب الله ينصرهم عن قريب".
أقول هذا لأنـّـك ذكرت بكتابك (صفحة 127 –الفقرتين الثانية والثاثة) ما يلي:" لقي ترشّحي معارضة من جهتين: الأولى من جهة بعض المحامين المنتمين للنظام، إذ وقفوا ضدّي باعتباري معارضا منتميا إلى اليوسفية".(هـــكــــذا ( !!.
لا يخفاك أنّ المحامين - زمن ترشحك للعمادة سنة 1979- كانوا يعدّون بالمئات وليس بالآلاف شأنهم اليوم.وكنّا وخاصّة النّشطاء في العمل النقابي نعرف بعضنا البعض فردا فردا . وعل حدّ علمي كان اليوسفيون معروفين وهم عموما كبار في السنّبالنسبة لنا كشباب وقتئذ، وجلّهم محترمون مبجّلون من زملائهم وحتى من النظام القائم أمثال :زميلي الكبير وصديقي المرحوم محمد بن ناصر وزميلي الأكبر أخي وصديقي المرحوم الأستاذ العميد عبد العزيز الشابي الذي كنت أزوره بمكتبه وأقضي معه وقتا طويلا يمتعني فيه بسرد ذكرياته السياسية وكانوا لا يخفون ميولاتهم السياسية،علما أني كنت آذاك مناضلا دستوريا ثمّ مسؤولا وطنيا وقد طلب مني يوما الأستاذ العميد السابق (اليوسفيّ الشهير) عبد العزيز الشابي التدخّل لدى السّلط المعنية لاسترجاع جواز سفر ابنه نجيب، وكان له ما أراد.
لكنّ المحامين اليوسفيين المعروفين علنا كما ذكرت كانوا قلة بالنسبة للدستوريين واليساريين والمستقلين بالمهنة.أمّا الأستاذ الأزهر القروي الشابي لم يكن معروفا ظاهريا بانتمائه اليوسفي سواء من خلال سلوكه الشخصي أو نشاطه أو تصريحاته أو علاقاته بالدستوريين أو النظام،ولعلّه نسي أو تناسى أو تجاهل أيضا أنّه إثر اسقبالنا ذات مرّة من طرف الرئيس بورقيبة طلب مني أن أحصل له على صورة كبيرة الحجم وهو يصافح الزعيم الرئيس، وكان له ذلك إذ قمت بتأمين صورة كبيرة الحجم على حسابي ووضعتها في إطار ذهبي فاخر من مالي وأهديتها له بكلّ سرور استجابة لطلبه وعلّقها بمكتبه الخاصّ للمحاماة ،متفاخرا بها أمام زوّاره وحرفائه.ولا أعلم مصير تلك الصورة بعد إزاحة الزعيم عن السلطة.وشخصيا كالعديد من زملائنا المحامين لا نعرف منك ،سيّديالعميد،موقفا مناوئا للنظام أو مجاهرتك بانتمائك اليوسفية إلاّ بعد إزاحة الرئيس بورقيبة من السلطة،و لو كان المحامون المنتمون لنظامبورقيبة ضدّك– كما ذكرت في كتابك - لما أمكن لك الفوز في انتخابات العمادة، مثال ذلك فإنّ كلمة واحدة ضدّك من العميد الدستوري المحبوب من جمهرة المحامين الأستاذ فتحي زهير كانت وحدها كافية لفشلك في الإنتخابات.
حضرة العميد الأستاذ الأزهر القروي الشابي،هذا غيض من فيض ممّا احتواه كتابك من أخطاء، ,أنت تعلم مدى تقديري لك كزميل أكبر منّي سنّا وكعميدي عملت معك بكلّ جدّ وتفان ونزاهة وأمانة مدة عمادتك سواء كنت معك مسؤولا بمجلس الهيئة أو خارجها،و كم كان بودّي أن لا أضطرّ إلى هذه التصحيحات التي لا أبتغي منها شرفا اذ أعتبر ما قمت به دفاعا عن شرف المهنة واحتراما لليمين الذي أديناه عند مباشرتها وواجبا تمليه عليّ مسؤوليتي صلب مجلس الهيئة الوطنية للمحامين.،وما تصويبي للأخطاء الواردة بكتابك إلاّ حرصا منّي على الأمانة التاريخية للذاكرة الوطنية.وشكرا لك لسعة صدرك.

بقلم الأستاذ البشير خنتوش

المشاركة في هذا المقال