Print this page

الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية خلاصة سنة من العمل: حقائق صادمة، عمل تحت التهديدات، النقابات الأمنية في قفص الاتهام ومشروع قانون لإلغاء تلك الدوائر

بعد أن انتظرها التونسيون عامة وضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقق الانسان بصفة خاصة لسنوات تم منذ السنة المنقضية تركيز

اكثر من 10 دوائر قضائية متخصصة في العدالة الانتقالية موزّعة على مختلف ولايات الجمهورية من اجل البتّ في ملفات من الوزن الثقيل ومحاسبة الجلادين ومرتكبي الانتهاكات وردّ الاعتبار للضحايا، الانطلاقة الفعلية لتلك الدوائر كانت من ولاية قابس حيث نظرت الدائرة المختصة هناك في أولى القضايا بتاريخ 29 ماي 2018 بفتحها لملف اختفاء وقتل كمال المطماطي،مؤشّر ايجابي نسج على منواله بقية الدوائر ،تفاؤل في صفوف المتابعين من مجتمع مدني بهذه الخطوة لإنجاح مسار الانتقال الديمقراطي ولكن يبدو أن قدر سفينة هذا المسار أن تتوه بين عديد العراقيل،اليوم وقد مرّت سنة على انطلاقة تلك الدوائر فهل بدأ يتحقّق المنشود أم أن العدالة الانتقالية لا تزال كلمات على ورق؟.

فكرة إنشاء دوائر متخصصة في العدالة الانتقالية انطلقت بعد إصدار القضاء العسكري أحكامه فيما يتعلّق بقضايا شهداء الثورة وجرحاها في افريل 2014 وقد تم سنّ الفصل 8 من قانون العدالة الانتقالية للغرض قبل أن يتم إصدار الأمر الحكومي عدد 2887 بتاريخ 8 أوت 2014 لتقوم الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي في 2015 بتسمية قضاة لتلك الدوائر التي بقيت أكثر من سنتين ترتب بيتها الداخلي حتى تنطلق في مهامها على أحسن ما يرام.

مناخ متوتر
آلاف الملفات أحالتها هيئة الحقيقة والكرامة على الدوائر القضائية المتخصّصة وذلك حسب المرجع الترابي لكل قضية انتهاك جسيم لحقوق الإنسان من تعذيب،قتل عمد،اغتصاب،اختفاء قسري وجّهت فيها أصابع الاتهام إلى عدد كبير وهام من المسؤولين السابقين والأمنيين سواء في عهد بورقيبة أو بن علي وكذلك بعد الثورة، الكلّ هلّل وبارك بميلاد تلك الدوائر وبالخطوات ولو بطيئة التي خطاها مسار العدالة الانتقالية رغم المناخ المتشنّج إلاّ انه وبعد الانطلاق فعلا في نفض الغبار عن ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و كشف حقائق أقل ما يقال عنها أنها صادمة يبدو أن المواقف قد تغيّرت وهناك من أوكلت له مهمّة عرقلة مسار تلك الدوائر ووضع العقبات في طريقها وهو ما يكرّس مبدأ الإفلات من العقاب، صحيح أن الملفات فتحت كخطوة أولى ولكن هل تعمل الدوائر في مناخ مريح لمواصلة المشوار وكشف كلّ الحقيقة والاهم من ذلك تحديد المسؤوليات وردّ الاعتبار للضحايا؟سؤال أجابت عنه روضة القرافي الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين بــ«لا» إذ تحدّثت في تصريحات سابقة لها عن غياب الإرادة السياسية في تقوية دور القضاء لمكافحة التعذيب وقالت أيضا «الدوائر القضائية المتخصّصة في العدالة الانتقالية تعمل تحت التهديدات المؤطرة من النقابات الأمنية» ،كما تحدّثت عن رفض الأمنيين لتأمين جلسات تلك الدوائر مشيرة إلى معضلة عدم تبليغ الاستدعاءات لمرتكبي الانتهاكات من الأمنيين بتعلّة عدم التمكن من معرفة مقرّ سكناهم وهو تبرير وصفته القرافي بأنه لا يصدّق وأن ما يحدث مهزلة بأتم معنى الكلمة.

مصالحة شاملة؟
في الوقت الذي يعمل فيه قضاة الدوائر المتخصّصة في العدالة الانتقالية على اثبات جدارتهم بهذه المسؤولية الجسيمة والفصل في ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و محاولة تخطي جملة العراقيل والعقبات التي وضعت في طريقهم تتطور الامور الى ما هو اخطر وفق الائتلاف المدافع عن مسار العدالة الانتقالية الذي تحدّث في بيان سابق عن وثيقة أحالتها وزارة العلاقات مع الهيئات الدستورية مؤخرا على رئاسة الحكومة تهدف إلى إلغاء تلك الدوائر التي طال انتظارها وصرف لأجلها اعتمادات كبرى وتعويضها بلجنة مصالحة وذلك في إطار مشروع قانون سمي بمشروع المصالحة الشاملة أي نحو العفو عن مرتكبي الانتهاكات وتكرار سيناريو قانون المصالحة الاقتصادية الذي تم سنّه لإسقاط التتبعات الجزائية ضدّ المتهمين في قضايا فساد مالي وإداري والاكتفاء بالاعتذار والتعويض للضحية،مشروع قانون أثار ضجّة كبيرة وطالب الائتلاف المذكور بسحبه لأنه ينسف مسار العدالة برمته،موقف أيّده رئيس المجلس الأعلى للقضاء الذي قال في تصريح سابق لـ«المغرب» إنه يرفض أي تدخل من السلطتين التنفيذية والتشريعية في نظيرتهما القضائية ويعارض بشدّة سحب ملفات الانتهاكات من الدوائر المتخصّصة بعد ان تقدّمت أشواطا كبيرة فيها.

المشاركة في هذا المقال