Print this page

الصين تستغل صعود طالبان للحكم لحماية مصالحها الإقليمية: هل يغير محور بيكين – اسلام أباد موازين القوى في المنطقة؟

في حين تفاجأت القوات الأمريكية والأوروبية المنضوية في الحلف الأطلسي باكتساح حركة طالبان للعاصمة الأفغانية كابول وسيطرتها على كامل التراب

الأفغاني في وقت قياسي، أعلنت الصين عن استعدادها للتعاون مع طالبان من أجل إعادة إعمار أفغانستان بعد عشرين عاما من الحرب ضد القوات الأمريكية خلفت أضرار جسيمة في البلاد.
وكان وزير الخارجية الصيني وانغ يي قد التقى مع الرجل الثاني في حركة طالبان المولاه عبد الغانيبرداريوم 28 جويلية 2021 أي أسبوعين قبل سقوط كابول واعتبر أن الحركة «تشكل قوة سياسية و عسكرية حاسمة في أفغانستان و أنه يأمل في أن «تلعب دورا في مشروع السلام والمصالحة و إعادة الإعمار». ثلاث مسؤوليات تعتبرها بيكين جوهرية في ضمان السلم على حدودها وتسوية الخلافات الداخلية لضمان سلم اجتماعية تسهل المشاركة في إعادة إعمار البلاد. وهي بهذا تضمن، بفضل الانسحاب الأمريكي، تنامي دورها في المنطقة الحساسة في إطار مشروع طرق الحرير الجديدة.

المحور الصيني الباكستاني
ركز الجدل الإعلامي والسياسي في واشنطن على اخفاق المخابرات الأمريكية في استباق الأحداث الجارية في أفغانستان خاصة أن لها علاقات متطورة مع باكستان و استفادت لعدة سنين من تبادل المعلومات مع المخابرات الباكستانية. ولم تنجح وكالة الاستخبارات الأمريكية في كسر شيفرة العلاقات الباكستانية الصينية في علاقة مع ما يحدث في أفغانستان. بل أن بيكين عملت على توطيد علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع اسلام أباد في إطار بث شبكة طرق الحرير نحو أوروبا مرورا بالمنطقة الآسيوية. وأصبحت باكستان امتدادا طبيعيا للصين في محيطها الأول.

ودخلت باكستان في إطار التحالف الصيني الباكستاني في عملية عسكرية لمساندة قوات طالبان وضمان غطاء جوي للحركة في كل تحركاتها للاستيلاء على المدن الأفغانية الصغيرة وبسط نفوذها فيها قبل رحيل الجنود الأمريكيين. ثم تواصل الدعم الباكستاني بعد اجلاء آخر قاعدة عسكرية أمريكية الشيء الذي سهل اجتياح كل المدن الكبرى ودخول العاصمة كابول بعد هروب الرئيس الأفغاني أشرف غاني منها. إعلان الإمارة الإسلامية في أفغانستان من قبل حركة طالبان يفتح الباب أمام بلورة سياسة جديدة تتطابق مع مستجدات العلاقات الدولية. وهو ما حاول توضيحه زعيم الحركة أخوندزاده في ندوته الصحفية التي أقامها في القصر الرئاسي والتي عبر فيها عن عزم «الإمارة الإسلامية البحث على إرساء علاقات طيبة وإيجابية مع بلدان الجوار وبلدان المنطقة والعالم». وأعلن عن فتح المدارس أمام البنات من المرحلة الابتدائية إلى الجامعة. لكن المنظمات الحقوقية نبهت إلى اللغة المزدوجة لحركة طالبان التي تربطها بجماعات الإخوان المسلمين علاقات وطيدة مشيرة إلى الإعدامات و عمليات جلد النساء بتهمة الزنا التي تخللت مرحلة استرجاع المدن والقرى الأفغانية.

فشل أمريكي استراتيجي ذريع
الوضع الجديد المعقد بما فيه من تداخلات خارجية وداخلية فرضه فشل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في انهاء احتلال البلاد منذ 20 سنة. مشاهد اجلاء العاصمة ذكرت بإجلاء الفيتنام وكانت أحسن صورة تعبر عن خروج القوى الأمريكية من الباب الخلفي.السلطات الجديدة سوف تجد نفسها أمام طلبات ملحة من باكستان و الصين لفرض نظام يضمن السلم الاجتماعية في حين ان جل حركة طالبان تتشكل من مقاتلين مسلحين لا ثقافة لهم سوى الغزو و الغنيمة.

أما على المستوى الداخلي فإن تجمع ما تبقى من مقاتلين لتنظيمي القاعدة وداعش على الأراضي الأفغانية و إعادة هيكلتها سوف تشكل تحديا إضافيا لطالبان التي تفاوضت مع وكالة المخابرات الأمريكية في الدوحة منذ سبتمبر 2020 حول اطلاق سراح المساجين ولكن طالبان تمسكت بفرض الشريعة على الأفغان في النظام الجديد و عدم العمل بالدستور الأفغاني الذي تمسكت به حكومة الرئيس أشرف غاني. وكانت دولة قطر قد فتحت مكتبا لطالبان في الدوحة عام 2013 تحت رعاية حركة الإخوان المسلمين وكلفت مطلق القحطاني بخطة المفاوض مع طالبان. ولم تنجح واشنطن في اقناع الحركة بتشكيل حكومة ائتلافية تشارك فيها كل القوى الأفغانية بل قبلت بالتخلي واجلاء جيوشها و ترك المجال واسعا أمام الحل العسكري الطالباني.

اليوم وقد دخلت حركة طالبان القصر الرئاسي يتغير المشهد السياسي والعسكري جذريا وتتعدد الأصوات النافذة لتوجيه السياسات الخارجية للبلاد وفق مصالح البلدان القوية في المنطقة. في غياب دور روسي غير محتمل وبعد خروج واشنطن من المنطقة الرهان الجديد المطروح أمام المنطقة يأخذ بعين الاعتبار الحضور العسكري الباكستاني والنفوذ الاقتصادي والدبلوماسي الصيني. لكن الولايات المتحدة الأمريكية تبقى نافذة عبر الحركات المسلحة للقاعدة وداعش في انتظار استخدامها كورقة ضغط في معركتها مع إيران في الأشهر القادمة كما تم التفاوض في شأنه في الدوحة.

المشاركة في هذا المقال