Print this page

أرسولا فون دير لاين على رأس المفوضية الأوروبية: رهانات المستقبل

انتخب البرلمان الأوروبي وزيرة الدفاع الألماني أرسولا فون دير لاين ، المقترحة من قبل القمة الأوروبية، كرئيسة للمفوضية و ذلك بأغلبية 383 صوتا

مقابل 327 في حين احتفظ 22 نائبا بأصواتهم. و إن كانت نسبة المعارضة لشخصها قوية جدا داخل البرلمان فإن انتخابها على رأس المفوضية يمثل حدثا تاريخيا لأنها المرأة الأولى التي تتولى هذا المنصب بعد أن أصبحت الوزيرة الفرنسية سيمون فايل ،أربعين سنة مضت، أول رئيسة للبرلمان الأوروبي.
أظهر هذا الانتخاب تصدعا في صفوف البرلمانيين. من الطبيعي أن يتحفظ النواب اليساريون على شخصية يمينية. لكن إعلانات التصويت لمختلف الكتل أظهرت أن تشكيلات اليسار التحقت بكتل أقصى اليمين للتصويت ضد مرشحة إيمانويل ماكرون. و لم تنج الرئيسة الجديدة من الإخفاق إلا بفضل تصويت حركة 5 نجوم الإيطالية (14 صوتا) و الحزب الحاكم البولندي (26 صوتا) في حين سجل عدد 100 صوت من اليمين و من كتلة «أوروبا الجديدة» ضدها التحقوا بالخضر و بباقي المعارضين.

و عبرت أرسولا فون دير لاين، بعد الإعلان عن النتائج و يدها على قلبها، عن «شرفها» بانتخابها و وعدت البرلمان بالعمل «بطريقة بناءة» و باحترام قرار الأغلبية. و من الواضح أنها تمكنت من إقناع الأغلبية بانتمائها الأوروبي و بصلابة التزامها لخدمة الأوروبيين بعد أن ألقت خطابا ركزت فيه على البعد «الاجتماعي» لفائدة الأوروبيين جالبة بذلك مساندة بعض فصائل اليسار.

نجاح خطة الرئيس الفرنسي
بعد أن أخفقت القمة الأوروبية الأولى في التوصل إلى اتفاق حول الأسماء المرشحة لخلافة طاقم زعماء بروكسال ، اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على القادة الأوروبيين التصويت لفائدة وزيرة الدفاع الألماني. من ناحية هذا الخيار يلبي الرغبة الألمانية في تولي رئاسة المفوضية بعد فترة فالتير هالستاين (1958 - 1967)، و من ناحية أخرى يتماشى و طموحات ماكرون إذ أن فون دير لاين تشاطره الرأي في جل التوجهات الإصلاحية التي طرحها على الأوروبيين منذ توليه الحكم. وهي كذلك حليفة المستشارة أنجيلا ميركل التي شاركت منذ 2005 في كل الحكومات التي ترأستها. وهو ما يدعم الثنائي الألماني الفرنسي الذي يدير الشؤون الأوروبية.

و كان خطاب فون دير لاين أمام البرلمانيين «يساريا» حيث اقترحت إقرار حد أدنى للدخل و نظام دعم أوروبي للعاطلين على العمل و الشباب و الأطفال. و أعربت عن نيتها تخصيص 1000 مليار يورو لدعم التحول الإيكولوجي و خاصة لمساعدة دول شرق أوروبا على ذلك و مقاومة الاحتباس الحراري بالتقليص في نسبة الكربون ب 50% موفى عام 2030 . هذه الوعود – ولو أن بعضهم اعتبرها «انتخابية» – فإن المراقبين أكدوا على توجهات الرئيسة القديمة وهي أم لسبعة أطفال ساهمت في تركيز 500 ألف مركز حضانة للأطفال في المانيا وساعدت الجيش الألماني على الخروج من عتبة «عقدة الماضي».

رهانات المستقبل
أول الرهانات التي تواجهها هو إدارة «البريكسيت» مع سيناريو تولي «بوريس جونسون» رئاسة الحكومة البريطانية. و صرحت في هذا الغرض عن استعدادها «تأجيل» البريكسيت مرة أخرى لضمان خروج بريطاني منظم. وهي رسالة ايجابية للبريطانيين تعطيها في صورة تجاوبوا معها مساحة للمناورة و التحرك السلس. أما الرهانات الأخرى فهي تتعلق بمجمل مقترحات الإصلاح التي تقدمت بها فرنسا. ويجد إيمانويل ماكرون في الرئيسة الجديدة شخصية تشاطره الرأي في مواضيع تتعلق بملف الهجرة و اللجوء و قضية التخلي عن حق الفيتو في القمة الأوروبية الذي يعطل سير المؤسسات و لا يخدم مواكبة التحولات على الصعيد الدولي و إدارة الملف الإيراني بأكثر فاعلية. و كذلك مسألة إصلاح المؤسسات الأوروبية التي لا بد أن تواكب التحولات الوطنية التي أظهرت عددا متزايدا من المنتقدين للمشروع الأوروبي في صلب الأحزاب اليمينية و القومية.

لكن الملف الأهم بالنسبة لفرنسا يبقى الدفاع المشترك. وبحكم تقلد أرسولا فون دير لاين وزارة الدفاع فقد نسقت مع فرنسا و التحقت بمشروع ماكرون لتكوين نظام دفاعي أوروبي مستقل و جيش أوروبي يضمنان للدول الأوروبية قولا و فعلا على المستوى الدولي مع تنامي الدور الصيني و التغييرات الأمريكية التي هزت بالنظام العالمي المتبع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. أظهرت رئيسة المفوضية الجديدة أنها قادرة على التصدي للانتقادات – بما فيها التي تأتي من صلب حزبها – في خدمة إستراتيجية أوروبية عصرية. من ذلك مساهمة ألمانيا العسكرية في الحرب على الإرهاب في إفريقيا صحبة القوات الفرنسية و دعمها العسكري لبلدان شمال إفريقيا و مساهمتها في القوة الدولية المشتركة ضد الإرهاب في الشرق الأوسط. انتخابها بأغلبية غير مريحة يجبرها على العمل داخليا على توسيع نطاق المساندة لها بجمع الدعم من التنظيمات التي لم ترغب في دخولها مبنى أوروبا في بروكسل من أجل إنجاح السياسات الجديدة المبرمجة.

المشاركة في هذا المقال