Print this page

«ماكرون» يتنفس الصعداء: بقلم:مصطفى الطوسة - كاتب ومحلل سياسي

مرت تظاهرات الفاتح من ماي بمشاركة استثنائية لحركة السترات الصفراء في ظروف هادئة نسبيا استطاعت من خلالها قوات الأمن الفرنسية السيطرة

على الأوضاع ومنعها من الانزلاقات الأمنية.في نهاية ذلك النهار الطويل تنفس كل من الرئيس إيمانويل ماكرون ووزير داخليته كريستوف كاستانير الصعداء وبرز على ملامح التغطية الإعلامية الارتياح الكبير الذي عم الأوساط الحكومية الفرنسية.
حجم هذا الارتياح مصدره القلق الكبير الذي كان يخيم على مراكز القرار الأمني في العاصمة الفرنسية من أن بعض المجموعات المتطرفة المتعاطفة مع حركة السترات الصفراء وعدت من إن تحول باريس إلى مسرح خراب ودمار وتبعث برسالة استعراضية للرئيس ماكرون. لكن مجريات الأحداث تطورت لجهة أظهرت بشكل واضح أن المنظومة الأمنية الفرنسية كانت في مستوى الرهان الذي كان يهدد الممتلكات الخاصة والعامة على طول الطريق الذي سارت فيه المسيرات الصاخبة بمشاركة مجموعات البلاك بلوك العنيفة.

خلال هذه التظاهرات وقعت صدامات عنيفة بين بعض المتظاهرين وقوى الأمن التي لجأت إلى الغاز المسيل للدموع لتفرقة المتظاهرين ولحماية بعض الأماكن الرمزية مثل مقهى لاروتاند الذي استهدفه المتظاهرون لما يحمل هذا المكان من دلالات سياسية لصيقة بوصول إيمانويل ماكرون إلى السلطة عندما اختار هذا المكان للاحتفال مع أصدقائه المقربين بالاختراق الذي حققه فوزه بالانتخابات الرئاسية.

في أوساط المعلقين السياسيين خيمت نبرة مشتركة من أن وزير الداخلية كريستوف كاستانير استطاع أن يخرج من عنق الزجاجة التي كانت إخفاقاته المتعددة مع حركة السترات الصفراء وضعته فيها حيث كان مهددا بفقدان منصبه في حال تطورت الأمور إلى الأسوأ. الاستراتيجية التي اتبعها كريستوف كستانير تقضي بإنزال قوات عديدة ومتحركة إلى الشارع والقيام بخطوات استباقية بالتفتيش و اعتقال المشتبهين في الاستعداد إلى مواجهات مع السلطة.

مر إذن الفاتح من ماي من دون أن تشهد باريس السيناريو الكارثي الذي تنبأ به البعض. وتعددت المقاربات لتقييم هذا الوضع الأمني بين من يعتبره نجاحا للحلول الأمنية آلتي اتبعها كريتسوف كاستانير وبين من يعتقد أن استمرار هذه الأوضاع المتشنجة على مدى اسابيع طويلة تؤشر في حد ذاتها إلى فشل الرئيس ماكرون في إيجاد الحلول الاجتماعية والاقتصادية لنزع فتيل هذه الأزمة خصوصا بعد انتهاء جولات الحوار الوطني التي كانت من المفترض أن تعبد الطريق نحو الخروج من الأزمة وتخفيف حدة التشنج الاجتماعي.

إيمانويل ماكرون معركة مرحلية ضد المتطرفين لكنه لم يربح الحرب بكاملها. ولعل مناسبات التظاهر المقبلة وتداعيتها الأمنية ستلقي بظلالها على أدائه وستبقى كسيف ديموقليس يهدد مصيره وحظوظه كرئيس استطاع أن يمرر إصلاحات بنيوية قاسية لاقتصاد في أمس الحاجة اليها لإعادة إطلاق عجلة النمو.

بقلم:مصطفى الطوسة  - كاتب ومحلل سياسي

المشاركة في هذا المقال