Print this page

الكاتب والمحلّل السياسي مصطفى الطوسة لـ«المغرب»: «كل بلد في أوروبا وضع مصلحته الوطنية في أولوية محاربته للوباء وترك جانبا منطق التضامن الأوربي»

• «الكوفيد-19 فرض مراجعات صعبة وأليمة على القارة العجوز»

قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الطوسة لـ''المغرب'' أنّ القارة الأوربية تأثرت على كافة الأصعدة من جراء تداعيات وباء ''كورونا''،مضيفا أنّ هذا الطارئ الصحي فرض على القارة العجوز مراجعات ايديولوجية صعبة ستطال الإستراتيجية الصناعية لهذه الدول .

• أكثر من 600 ألف إصابة في اوروبا فقط ، هل كشف فايروس كورونا فشل الأنظمة الصحية في القارة العجوز؟
ظهر جليا وواضحا أنّ وباء كورونا كشف هشاشة البنى التحتية للدول الأوروبية بالرغم من قدرتها الصناعية والسياسية والعسكرية ونفوذها في العالم إلا أنه لا أحد الصراحة كان يتوقع بان تصاب بهده الصورة وأن تجد هذه الصعوبة القصوى في توفير المعدات الصحية الأساسية وتوفير أيضا أسرة للمرضى ، هذه الدول التي كان الجميع يعتقدها قوية من ناحية بنيتها التحتية سواء من ناحية الموارد المالية والبشرية من ناحية الذكاء الجماعي لشعوبها ... اكتشف العالم أنها هشة على مستوى البنى التحتية، وذلك يفرض عليها مراجعات صعبة وأليمة ومن أكبر المراجعات وقالها صراحة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون :''عندما نخرج من هذه المحنة سنعمل على الاستثمار العملاق في البنية التحتية الطبية لأن أوروبا ستستعد لمواجهة اوبئة أخرى ستأتيها في المستقبل''.
كما فرض فيروس كورنا على هذه الدول الأوروبية مراجعات ايديولوجية صعبة ...قوى اليمين الحاكمة في بعض بلدانها بدأت ترفع شعار التأميم للشركات الحيوية والمقاولات المنتجة وتريد ان تعيد دور الدولة المستثمر إلى صلب العمل الحكومي بعدما بنت مجد قيمها على المبادرة الفردية المبتكرة. من جهة أخرى المراجعة الأليمة التي فرضتها ''كورونا'' ستطال الإستراتيجية الصناعية لهذه الدول ، يعني أوروبا كانت تصنع موادها الأساسية في الصين واكتشفت مؤخرا أنه بسبب هذا الوباء العالمي الشمولي الذي شلّ حركة العالم فان علاقتها بالصين كانت من بين الأسباب الصعبة التي عقدت المواجهة لذلك هي تريد اعادة توطين الصناعات الحيوية داخل الفضاء الأوروبي وهو ماسيفرض عليها مراجعات قوية وبلورة استراتيجيات صناعية جديدة ، وقد تعيد النظر في اخر المطاف في نموذج العولمة الذي تعيشه دول العالم التي كانت من بين الدول المناصرة له .

• هل فعلا نسفت هذه الجائحة الدولية مفهوم التضامن الاوروبي وهل ستفتح الباب أمام انفراط عقد الاتحاد الاوربي على غرار ماحصل مع بريطانيا؟
ما فعله فيروس كورونا بدول الاتحاد الأوروبي كشف عن هفوات ونقائص في البيت الأوروبي عجزت عنها قوى سياسية منظمة وخطاب عدائي ضد مترسخ للوحدة في الثقافة الأوربية . هو الخطاب نفسه الذي سهل عملية انفصال بريطانيا عن عمقها الأوروبي وعبد الطريق إلى صعود قوى شعبوية إلى السلطة كما تظهر ذلك التجربة الإيطالية و النمساوية و تؤشر إلى ذلك ايضا التجربة الألمانية التي دخل إلى برلمانها اليمين المتطرف لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية وتنبأ بها التجربة الفرنسية التي تضع أيقونة اليمين المتطرف مارين لوبين على عتبة قصر رئاسة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة .
كورونا فيروس نسف بعنف منطق التضامن الأوربي . عندما كانت إيطاليا تغرق في محنتها مع هذا الوباء استنجدت بجوارها الأوروبي لكن لا احد استجاب. كل بلد وضع مصلحته الوطنية في اولوية اجندته وترك جانبا منطق التضامن الأوربي. الذي من المفترض ان عالقات الجوار و العائلة الواحدة .فيروس كورونا فرض على دول الاتحاد غلق حدودها في سابقة لم تنجح في تحقيقها حتى أعنف موجة ارهاب داعشي ضربت أوروبا وأخطر موجة هجرة تكسرت على ضفافها .

• كيف سيتأثر نموذج العولمة في العالم مابعد وباء ''كورونا''؟
فيروس كورونا كشف عن هشاشة دول كان الجميع يعتقد أن ركائزها من حديد و مفاصلها من فلاذ .وإذا ببعض هذه الدول تظهر في صورة نمور من ورق يتساقط سكانها بالآلاف في غياب التجهيزات الضرورية .. دول قوية اقتصاديًا .. كلمتها و نفوذها السياسي مسموع على المستوى الدولي لكن لا تملك البنى الطبية الضرورية لحماية مواطنيها رغم ثرواتها وإمكانياتها الهائلة .

فيروس كورونا ضرب في العمق نموذج العولمة التي كانت دول الاتحاد الأوربي بسبب عقيدتها الليبرالية تحمل بزخم كل شعاره وتروج بلغة مقنعة لقيمه الانفتاحية... اكتشفت هذه الدول بفزع كبير على سبيل المثال لا الحصر أن صناعة الأدوية الضرورية لأمنها في حالات الأزمة قد تم ترحيلها بمختلف مكوناتها إلى الصين وهي الان تنتظر إعادة إطلاق ماكينة الإنتاج والتوزيع الصينية للحصول على المعدات الطبية الضرورية..

المشاركة في هذا المقال