Print this page

إطلاق نار على مقرّ الحزب الإشتراكي الفرنسي بمدينة غرونوبل: الاحتقان الاجتماعي يتصاعد على خلفية قانون الشغل الجديد

سجلت مدينة غرونوبل الفرنسية ليلة الأحد هجوما مسلحا على مقر الحزب الإشتراكي الحاكم خلف 12 طلقة نارية من عيار 9 مم على واجهة المقر ولم يسفر الهجوم الذي وقع على الساعة الواحدة على أي إصابات. هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها الهجوم على المقر منذ أن أقرت الحكومة

دون تصويت البرلمان، قانون الشغل الجديد الذي تتهمه النقابات بالتخلي عن حقوق الشغالين لصالح الأعراف. وهو ما اعتبرته عديد النقابات و المجموعات الناشطة في الاحتجاجات بـ «الخيانة» بعد كل الوعود الانتخابية التي قدمها الرئيس هولاند في حملته الانتخابية لفائدة الطبقة الشغيلة.

 

مدن فرنسية أخرى تفاقمت فيها عمليات العنف المتكرر ضد مقرات الحزب الإشتراكي. فقد سجلت مدن ليل وسترازبورغ و كان وروان اعتداءات استعملت فيها أنواع من الأساليب العنيفة منها تدمير الواجهات والزجاج و رشق المقرات بالحجارة ورمي الدهن الملون على الحائط و كتابة عبارات نابية على الجدران و شعارات مثل «خونة» و«هذه خيانة» و«لا لتدمير قانون الشغل». وتصاعدت الهجمات في مدينة ليل الشمالية حيث تكررت الهجمات عدة مرات خلال الأسبوع الماضي واتسعت لتشمل مقرات نواب في البرلمان الفرنسي.
جاء هذا التصعيد الخطير بعد أن أقرت النقابات ، و في طليعتها الكنفدرالية العامة للشغل، الدخول في احتجاجات نوعية شملت اضرابات في قطاعات النقل و توزيع البنزين و نقل البضائع شلت أجزاء من شمال فرنسا. وشهدت 1200 نقطة توزيع حالات من الفوضى بسبب انقطاع تزويدها بالبنزين. و لم تتدخل الحكومة إلى حد الآن في هذا الموضوع بل حاولت طمأنة الرأي العام. لكن بعض المؤسسات، خاصة منها شركات النقل الخفيف و بعض المزارع في الريف، تضررت بعدم الحصول على البنزين
وتتوقع النقابات أن تتصاعد الإحتجاجات أكثر فأكثر و أن تأخذ أشكالا أخرى القصد منها إجبار الحكومة على التخلي عن قانون الشغل الجديد.وهو ما ترفضه السلطات إلى حد الآن.

لكن وزير النقل صرح أن القانون لن يشمل شركات نقل البضائع في محاولة لإيقاف النزيف و منع قطاعات أخرى في باقي الجهات من الدخول في إضرابات جديدة. في نفس الوقت أعلنت نقابات شركة النقل البري دخولها في إضراب و مطالبتها بزيادات في الأجور بقيمة 300 يورو شهريا للفرد الواحد . وقررت الحكومة فك الإعتصامات بخزانات الوقود باستعمال القوى العامة و ذلك، في سياسة ليّ الذراع لتركيع الكنفدرالية العامة للشغل التي لا تتمتع بأغلبية في كل المؤسسات الإقتصادية الفرنسية.

حلم النقابات و أقصى اليسار بربيع فرنسي
منذ أن تم إقرار قانون الشغل أخذت أشكال الاحتجاج في تصاعد و دخلت بعض المجموعات العنيفة التي تلقب في فرنسا بمجموعات «المخربين» في اشتباكات مع رجال الأمن خلال المظاهرات السلمية التي نظمت منذ شهر مارس الماضي. و أسفرت الإشتباكات على جرح أكثر من 340 رجل أمن و قامت الشرطة بإيقاف 1300 متظاهر بسبب استعمال العنف. و تم حرق سيارة شرطة الأسبوع الماضي في مدينة باريس من قبل مجموعة من المتظاهرين. كل هذه الأعمال لها في الحقيقة بعد سياسي إذ تنتمي هذه المجموعات العنيفة إلى فئتين من اليسار تنتميان إلى بقايا التنظيم التروتسكي و تنظيم «ما وراء العولمة» الذي يناضل ضد النظام الليبرالي المتوحش.

