Print this page

بعد تصفية أبو وليد الصحراوي زعيم «داعش» الإرهابي في الصحراء الكبرى: منطقة الساحل الإفريقي في مفترق الطرق

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي عن تصفية زعيم تنظيم «داعش» الإرهابي في الصحراء الكبرى، عدنان أبو وليد الصحراوي،

من قبل قوات برخان الفرنسية المرابطة في منطقة الساحل الإفريقي، وقد أدخل ذلك المنطقة -التي تتخبط في عدم الاستقرار السياسي- في مرحلة جديدة فيها حث دول المنطقة على الاصطفاف وراء باريس. وقامت إثر الإعلان الرئاسي وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي بزيارة إلى مالي مليئة بالتساؤلات.
يعتبر عدنان الصحراوي ثالث قائد لتنظيم داعش تتم تصفيته خلال السنة من قبل القوات الفرنسية. وكانت الاستخبارات العسكرية تعتبره مخطط كل الهجمات الإرهابية في منطقة الحدود الثلاثة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو والتي هددت استقرار تلك البلدان ونشرت عدم الاستقرار في مناطق واسعة من الجهة. ورغم اعلان ماكرون عن انهاء قوة برخان واستبدالها ببرنامج عسكري خفيف يهتم أساسا بمقاومة الحركات الإرهابية ومساندة القوى العسكرية المحلية، فإن الجدل في صفوف الرأي العام لم ينقطع حول شرعية التواجد العسكري الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي.

استقرارهش للأنظمة الصحراوية
وكانت فرنسا قد ارتكزت في تدخلها العسكري على دول الساحل الإفريقي الخمس (بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر والتشاد) التي شكلت قوة عسكرية مساندة من قبل «المونيسما» القوة الأممية وعدد من البلدان الأوروبية لمقاومة الحركات الجهادية. وخلال سنة شهدت المنطقة ثلاث انقلابات عسكرية في النيجر (مارس 2021) ومالي (ماي 2012) وغينيا (سبتمبر 2021) وكلها من «مجموعة الخمس». وهو ما جعل فرنسا في موضع حرج خاصة بعد الانقلاب الذي طرأ في التشاد على يد محمد دبي نجل الرئيس إدريس دبي إثر مقتله في ساحة القتال. إستراتيجية باريس، التي تهدف بتدخلها في المنطقة ضمان «تحول ديمقراطي» مع مقاوم الحركات الجهادية والذي نجحت في موريتانيا و بوركينا فاسو، وجدت نفسها في فراغ أجبرها على «الاعتراف» بنظم عسكرية نابعة من انقلابات لا تخدم توجه فرنسا. وهو ما جعل ماكرون يعيد النظر في التواجد العسكري في منطقة الساحل الإفريقي.

تغيير التحالفات
المعطى الثاني، الذي يقف وراء زيارة وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي إلى مالي يوم 20 سبتمبر للتشاور مع الحكام الجدد، يكمن في سد الطريق أمام التدخل الروسي عبر التعاقد المحتمل مع منظمة «فاغنار» الروسية القريبة من الكرملين والتي نجحت في ربط علاقات تعاون أمني وعسكري مع جمهورية إفريقيا الوسطى على حساب فرنسا على غرار التعاقد مع السودان والموزمبيق وليبيا. وطالبت فلورنس بارلي من نظيرها ساديو كامارا عدم التعاقد مع «فاغنار» معتبرة أن فرنسا «لا يمكنها التعايش مع المرتزقة». وكان وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودرايان قد أكد على أن تعاقد مالي مع «فاغنار» يعتبر «غير متجانس» مع الوجود العسكري الفرنسي الذي عمل منذ ثمانية أعوام على مقاومة الحركات الجهادية في مالي.

تغيير التحالفات في الساحل الإفريقي بانتصاب روسيا في منطقة تابعة للنفوذ الفرنسي لا يخدم الإتحاد الأوروبي الذي يشارك في الجهد العسكري بأكثر من 1200 جندي من بلدان مختلفة لتدريب الجيش المالي. وأشارت السلطات الفرنسية، في هذا السياق، أنها تنوي إعادة نشر قواتها في النيجر في سيناريو كارثي لها تخوفا من قيام تحالف بين العسكريين والمجاهدين لحل أزمة الحكم في مالي. وأشار بعض المحللين إلى أن السبب الرئيسي في التحرك الفرنسي، عبر ارسال وزيرة الجيوش المخاوف المرتبطة بتمتيع روسيا بحق استغلال ثلاثة مناجم علما وأن السبب الرئيسي في التدخل العسكري الفرنسي في مالي هو حماية مناجم الأورانيوم التابعة لشركة «أورانو» الفرنسية التي تستغل اليورانيوم في مالي والنيجر.واذا ما حصل انسحاب الأوروبيين من المنطقة، فان ذلك سوف يفتح بابا واسعا أمام روسيا للتمركز في بلد لها معه علاقات ترجع إلى ستينيات القرن الماضي.

ورقات ضغط روسية
للفريق الحاكم في مالي علاقات متينة مع روسيا. إذ أن رئيس الوزراء شوغل مايغا ووزير الدفاع ساديو كامارا تعلما في موسكو كما ان لعدد كبير من المسؤولين في الدولة علاقات مستدامة مع روسيا منذ سنين. من ذلك أن موسكو تدرب وحدات عسكرية وتمنح الجيش المالي عتادا عسكريا سهل توقيع اتفاقية عام 2019 مع الدولة المالية والتي دعمت بمقتضى بنودها التعاون العسكري الثنائي. وهو أمر غير غائب على الفرنسيين والأوروبيين. لكن ضمان المصالح الأوروبية في المستقبل لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار المستجدات في المنطقة مع تعدد الانقلابات العسكرية التي غيرت التوجهات السياسية الإفريقية الباحثة عن تحالفات جديدة تضمن لها حيزا من الاستقلالية وتمكنها من تنمية البلدان المعنية لصالح عموم الشعب لا لخدمة فئة سياسية معينة تساندها باريس أو بروكسل.

المشاركة في هذا المقال