Print this page

هيئة الحقيقة والكرامة و«قيادة سفينة» مسار العدالة الانتقالية: شغوارت، خلافات داخلية ،قطيعة مع المكلف العام بنزاعات الدولة....إلى أين؟

في الوقت الذي تستعد فيه هيئة الحقيقة والكرامة لخوض الشوط الثاني من جلسات الاستماع العلنية فإن عديد الملفات الداخلية العالقة والخاصة بهيكلها وبما يحدث في بيتها الداخلي الذي فقد ترتيبه بعد سلسلة الإقالات والاستقالات بالإضافة إلى المصادقة على ميزانيتها والتي يبدو أنها دون المطلوب

حسب رؤية رئيسة الهيئة التي حددت احتياجاتها بـ27 مليون دينار دون أن ننسى الشغورات التي لم يتم سدها إلى اليوم وقد مرت عليها سنوات. هيئة الحقيقة والكرامة التي كانت قاطرة الأمل نحو مسار عدالة انتقالية ناجح وناجع تحفظ فيها كرامة الضحايا ويرد اعتبارهم نجدها اليوم في دائرة من الإشكالات التي تضع ذلك المسار في الميزان.
للتذكير فإن هيئة الحقيقة والكرامة لم يتبق في عمرها القانوني سوى سنة ونصف قابلة للتجديد بسنة لمرة واحدة وهي فترة وجيزة مقارنة بالكم الهائل من الملفات المودعة لديها والتي تجاوز عددها 62 ألف ملف في مختلف الانتهاكات.

ملفات مصالحة في الرفوف
بلغ العدد الجملي لملفات التحكيم والمصالحة المودعة لدى اللجنة المعنية صلب هيئة الحقيقة والكرامة 5579 ملفا من بينها 1897 ملفا يتعلق بالفساد المالي والاعتداء على المال العام،685 منها مقدمة من قبل الدولة بصفتها متضررة بالإضافة إلى 3682 ملفا تخص انتهاكات حقوق الإنسان. طريق المصالحة لم تكن بدايته موفقة فبعد إمضاء أول اتفاق صلح مبدئي بين سليم شيبوب والدولة بصفتها ضحية فساد وفي منتصف طريق استكمال الإجراءات جرت الرياح بما لا تشتهي السفن فقد جدت خلافات بين المكلف العام بنزاعات الدولة ورئيس لجنة التحكيم والمصالحة خلال جلسة عمل جمعت الطرفين فأصبحت «حرب هيبات» والكل ينتظر الاعتذار وبقيت ملفات التحكيم والمصالحة في مهب الريح فالمكلف العام بنزاعات الدولة علق كل الإجراءات في انتظار اعتذار الهيئة وهذه الأخيرة قامت بتنقيح دليل إجراءاتها ليكون ملائما لهذا الوضع وقررت بموجبه تأخير الفصل في ملف الصلح المتعلق بسليم شيبوب إلى فيفري المقبل. سياسة لي الذراع لم تتوقف عند هذا الحد والصراع بين الطرفين وصل إلى القضاء الإداري حيث وبعد قرار هيئة الحقيقة والكرامة رفع الحجر على عدد من الأملاك المصادرة في إطار ما تسميه بالصلح توجه المكلف العام بنزاعات الدولة إلى المحكمة الإدارية طلبا لتوقيف هذا القرار. في خضم كل ذلك لسائل أن يسأل الى متى هذا الصراع ؟ومتى تحسم هذه الملفات وما هو مآلها إن بقي الحال على ما هو عليه؟

