Print this page

في دراسة حديثة لمبادرة « سياسات الغد» : استراتيجيات الأحزاب السياسية اللبنانية لضمان الفوز بالانتخابات

أصدرت مبادرة «سياسات الغد» دراسة حديثة رصدت من خلالها سلوك الأحزاب السياسية والمترشحين في الفترة التي سبقت الانتخابات البرلمانية اللبنانية لسنة 2022

لتحديد ثلاثة استراتيجيات رئيسية تم اعتمادها لضمان فوزهم . وشارك في الدراسة كل من الباحثين جورجيا داغر وسامي عطا الله ونجيب زغيب . وأكد خلالها المشاركون بأن الأحزاب السياسية اللبنانية لجأت إلى استراتيجيات انتخابية عدّة لكسب قلوب وعقول الناخبين. ونادرًا ما استندت هذه الاستراتيجيات إلى برامج وسياسات، بل استهدفت غالبًا مواجهة المنافسة والحد منها.

وتؤكد الدراسة انه من الضروري مراقبة هذا السلوك، إذ قد تؤدي الاستراتيجيات الانتخابية في أحيانٍ كثيرة إلى التلاعب بحرية اختيار الناخبين وقدرة المرشّحين المنافسين على تنفيذ حملاتهم. كما حددت الدراسة ثلاث استراتيجيات رئيسية: تقديم حوافز لجذب المؤيّدين، واستخدام المؤسسات العامة في الترويج للحملات الانتخابية، واللجوء إلى العنف وقمع الحملات للسيطرة على سلوك المرشّحين المنافسين.

الكهرباء والمياه مقابل الأصوات
وتظهر النتائج التي توصلت إليها الدراسة أن الأحزاب السياسية والمترشحين قدموا سلعًا وخدمات خاصة وجماعية طوال الأسابيع التي سبقت يوم الانتخابات لم تقتصر على الأفراد، بل شملت أحياء بكاملها. وقد استخدمت الأحزاب غالبًا الأموال الخاصة، كما عمد بعضها إلى استغلال الموارد العامة لتحقيق مكاسب انتخابية.

في ظل شحّ الأدوية والوقود وزيادة أسعار المواد الغذائية وتكاليف الرعاية الصحية وارتفاع فواتير الكهرباء، ركّزت الأحزاب بشكلٍ كبير على تأمين هذه السلع والخدمات لناخبيها.
لم تشترِ الأحزاب الأصوات باستخدام الأموال النقدية فحسب بل شجعت ناخبيها على التوجه إلى صناديق الاقتراع عبر تأمين وسائل النقل لهم، مثل إرسال السيارات الخاصة أو التبرع بالوقود. كما لم يستهدف المترشحون الناخبين المقيمين في الدائرة التي يتنافسون فيها فقط.
و تؤدي هذه الحوافز – بحسب الدراسة - إلى خلق بيئة غير عادلة الا ان ذلك يمر دون عقاب في حين تحظر المادة 62 من قانون الانتخابات2 على الأحزاب والمرشحين تقديم الخدمات أو السلع أو دفع الأموال للناخبين خلال فترة الحملات الانتخابية، إلا أن القانون ترك ثغرة واحدة استغلتها الأحزاب السياسية، إذ يُسمح بالتبرعات إذا كان تقديمها قد بدأ قبل ثلاث سنوات من موعد الانتخابات. وبالنظر إلى أن للأحزاب اللبنانية جمعيات ومؤسسات خيرية وشبكات زبائنية راسخة، فإن المادة 26 تضفي الشرعية على السلوك الزبائني الساعي إلى تحقيق مكاسب انتخابية.

