Print this page

يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء لـ«المغرب»: «مشروع قانون المصالحة الشاملة تدخّل في السلطة القضائية ولا لسحب ملفات الانتهاكات الجسيمة من الدائرة المتخصصة في العدالة الانتقالية»

بعد أربع سنوات من مسار عدالة انتقالية قادته هيئة الحقيقة والكرامة وبعد إحالة مئات الملفات المتعلقة بالانتهاكات

الجسيمة لحقوق الإنسان (تعذيب،اغتصاب،القتل العمد،الاختفاء القسري...) رأت الحكومة أن تقدّم مبادرة تشريعية للمصالحة الشاملة وذلك في إطار ما أسمته استكمال مسار العدالة الانتقالية ما بعد هيئة الحقيقة والكرامة،مشروع لاقى رفضا قاطعا من المجتمع المدني وعدد من المنظمات والجمعيات التي كونت ائتلافا للدفاع عن المسار إذ طالبت بسحبه،في هذا السياق تحدثنا مع يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء لرصد موقف هذا الهيكل القضائي من ذلك المشروع الذي ينتظر عرضه على مجلس وزاري لمناقشته قبل إحالته على البرلمان.

مشروع قانون العفو الشامل أو المصالحة الشاملة الذي قدّمته وزارة العلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان يهدف في عدد من فصوله (11 - 12 - 20 - 22 - 34 - 38) إلى تكوين لجنة مختصة في المصالحة وتقديم الاعتذار بالإضافة إلى إلغاء الدوائر القضائية المتخصّصة التي تعالت الأصوات من اجل تركيزها زمن المجلس الوطني التأسيسي وبعد،بل أكثر من ذلك يتضمن المشروع نقاطا تتعلق بانقراض الدعوى العمومية وإيقاف التتبعات ضدّ مرتكبي الانتهاكات.

«مسألة قضائية»
انطلقت الدوائر القضائية المتخصّصة منذ مدّة في فتح ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي أحيلت عليها من قبل هيئة الحقيقة والكرامة وكذلك ملفات قضايا شهداء وجرحى الثورة التي كانت الدافع للمطالبة بتركيز تلك الدوائر فالجميع مازال يتذكّر تاريخ 12 افريل 2014 عندما صدحت محكمة الاستئناف العسكرية بأحكامها في تلك القضايا والتي خلفت استياء كبيرا في صفوف العائلات وصل صداه إلى قبة باردو (المجلس التأسيسي آنذاك) أين طالب عديد النواب بضرورة إحداث دوائر متخصّصة لإعادة النظر في تلك الملفات وإنصاف الضحايا ،وفي فيفري 2018 انطلقت تلك الدوائر في عملها الفعلي الذي ثمّنه البرلمان واعتبره خطوة في الاتجاه الصحيح ولكن اليوم يبدو أن المعادلة انقلبت فبعد المطالبة بمحاسبة مرتكبي الانتهاك وترك القضاء يقول كلمته لتكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب وضمان عدم التكرار يبدو ذلك مجرّد كلمات قيلت في زمان ومكان معيّنين ولخدمة مرحلة معينة واليوم تغيّرت الأمور لتصبح المطالبة بمصالحة شاملة والاستغناء عن الدوائر المتخصّصة وهو ما أثار جدلا واسعا وتساؤلات عديدة تحدثنا فيها مع يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء الذي قال في تصريح لـ«المغرب» إن «المجلس لم يطلع بعد على مشروع المصالحة الشاملة ولكن ما أقوله هو أن مسار العدالة الانتقالية اليوم لا هو مسألة إدارية ولا مسألة تتعلق بهيئة الحقيقة والكرامة بل هي مسالة قضائية صرفة على الأقل في جانبها المتعلق بالمحاكمات والقضايا المنشورة لدى الدوائر القضائية المتخصصة وطالما القضاء متعهّد بتلك الملفات فلا يجوز لأي سلطة سواء كانت التنفيذية أو التشريعية التدخل لأن ذلك يعتبر تدخلا في السلطة القضائية وسحب الملف من القاضي المختص وهو ما يخالف أحكام الفصل 109 من الدستور (يحجّر كل تدخل في سير القضاء) ومبدأ الفصل بين السلطات وكذلك لمبدأ التزام الدولة باستكمال المسار في كامل جوانبه طبقا للفصل 148 من الدستور (تلتزم الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها والمدة الزمنية المحددة بالتشريع المتعلق بها، ولا يقبل في هذا السياق الدفع بعدم رجعية القوانين أو بوجود عفو سابق أو بحجية اتصال القضاء أو بسقوط الجرمية أو العقاب بمرور الزمن)».

«تصحيح تشريعي»
وأضاف بوزاخر «القضاء متعهّد بقضايا الانتهاكات الجسيمة ومنها ما بلغ أشواطا كبيرة في المحاكمة وبالتالي أي تدخل مرفوض في انتظار الاطلاع على فحوى المشروع لأننا لا نعرف أي فئة وأي نوع من الانتهاكات استهدف،فعدد ملفات الانتهاكات الجسيمة 140 ملف تقريبا وهو ليس بالكثير وبذلك المشروع سنفسخ 4 سنوات من عمل العدالة الانتقالية رغم ما فيه من شوائب ونقائص والدولة صرفت مبالغ كبيرة من اجل المسار وسنوات من الانتظار زد على ذلك هناك أحكام قضائية باتة من محكم التعقيب تتعلق بقضايا شهداء الثورة وقرارات بالإحالة على تلك الدوائر وبالتالي فهذا الموضوع ليس من السهل التعاطي معه بهذه الطريقة فلا يجوز للسلطة التنفيذية أن تسحب الملفات من القضاء ولا للسلطة التشريعية القيام بتصحيح تشريعي لمهامه وهذا المشروع اعتبره تصحيحا تشريعيا».

«من الضروري عرضه على المجلس»
وفي تعليقه على ما قالته روضة القرافي الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين بخصوص سياسة تشجيع الأمنيين على مقاطعة جلسات العدالة الانتقالية قال يوسف بوزاخر «من حق مرتكبي الانتهاكات الفرار من العدالة ولكن المحكمة لديها آليات ومهمتها تطبيق الإجراءات ومما لا شكّ فيه أن هذه الممارسات تساهم في تعطيل المحاكمات وجميعنا مطالبون بالانخراط في إنجاح المسار كلّ من موقعه وتسهيل عمل الدوائر وليس سحب الملفات منها».وبالنسبة لإمكانية مطالبة المجلس بسحب ذلك المشروع عندما يحال عليه لإبداء رأيه الاستشاري قال محدثنا «جميع القوانين المتعلقة سواء بالقضاء أو بالإجراءات أمام المحاكم هي في صميم اختصاص المجلس ومن الضروري عرضها عليه لأخذ رأيه الاستشاري ،ولكن نحن لا نطالب بالسحب نحن نبدي موقفنا مصحوبا بالتعليل المفصّل باعتبارنا سلطة من سلطات الدولة،علما وان الائتلاف المدافع عن مسار العدالة الانتقالية قدّم منذ مدة مطلبا للمجلس من اجل لقاء معه وقريبا سنحدّد موعدا».

المشاركة في هذا المقال