Print this page

لقاء القمة وحتمية الصراع بين القوة الصاعدة والقوة المهيمنة

يأتي لقاء القمة بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ في وقت تتصاعد فيه الأزمات الدولية وتتوتر فيه العلاقات الدولية إلى أقصى الحدود ابتداء من شرق أوروبا

إثر الحرب الروسية الأوكرانية مروراً بجنوب غرب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وليس انتهاء في جنوب شرق آسيا والتوتر المستمر في بحر الصين الجنوبي ، كما يأتي هذا اللقاء في وقت تتصاعد فيه الأزمات الإقتصادية بما ينذر بأزمة اقتصادية عالمية أقوى من تلك التي حصلت في العام 2008 ،حيث تعاني معظم دول العالم من التضخم في ميزانياتها بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية من ناحية تأثيرها على موارد الطاقة وعلى السلة الغذائية العالمية.
كما تأتي هذه الزيارة في ظل أقصى تأزم حصل منذ عقود بين القوتين العضمتين على خلفية الأزمة التيوانية على إثر الزيارة الجريئة التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأمريكي المثيرة للجدل نانسي بيلوسي الى الجزيرة حيث تسمر العالم أمام الشاشات متابعاً رحلة الطائرة التي أقلتها من سنغافورة الى تايوان بعدما هددت القيادة الصينية برد عسكري فيما لو حصلت الزيارة. بالرغم من كل التهديدات الصينية أصرت المرأة الحديدية نانسي بيلوسي كما يصفها خصومه ومحبيها على إتمام تلك الزيارة واقتضت الحكمة الصينية حينها بتجنب النصعيد الكبير والإكتفاء بالطلعات الجوية للمقاتلات الحربية الصينية فوق مناطق خاضعة لسيطرة تايوان.

وتدرك الولايات المتحدة أن لدى الصين أوراق قوة على مستوى الجغرافيا السياسية تؤهلها لزعزعة كل المنطقة فيما لو قررت ذلك من جزر سليمان جنوباً التي وقعت مع الصين منذ أشهر قليلة إتفاقاً أمنياً الى الفيلبين في الشرق وصولاً الى بكستان في الغرب مرورا بكل الدول بينهما حيث تتمتع الصين بنفوذ متزايد في هذه المنطقة بسبب مشروعها الضخم حول طريق الحرير أي مبادرة الحزام والطريق التي تستفيد منه كل الدول في جنوب شرق وجنوب غرب آسيا.

كما تدرك الولايات المتحدة أن العقوبات الإقتصادية على الصين فيما لو تزايدت ستسبب إنهياراً إقتصادياً على مستوى الإقتصاد العالمي سيضر أولاً في الإقتصاد الأمريكي وذلك بسبب الإستثمار الصيني الضخم في سندات الخزينة الأميركية التي أصبحت الطريقة الإقتصادية الوحيدة التي تستخدمها الولايات المتحدة لإنعاش إقتصادها المترهل. لذلك تحاول الولايات المتحدة حصر عقوباتها على الصين في مجال التكنولوجيا الحديثة لاسيما المتعلقة في صناعة أشباه الموصلات التي تعتبر عصب التكنولوجيا اللازمة في تطوير الذكاء الإصطناعي الذي سيهيمن على الساحة الإقتصادية العالمية في غضون سنوات قليلة.
لاشك أن هذا اللقاء كان بعكس الكثير من التوقعات التي كانت تنظر اليه على أنه سيكون لقاء متوتر قديؤدي الى مزيد من التأزم، إلا أنه في الحقيقة كان لقاءً بناءً ساهم في خفض مستوى التأزم الذي وصل الى ذروته في الأشهر السابقة وكان ينذر بإشتعال حرب إقليمية تؤدي الى حرب عالمية ثالثة.
وكان أهم ما توافق عليه الرئيسان الصيني والأميركي هو عدم قطع التواصل بين البلدين وتكليف مجموعة من المسؤولين من البلدين للتواصل المستمر والبناء. صحيح أن هذا اللقاء لم ينتج حلول لأزمات الصراع الدائرة في تلك المنطقة إن كان فيما يخص تايوان أو كوريا الشمالية إلا أنه أسس لقنوات دبلوماسية معززة قادرة على عدم السماح للتقدير الخاطئ في أن يتحكم في القرارات المصيرية التي تؤدي الى نشوب الحروب ، وبالتالي نشبه نتائج هذا اللقاء بتلك التي حصلت أبان أزمة الصواريخ الكوبية في العام 1962 والتي نتج عنها تخصيص خط ساخن للتواصل بين البلدين لتفادي حرب نووية تؤدي الى دمار الكوكب.
النتيجة الأهم من هذا اللقاء كانت تعزيز التواصل البناء بعدما أدرك الطرفان على إثر لقائهما أن أياً منهما لا يريد التصعيد أكثر وقد عبر رئيس الوزراء الإسترالي السابق والخبير الصيني كيفن رود عن هذا اللقاء بأفضل طريقة عندما قال ( كانت المنافسة بين الإثنين غير مدارة لتجنب حدوث تدهور كارثي لذلك حان الوقت لبعض الإدارة الحذرة).لكن برأينا هذا اللقاء وإن نجح في نزع فتيل التفجير مؤقتاً إلا أنه لم يعالج القضايا العالقة الكبرى، على سبيل المثال لم يتفق الطرفان على إطلاق حوار بين تايوان والصين ولم تتعهد الولايات المتحدة بعدم فرض عقوبات جديدة على الصين، ولم تتعهد بإزالة العقوبات على أشباه الموصلات القادرة على التضييق على التطوير التكنولوجي الصيني، ولم تتعهد الصين بتسهيل المحادثات مع كوريا الشمالية التي تؤرق المنطقة بتجاربها الصاروخية اليومية والتي تحضر لتجربة نووية جديدة لا نعرف كيف سيكون الرد الغربي عليها.

عند الحديث عن العلاقات الصينية الأميركية وعند السؤال عن إمكانية حدوث الحرب بينهما لا بد من الوقوف مطولاً وبعمق على كتاب غراهام أليسن الذي يتكلم عن فخ ثيوسيديدس وهو المؤرخ اليوناني الذي توقع الحرب بين أثينا وإسبارطة ،لأن أثينا كانت هي القوة المهيمنة على العالم وجائت إسبارطة لتنافسها في ذلك الوقت حيث ظهرت إسيارطة كقوة صاعدة قادرة على هزيمة أثينا وأخذ دورها السياسي والعسكري والإقتصادي، لذلك نقول أن فخ ثيوسيديدس قائم اليوم بين القوة المهيمنة التي هي الولايات المتحدة وبين القوة الصاعدة التي هي الصين وأن حتمية الصراع قائمة ولو تم تلطيف التوتر بلقاءات على مستوى القمة.

فيصل مصلح 
كاتب ومحلل سياسي لبناني

المشاركة في هذا المقال