استغلال المؤسسات العامة
استخدمت الأحزاب في الكثير من الأحيان الممتلكات أو المؤسسات العامة في حملاتها الانتخابية. واعتادت الأحزاب السياسية اللقاء بأعضاء المجالس البلدية والشخصيات الدينية في إطار فعاليات خاصة، مستغلةً المؤسسات العامة والدينية كأماكن لحملاتها في انتهاكٍ واضح للمادة 77 من قانون الانتخاب 3 التي تحظر استخدام المرافق العامة والمؤسسات والمدارس الحكومية وأماكن العبادة في المناسبات أو الحملات الانتخابية. كما يحظر القانون على الموظفين في القطاع العام وموظفي الخدمة المدنية الترويج لمرشح معيّن. مع ذلك، أيّد الكثير من هؤلاء علنًا بعض الأحزاب السياسية.
تكرّر مثل هذا السلوك بشكلٍ ملحوظ في دائرة الجنوب الأولى، لا سيما من جانب التيار الوطني الحر، الذي حظي بتأييد العديد من رؤساء البلديات والشخصيات الدينية. وفي دائرة جبل لبنان الثالثة، نالت ثلاث لوائح تأييد ثلاثة رؤساء بلديات، وقد حصل الحزب التقدمي الاشتراكي أيضًا على تأييد علني من رئيس اتحاد بلديات المتن الشمالي.

أما بالنسبة إلى المؤسسات الدينية، ففي بيروت الثانية، أعلنت كل من الجماعة الإسلامية وجمعية الأحباش عن حملاتهما على منابر المساجد لأسابيع قبل الانتخابات. وفي البقاع الثالثة، قام كل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بحملات لمرشحيهما في الكنائس، مستهدفين المجتمع المسيحي حصرًا.
وشملت السلوكيات الأخرى المخالفة لقانون الانتخاب استخدام الممتلكات البلدية أو العامة لتعليق اللوحات الإعلانية. وحصل ذلك تحديدًا في دائرة البقاع الثانية، حيث علقت جميع اللوائح، باستثناء واحدة، لوحاتها الإعلانية ضمن ممتلكات عامة.
تلك كانت بعض الأمثلة على انتهاكات المادة 77، وهي على سبيل الذكر لا الحصر. وستستمر المخالفات من قبل المرشحين والشخصيات العامة في ظل عدم فرض القانون وغياب أي تبعات قانونية على انتهاكه
اما فيما يتعلق بقمع للحملات الانتخابية وترهيب ومضايقة واعتداء على بعض المرشحين فتلفت الدراسة الى انه سُجِّل نوعان من السلوك العنيف: قمع الحملات والاعتداء (الجسدي واللفظي) اللذان استهدفا بشكل عام المرشحين أكثر منه الناخبين
وتجلّى القمع الذي طال الحملات في أغلب الأحيان من خلال تدمير اللوحات الإعلانية أو منع بعض المرشحين من تعليقها. هذا ومنعت أحزاب خصومها من استئجار مكاتب انتخابية أو عقد اجتماعات في الأماكن العامة، ورُصدت محاولاتٌ لحمل مرشحين على الانسحاب من السباق الانتخابي في دائرتي البقاع الثالثة وجبل لبنان الرابعة، وربما حصل مثلها في مناطق أخرى.
نادرًا ما تتم معاقبة استخدام العنف، سواء كان اعتداء جسديًا أو مضايقة أو قمعًا أو تدميرًا للممتلكات. و لا ينص القانون على آلية إبلاغ واضحة عن العنف المستخدم ضد المرشحين وأنصارهم. وإن إنشاء هكذا آلية سيسمح للضحايا بمحاسبة من اعتدوا عليهم، ومن شأنه أيضًا تمكين الناخبين من التصويت بحرية،

من دون خوف من تهديدات أو ترهيب
وتخلص الدراسة الى ان النتائج التي توصلت إليها لا تقدم سوى عيّنة من الاستراتيجيات التي اعتمدتها الأحزاب السياسية خلال فترة الانتخابات، وهي تسلط الضوء على السلوكيات التي تعزز نشوء بيئة انتخابية غير ديمقراطية تفتقر إلى العدالة والمنافسة النزيهة. فقد استغلّت الأحزاب المؤسسات العامة لتحقيق مكاسب انتخابية وسخّرتها في تقديم الخدمات والترويج لحملاتها الانتخابية. وتسلط هذه الممارسات الضوء على أوجه القصور التي تعتري قانون الانتخاب، وتبيّن بوضوح، أنه حتى مع وجود إجراءات قانونية تنص على فصل السباق الانتخابي عن المؤسسات العامة، فإن الأحزاب تتجاهلها في ظل عدم تطبيق القانون وضوابطه الذي يُعزى جزئيًا إلى ضعف قدرات هيئة الإشراف على الانتخابات وعدم استقلاليتها وافتقارها إلى السلطة القضائية.

 

المشاركة في هذا المقال