Print this page

ماتيو سالفيني ينسحب من الحكومة ويحدث أزمة حكومية في إيطاليا: إعادة خلط التحالفات لتجنب الانتخابات السابقة لأوانها

بقراره التصويت في البرلمان ضد مشروع القانون الحكومي الرامي إلى وقف برنامج القطار السريع بين مدينتي طورينو الإيطالية و ليون الفرنسية،

أدخل ماتيو سالفيني الحياة السياسية الإيطالية في أزمة حادة بعد أن طالب بالرجوع إلى صناديق الاقتراع.

هزيمة الحكومة في البرلمان تعني انفلات الأغلبية السياسية الحاكمة، خاصة أن سالفيني، زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف، طالب رسميا بانتخابات سابقة لأوانها من الممكن – إن تقرر ذلك – أن تبرمج لشهر أكتوبر القادم. لكن ماتيو سالفيني، الذي يمثل حزبه جزءا من الائتلاف الحكومي، لا يملك قرار حل الحكومة الذي يرجع دستوريا لرئيس الجمهورية سارجيو ماتاريلا. في نفس الوقت لا يرغب لويدجي دي مايو، زعيم حزب حركة 5 نجوم ونائب رئيس الحكومة، في الذهاب إلى انتخابات جديدة. أما رئيس الحكومة جيوزيبي كونتيه فلم يقدم استقالته للرئيس الإيطالي بل هو يعمل، عبر مشاورات حزبية غير منقطعة، على إيجاد أغلبية بديلة. تحركات في أعلى مستوى في الأحزاب و المؤسسات تجد أمامها تعنت من حزب الرابطة الذي استغل رئاسته لمجلس الشيوخ لإجبار رئيسته إليزابيتا كازلاري لدعوة أعضاء المجلس لاجتماع طارئ يوم 13 أوت – وهم في عطلة برلمانية - من أجل إقرار موعد للتصويت على الثقة للحكومة ، و ذلك إما يوم 14 أوت كما يقترحه ماتيو سالفيني أو يوم 20 أوت كما يريده حزب حركة 5 نجوم و رئيس الحكومة .

رئيس الدولة في قلب المناورات
قرار سالفيني الخروج من الائتلاف الحكومي اعتبره المحللون في إيطاليا بمثابة «البوكر الكذاب» إذ لا يتمتع سالفيني بعدد هام من البرلمانيين يمكنه من زج البلاد في انتخابات جديدة و الحال أنه يعتبر أن شعبيته (36 % في استطلاعات الرأي) تمكنه من الفوز بالانتخابات في صورة وقوعها في الخريف القادم. لكن الصلاحيات الدستورية لرئيس الدولة تعطيه مساحة واسعة من المناورة بما في ذلك الإقرار بعدم توفر أغلبية برلمانية بعد تصويت مجلس الشيوخ والتشاور مع كل الأحزاب الحاكمة و المعارضة من أجل إيجاد أغلبية جديدة. وهي فرصة يستغلها سرجيو ماتاريلا هذه الأيام للتوصل إلى مخرج دستوري يمكنه من قبول أغلبية بديلة لتشكيل حكومة جديدة بدون الرجوع لصناديق الإقتراع. وهو السيناريو الكارثي بالنسبة لماتيو سالفيني.

اللعبة السياسية في جمهورية برلمانية تدور حول تحالفات حزبية للتوصل إلى تشكيل حكومة تتمتع بأغلبية في البرلمان مع الأخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات التشريعية السابقة. أي في هذه الحال، لا بد من الرجوع إلى حزب حركة 5 نجوم الذي يتمتع بنسبة 36 % من عدد البرلمانيين و يعتبر أهم تشكيلة حزبية للتوصل إلى تشكيل أغلبية جديدة، و ذلك خلافا لما أراده ماتيو سالفيني الداعي إلى انتخابات سابقة لأوانها. و لم تتعطل حركة المشاورات و المفاوضات بين الأحزاب ، في كل الاتجاهات، للتوصل إلى حل للأزمة الحكومية الحالية.

تغيرات في المشهد السياسي
بالرغم من الاختلافات التي سجلت بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة بين الأحزاب التقليدية من اليسار واليمين و الأحزاب الفائزة من أجل تشكيل حكومة و التي أدت إلى تحالف حركة 5 نجوم مع حزب الرابطة اليميني المتطرف و الذي يعتبره الملاحظون امتدادا للحركة الفاشية الإيطالية، فإن المشاورات الأخيرة أدت إلى تشكيل مجموعات جديدة أولها مجموعة اليمين و الوسط و التي عمل على دعمها ماتيو سالفيني وهي تمثل تحالفا بين حزب الرابطة و حزب «فورسا إيطاليا» لسلفيو برلسكوني وحزب «فراتيلي دي إيطاليا» الفاشي.

في المقابل المشاورات جارية لتشكيل أغلبية برلمانية جديدة بين حركة 5 نجوم و عدوها السياسي الحزب الديمقراطي بمساندة حزب «أحرار و متساوون» اليساري. و كانت حركة 5 نجوم قد تكونت ضد «نظام الحكم» التقليدي و التحق بها عدد من السياسيين و الناخبين اليساريين الذين انعزلوا عن الحزب الديمقراطي.
يشكل هذا التجمع المزعوم عدديا – على الورق - تحالفا يمكنه جمع ما يقارب 162 صوتا مقابل 138 لحلف اليمين. لكن ذلك يتوقف على رسم برنامج حكومي بين أحزاب الائتلاف الجديد. و قد اتضح منذ أشهر أن هذه الأحزاب ليست لها نفس التوجهات والأولويات للبلاد و لها اختلافات كبيرة لا تعرف كيف يمكن لها تجاوزها. لكن في الحقيقة، تبقى السياسة في النظام البرلماني فن ما هو ممكن. و لا يستبعد أن تنتج المفاوضات الحالية ، بالرغم من الانقسامات في صلب الحزب الديمقراطي و حركة 5 نجوم حول مسألة التحالف الحكومي، «توافقا» حول إقصاء حزب الرابطة المتطرف من الحكم و البقاء في الإتحاد الأوروبي كأدنى قاسم مشترك يفتح الباب أمام تعديلات للسياسات الحالية كفيلة بضبط برنامج حكومي لمدة باقي الولاية

الانتخابية الحالية مع ظهور وجوه سياسية جديدة للمرحلة القادمة. في صورة استحالة ذلك، بإمكان الرئيس ماتاريلا تعيين حكومة تقنية غير متحزبة تسهر على تسيير أمور الدولة إلى حين تنظيم انتخابات سابقة لأوانها في الخريف المقبل.

المشاركة في هذا المقال