الاتجار بالأشخاص أصبح واقعا ملموسا في تونس التي يوجد فيها كلّ أنواع هذه الجريمة المتعارف عليها من استغلال اقتصادي للأطفال،مرورا بالاستغلال الجنسي للنساء وصولا إلى استغلال الأجانب اقتصاديا أيضا،في إطار التصدّي إلى هذه الظاهرة التي أصبحت خطرا يهدّد البلاد والعباد خاصة في تونس ما بعد الثورة وما تلعبه هذه الخطوة من دور في إنجاح المسار الديمقراطي فقد رأت الدولة أن يتم تقنين المسألة وذلك من خلال سنّ القانون الأساسي عدد 61 المؤرخ في 3 أوت 2016 والمتعلّق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته،قانون كانت ثمرته هيئة وطنية تعمل في هذا الخصوص ولدت منذ فيفري 2017 بعد مسار عسير بعض الشيء،اليوم وبعد مرور أكثر من سنة ونصف تقريبا على هذا المولود أردنا تسليط الضوء على آخر الإحصائيات حول الملفات المودعة لديها واهم أنشطتها في هذا المجال والإمكانيات المتوفرة لديها وذلك من خلال هذا الحوار مع رئيستها السيّدة روضة العبيدي.
• أعددتم مؤخرا استراتيجية وطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص ماهي آخر التطورات؟
طبعا هذه الاستراتيجية الوطنية صادقت عليها الحكومة وحظيت بإمضاء كلّ الوزارات المتداخلة في هذا الشأن والتي تعمل على مساندة الهيئة في مكافحة هذه الظاهرة،وفي إطار مزيد تفعيل هذه الاستراتيجية انطلقنا كهيئة في جولة وسلسلة لقاءات جمعتنا بعدد من الوزراء على غرار وزيرة المرأة،وزير الشؤون الاجتماعية،وزيرة الشباب والرياضة والمشوار متواصل،هذه اللقاءات سلّطت الضوء على عمل الهيئة وما يمكن لتلك الوزارات أن تقوم به من جهتها من اجل دعم المسار وتحقيق المطلوب،فنحن كهيئة وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر لدينا تحديات اليوم في ظلّ الظرف الذي تعيشه البلاد فأردنا من خلال هذه اللقاءات العمل والبناء على ما هو موجود أي أن الوزارات التي بإمكانها المساعدة بتوفير مراكز الإيواء ،العلاج للضحايا وغيرها من الخدمات فهذه خطوات هامة.
• نتيجة هذه الاستراتيجية كيف تقيّمونها اليوم؟
في الحقيقة دائما نطمح إلى ما هو أفضل ولكن ما تحقّق إلى حدّ الآن ايجابي وايجابي جدّا فقد تمكّنا من خلال الزيارات التي تحدثنا عنها سلفا مع عدد من الوزارات إلى وضع الإصبع على عديد الإشكاليات وتشخيصها وأيضا إيجاد الحلول المناسبة من خلال العمل التشاركي،فقد تعهّدت وعبّرت الوزارات كلّ وفق اختصاصه عن استعدادها للتعاون ومدّ يد المساعدة للهيئة سواء من خلال الإيواء،العلاج والعناية بالضحايا والإحاطة أيضا.
• لسائل أن يسأل الهيئة اليوم تلجأ إلى الوزارات أين ميزانيتها؟
يقول الفصل44 من القانون الأساسي عدد 61 المؤرخ في 2016 المتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته أنه تحدث لدى وزارة العدل هيئة تسمى «الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص»وتخصص للقيام بمهامها اعتمادات تلحق بميزانية وزارة العدل».ولكن كلّ ما اعرفه هو أن الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر لديها مقرّ وفريق يعمل ولا علم لي بنصيبنا من ميزانية وزارة العدل ولم نتلق أي اعتمادات ولا اعرف لماذا و هو أمر غريب فعلا ولكن لا يثنينا عن مواصلة أعمالنا بالموجود وبالتنسيق مع الوزارات وكذلك بالدعم الذي نتلقاه من المنظمات الدولية سواء على المستوى اللوجستي أو التكوين.