هذه التنظيمات السياسية وجدت نفسها في نفس الخندق مع مجموعات من الأحزاب اليسارية مثل الحزب الشيوعي و الجبهة الشعبية و مجموعة «المنتفضين» داخل الحزب الإشتراكي نفسه. لكن أحزاب اليسار لم تشارك في أعمال العنف بل شاركت في الإحتجاجات السلمية ضد القرارات الحكومية. ولم تتأخر بعض الشخصيات السياسية عن التعبير عن رفضها للتوجه الليبرالي للحكومة الإشتراكية.

دخول النقابات في الإحتجاجات الأخيرة جاء بعد كل التصدعات داخل الكتلة البرلمانية الإشتراكية ومكونات الحزب وكذلك الإنشقاقات الخطيرة في صلب اليسار ككل. وهو ما أعطى للمجموعات الصغيرة العنيفة فرصة للعمل «الثوري» الذي تحلم به بعض فئات اليسار التي تريد، عبر تعبيرات سياسية واجتماعية جديدة، قلب النظام وتغيير السياسات الحالية. وهو ما يدل على عزوف جزء كبير من الناخبين وانضمامهم لحزب اليمين المتطرف الذي عمل بذكاء على احتواء الغضب الشعبي وتقديم نفسه كبديل لسياسات الأحزاب التقليدية التي فشلت في العمل لمصلحة الفئات الضعيفة وحل مشكلة البطالة.

معركة الرئاسة في الأفق
سجل المشهد السياسي الفرنسي أزمات متتالية داخل الحكومة والحزب الإشتراكي بعد استقالة ممثلي حزب الخضر من الحكومة ثم قطبين من يسار الحزب الإشتراكي هما أرنو مونتبور و بونوا هامون. أتى بعد ذلك دور وزيرة العدل كريستيان طوبيرا لترك حقيبتها الوزارية على خلفية قانون نزع الجنسية على الإرهابيين. ثم قررت مجموعة من النواب فاق عددها 100 نائب عدم التصويت على قانون الشغل مما هدد بإسقاط الحكومة وإجبار الرئيس الفرنسي على حل البرلمان و تنظيم انتخابات سابقة لأوانها. ذلك ما أجبر الحكومة على فرض القانون بدون تصويت.

كل هذه الأزمات الداخلية للحزب الإشتراكي و تنظيمات اليسار افتتحت مسار السباق على كرسي الرئاسة بعد أن سجلت شعبية الرئيس فرنسوا هولاند تقهقرا تاريخيا غير مسبوق. و أصبح الحديث داخل الأحزاب ، وفي صلب الحزب الإشتراكي الحاكم، يدور حول اختيار «بديل» للرئيس هولاند للانتخابات القادمة مما عقد الأزمة. إذ ان دخول الحزب الإشتراكي في أزمة سياسية خطيرة تهدد تمثيليته فتح الباب على تفاقم الأزمة الإجتماعية و بروز بعض الشخصيات الإشتراكية مثل أرنو مونتبورغ و إيمانويل ماكرون التي تريد المشاركة في السباق الرئاسي ضد الرئيس هولاند.

وإن قررت النقابات مواصلة الإحتجاجات حتى سحب القانون فلا يرى الملاحظون في فرنسا كيف يمكن للحكومة، في هذه الظروف المتأزمة، أن تتخلى مرة أخرى عن قانون عملت على فرضه رغم المعارضة العريضة للنقابات. بعض المحللين أشاروا إلى أن الخروج من الأزمة لن يحصل إلا بقرار رئاسي يضمن في آن واحد تغيير الحكومة لنزع فتيل الغضب وتشكيل «حكومة انتخابية» تعمل على تمكين الرئيس هولاند من تحقيق ولاية ثانية. لكن الطريق تبقى طويلة و شائكة.

المشاركة في هذا المقال