من سيعوض المستقيلين؟
سؤال طرح منذ الأيام الأولى التي شهدت فيها هيئة الحقيقة والكرامة استقالة عدد من أعضائها وذلك منذ سنة 2014 وبقي مطروحا إلى اليوم لم تقع الإجابة عنه مقابل ارتفاع عدد الاستقالات إلى أربع أولها خميش الشماري الذي تم تعويضه وتلته استقالة كل من نورة البورصالي وعزوز الشوّالي ومحمد العيادي ولم يتم بعد تعويضهم. بالإضافة إلى قرارات الإعفاء التي اتخذها مجلس الهيئة في حق كل من زهير مخلوف الذي تقدم بطعن إلى القضاء الإداري الذي قضى بعودته إلى منصبه كنائب رئيس وليليا بوقيرة ومصطفى البعزاوي الذي مر على إقالتهما أكثر من شهر ونصف تقريبا ولم تبت المحكمة الإدارية بعد في ملفيهما،خلاصة هذا المشهد هيئة بتسعة أعضاء فقط من بين 15 عضوا وبالتالي غير مكتملة النصاب القانوني مما يطرح إشكالا حول قرارات الهيئة في هذه الحالة ومدى شرعيتها ومشروعيتها.علما وأن لجنة الفرز قررت في وقت سابق بان لا يتم فتح باب الترشحات لسدّ تلك الشغورات إلا إذ تمت الإجابة عن سؤال «ما الذي يحدث داخل الهيئة؟» ولكن اتفقت سهام بن سدرين في شهر نوفمبر المنقضي مع رئيس مجلس النواب على أن يتم النظر في هذا الملف علما وأن الشغورات المتعلقة بالإعفاءات لا يمكن البت فيها الا بعد أن يقول القضاء كلمته ليطرح بعد ذلك سؤال آخر هل ستطبق القرارات القضائية ام يكون مآلها «بلها واشرب ماها».علما وأن تبادل الاتهامات بين بن سدرين ونائبها لم ينته بعد فالصراع بينهما متواصل على صفيح ساخن فكيف يمكن للعمل أن يستمر في ظل هذه الصراعات الداخلية ومن المؤكد أن الضحية الوحيد والمتضرر من كل هذا هم الضحايا الذين ينتظرون حفظ كرامتهم وجبر أضرارهم الذي أصبح حلما شبه مستحيل.

مشروع قانون المصالحة على الخط
منذ جويلية 2015 اقترحت رئاسة الجمهورية مشروع قانون بعنوان «المصالحة الاقتصادية» الذي يهدف حسب تفسيرها إلى تنمية عجلة الاقتصاد بالبلاد التي تشهد أزمة منذ سنوات خاصة وأن الملفات المنشورة لدى القطب القضائي المالي والمتعلقة بالفساد لم تحسم بعد ، مشروع نزل بمثابة الصاعقة والمفاجأة غير السارة على هيئة الحقيقة والكرامة من جهة وعلى عديد منظمات وجمعيات المجتمع المدني وكذلك بعض الأطراف السياسية ،كلهم طالبوا بسحبه فعاد الى رفوف لجنة التشريع العام وقتها ليعود إلى الظهور مرة أخرى في جوان المنقضي لتهب نفس الأطراف وتنفذ مسيرة بالعاصمة تطالب فيها اللجنة بعدم مناقشته والنواب برفضه خلال الجلسة العامة لأنه مشروع لتبييض الفساد على حد تعبيرهم ولكن اللجنة المعنية واصلت نقاشها وبعد أشواط كبيرة بين سماعات ونقاشات قررت هذه الأخيرة إعادته إلى قائمة الانتظار إلى وقت غير معلوم وبالتالي فمسألة تمريره لا تزال قائمة وهو ما لم يسعد معارضيه.

كل هذه الإشكالات العالقة في مسيرة هيئة الحقيقة والكرامة عامة والتي لم يبق فيها الكثير وفي مسار العدالة الانتقالية بصفة خاصة تلخص أن هذا المسار مريض وشفائه يتطلب الاتحاد لأن في الاتحاد قوة وترك كل الحسابات بكل ألوانها وأنواعها جانبا ووضع مصلحة تونس فوق كل الاعتبارات ولكن هل من مجيب؟ .

المشاركة في هذا المقال