• ماذا عن الحملات التحسيسية؟
الهيئة مواصلة في هذا التوجّه من اجل مزيد التعريف بها وتشجيع الضحايا على كسر جدار الصمت وذلك من خلال الحملات التحسيسية والأنشطة التي نقوم بها في مسألة الاتجار بالأشخاص وكيفية التصدي لهذه الجريمة سواء من خلال الاستراتيجية الوطنية أو كذلك مشاركة تونس مؤخرا في حملة «القلب الأزرق» التي أطلقتها الأمم المتحدة،فما يمكن قوله اليوم هو أن الإرادة من قبل مؤسسات الدولة موجودة وهي تعطي دفعا معنويا للهيئة من خلال دعم العمل التشاركي لمواجهة الإشكاليات.
• نتحدّث الآن بلغة الأرقام فكم عدد الملفات التي وصلت الهيئة هذه السنة؟
العدد الجملي لم يتم تحديده بعد باعتبار الهيئة منكبة على إعداد تقريرها السنوي الذي سيحتوي على كلّ التفاصيل،ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عدد الملفات سواء من خلال الإشعارات أو الاتصال المباشر بالهيئة فاق بكثير إحصائيات السنة المنقضية أي أكثر من 742 ملف أو حالة ،وهذا يعتبر مؤشّرا ايجابيا جدّا باعتباره يترجم الوعي الذي تكون لدى الضحايا وكذلك الرأي العام بأهمية هذا الملف وخطورة هذه الجريمة التي لا بد من مكافحتها من خلال كسر جدار الصمت وكشفها لدى الهيئة فالأمور بدأت تتضح في هذا الخصوص خاصة مع دعم المجتمع المدني والمنظمات الدولية.علما وأن التقرير السنوي سيصدر في 23 جانفي المقبل تزامنا مع إحياء تونس لذكرى إلغاء العبودية وهو أول تقرير للهيئة.
• من هي أكثر الفئات تضرّرا من هذه الجريمة؟
الأطفال يتصدّرون طليعة ضحايا الاستغلال الاقتصادي وهو نوع من أنواع الاتجار بالأشخاص لذلك اعتبرت الهيئة هذه السنة هي سنة الطفل عملت من خلالها على ايلاء هذا الملف الأهمية اللازمة بهدف التقليص من عدد الأطفال المستغلّين خاصة في التسوّل والتشغيل وذلك بالتنسيق مع وزارة الداخلية وبقية الأطراف المعنية وما لاحظناه في شوارعنا هو انخفاض عدد الأطفال المتسولين.في المرتبة الثانية نجد الاستغلال الجنسي للنساء،أما الأجانب فكلّ الحالات تتعلق بالاستغلال الاقتصادي ولا وجود لاستغلال جنسي.
• سنة ونصف تقريبا على عمر الهيئة ما هو تقييمكم لما حققتموه؟
الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص تم تنصيبها في فيفري 2017 وانطلقت في عملها بفريق متكامل ومتماسك وبما توفّر لديها من إمكانيات،بعد سنة تقريبا وفي 23 جانفي 2018 تحصّلنا على مقرّ من المؤكد انه فتح الباب لمزيد دعم عملنا،اليوم ما يمكن قوله هو أن الهيئة قامت بما يمكنها القيام به ربما يتجاوز إمكانياتها في بعض الأحيان،فنحن ليس لدينا إمكانيات خاصة لذلك توجّهنا إلى تفعيل الإمكانيات الموجودة والمتوفرة لدى الوزارات المتداخلة والمشاركة في الاستراتيجية الوطنية من اجل مواصلة رسالتنا في مكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر بكلّ أصنافها.
• صدر مؤخّرا قانون يتعلق بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، تعليقكم؟
بالطبع تعتبر خطوة ايجابية جدّا و نحن ندعمها ونثمّنها لأنها بكلّ بساطة تعزيز للمنظومة الحقوقية في تونس ولا يمكن أن تكون إلاّ في صالح التأسيس لدولة تحترم حقوق الإنسان في كلّ جوانبها،فحتى وان كانت هناك ضحية تمييز عنصري وحيدة في بلادنا فلا بدّ أن نثور من اجلها لأنها تنعكس على صورة تونس في الخارج.