حسب قانون الطوارئ الصحي الذي يمنع التظاهر لأكثر من 10 اشخاص- أمام قصر العدالة بباريس للمطالبة بمحاسبة قاتلي أداما تراوري عام 2016 من قبل عناصر الشرطة عندما تم اعتقاله بعد مطاردة وثم إيداعه في مركز الشرطة حيث لقي حتفه. وشارك 20000 شخص في المظاهرة في باريس في حين اندلعت مظاهرات أخرى في مدن مرسيليا (2500 متظاهر) وليل (1800 شخص).
و شهد وسط العاصمة باريس و حي كليشي أعمال عنف و حرق للمنشآت البلدية في نهاية المظاهرات مما جعل أجهزة الأمن تقوم برمي قنابل مسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين. و تم رفع عشرات الشعارات مثل «العدالة لأداما» و حياة السود لها قيمة» و «لا أستطيع التنفس» الكلمات التي قالها الأمريكي جورج فلويدقبل مماته للشرطي الذي كان يضغط برجله على رقبته. و تحولت المظاهرات إلى التنديد بالعنف البوليسي في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية و بعنصرية جهاز الأمن في تدخلاته المتكررة ضد السود و الأجانب وساكني ضواحي المدن الكبرى. و ألقت أسا تراوري، شقيقة الضحية أداما تراوري، كلمة أمام المتظاهرين قالت فيها: «اليوم، عندما نناضل من أجل جورج فلويد نناضل من أجل آداما تراوري» مركزة على تقارب الحالتين وعلى ضرورة مقاومة ظاهرة العنصرية التي أصبحت مستفحلة في نظام حماية الأمن العمومي.
تقرير طبي مستقل
وقدمت عائلة أداما تراوري تقريرا طبيا مستقلا صدر يوم الثلاثاء 2 جوان ويعتبر أن عناصر الشرطة المشاركين في إيقافه تسببوا في وفاته وهو تقرير يخالف التقرير الشرعي الأولي الذي اعتمدته السلطات لتبرئة أعوان الشرطة الذين هم في حالة سراح ومعتبرين كـ«شهود» في الحادثة. ورفض محامي الشرطة الاتهام الموجه لمنوبيهوشكك في مصداقيته. وأشارت جمعيات حقوقية فرنسية وعالمية أنه عادة ما يعتمد القضاء على تقارير الطبيب الشرعي التي تنتهي، في جل الحالات إلى تبرئة أعوان الشرطة وتمكينهم من الإفلات من المحاسبة والعقاب.
وشهدت فرنسا في السنوات الأخيرة تراكم حالات مماثلة من العنف البوليسي الذي ذهب ضحيته عدد من المواطنين خلال عمليات تثبت من الهوية أو مطاردات بوليسية في إطار مقاومة الجريمة المنظمة. واعتبرت عديد الجمعيات المناهضة للعنصرية أن الشرطة وأجهزة الأمن المختلفة تركز بصورة واضحة على مراقبة ومتابعة أشخاص يتنمون للأقليات من الأفارقة وإلى العرب المسلمين.
مؤسسات الدولة تندد بممارسات الأمن الفرنسي
جاك طوبون، «المدافع على الحقوق» وهو أمين مظالم عمومي، حسب القانون الفرنسي، يسهر على مراقبة احترام حقوق الإنسان من قبل السلطات العمومية وكان قد أصدر تقريرا يوم 12 ماي، نشرته صحيفتا «لوموند» و «ميديابارت» ندد فيه بممارسات الشرطة التي اعتبرها «هرسلة عنصرية» في الحالات التي تقدم بها عدد من الشباب الفرنسي بسبب تعرضهم للعنف البوليسي في حالات سجلت بين 2013 و2015. وأشار جاك طوبون إلى «تراكم تلك الممارسات التي تستهدف مجموعات من الأشخاص في أغلبيتها» وهو ما يعني استهداف «الأقليات الواضحة» التي تنتمي إلى الأجانب أساسا. وذكر التقرير حالات العنف الجسدي المبرح والألفاظ النابية والمشينة التي يستخدمها أعوان الأمن في تعاملهم مع الموقوفين والأشخاص الذين يقومون بالتثبت في هوياتهم واعتبر التقرير أن هذه الممارسات «خارجة عن نطاق القانون».
من ناحيتها، نشرت المراقبة العامة لفضاءات الحرمان من الحرية أدلين هازان يوم 3 جوان تقريرا في 257 نقطة، وهو خلاصة 12 سنة من مراقبة السجون و دور الإصلاح و المصحات و مراكز الإيقاف التحفظي، احتوى على عديد التعليمات اللازم اعتمادها لاحترام كرامة و حقوق الأشخاص الأساسية الذين يحرمون من حرياتهم في إطار قضائي. و نبه التقرير على ضرورة الاحتكام إلى القانون وعدم الخروج عنه و ضمان حقوق الموقوفين. وأشار خاصة إلى ضرورة التخلي عن ممارسات نزع ثياب الموقوفين وعدم وضع الأطفال في أماكن إيقاف إداري كما هو جاري به العمل الآن. و اعتبرت السيدة هازان أن على الساهرين على تطبيق القانون «احترام و حماية كرامة الأشخاص».
وتعتبر هذه أول مرة ، في تاريخ الجمهورية الخامسة، تندد فيها مؤسسات الدولة بممارسات وزارة الداخلية التي طالما ما نبهت إليها عديد المجمعيات الحقوقية. و من الواضح ، اعتبارا لتصريحات وزير الداخلية الحالي كريستوف كستانار الذي رفض الاتهامات ضد «الشرطة الجمهورية»، أن الحكومة لا تنوي التراجع عن هذه الممارسات بل أن «ثقافة التعامل البوليسي» التي تساندها نقابة «أليانس» للشرطة القريبة من حزب التجمع الوطني المتطرف المعروف بكراهيته للمهاجرين و الأجانب، سوف تدوم ما لم تتخذ الحكومة موقفا سياسيا واضحا في الموضوع.