Print this page

جدل عميق في فرنسا حول سياسة الهجرة الجديدة

فجر منشور 12 ديسمبر لوزارة الداخليّة الفرنسيّة المتعلّق بتعداد المهاجرين في مراكز الإيواء التي تنظمها الجمعيات

و البلديات جدلا عميقا في صفوف منظمات المجتمع المدني و أحزاب المعارضة التي رأت فيه “انتصارا لسياسات الجبهة الوطنية” المتطرفة التي كانت تنادي بذلك الإجراء ضد المهاجرين منذ سنين. وتفاقمت الإنتقادات بنداء جاك طوبون، الوسيط الجمهوري المكلف بحقوق الإنسان، للحكومة بالتراجع عن السياسة الزجرية تجاه المهاجرين.

المنشور قرر الدخول في تعداد المهاجرين في حين يرفض القانون الفرنسي أي تعداد يتعلق بالعرق والدين وهما الأمران اللذان يهمان بالدرجة الأولى جملة المهاجرين. ووضح المنشور أن “فرق متنقلة” سوف تجوب مراكز إيواء المهاجرين لضبط هوياتهم و تعدادهم. وهو ما أغضب جمعيات المجتمع المدني التي تسهر على إيواء المهاجرين، وفي مقدمتها “أوكسفام” و”تار دي زوم” وفدرالية المتدخلين للتضامن. و أجبرت من جراء ذلك على قطع النقاشات مع وزارة الداخلية في شأن حماية المهاجرين معتبرة أن الإجراء الحكومي “يحد من الحريات».

من ناحية أخرى اعتبر جاك طوبون ،الوسيط الجمهوري المكلف بحقوق الإنسان، أن المنشور “ذهب أبعد من كل إجراءات الحكومات السابقة و أنه يمس من الحقوق الأساسية” مضيفا أن ذلك سوف تفنده المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. طوبون الذي شغل منصب وزير العدل في عهد جاك شيراك كان واضحا في معارضته لسياسة وزير الداخلية جيرار كولومب. والتحقت أصوات من الأغلبية الحكومية لتنادي بتعديل في الموقف الحكومي في حين تعددت الانتقادات من أحزاب المعارضة اليسارية.

تدارك الأزمة
وعبرت بعض الشخصيات الحكومية ردا على الانتقادات أن الإجراء ليس زجريا ولا يتعلق بتجنيد “فرق تدخل” بل سوف تعتني الإدارة بالتواصل مع المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يرغبون في ذلك. وفي محاولة لتخفيف حدة الأزمة، أكدت نتالي لوازو وزيرة الشؤون الأوروبية أن أعوانا من الإدارة ومن الهيئة الفرنسية للهجرة سوف ينتقلون لمراكز الإيواء ليعرضوا خدماتهم. وأضافت “لن يكون هنالك أي إجبار بل هو مقترح” ويمكن للمهاجر أن يرفض التدخل.
لكن بعض الجمعيات أشارت إلى أن بعض الأعوان الذين قدموا إلى بعض المراكز قاموا بالتحقق في هوية المهاجرين بدون فرز طالبي اللجوء من غيرهم و قدموا لمن رفض الإدلاء بهويته استدعاء لدى مراكز الشرطة. و اعتبرت وزارة الداخلية أن الإستدعاءات “تهدف إلى دراسة الوضعيات بعمق».

إجراء سياسوي
و اعتبر بعض المحللين أن الإجراء الوزاري يندرج في سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون المعلنة لتنظيم عمليات الهجرة. و قد يكون الإجراء خطوة لتفادي الأزمة التي وقعت فيها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بفتحها الحدود أمام مئات الآلاف من المهاجرين عام 2015. من ناحية أخرى اعتبر بعض المحللين أن الإجراء يمس من سياسة حزب الجمهوريين الذي انتخب الأسبوع الماضي رئيسا جديدا له في شخص لوران فوكيي المعروف بتصلب مواقفه ضد المهاجرين و قربها من سياسة الجبهة الوطنية المتطرفة. ويكون بذلك الرئيس ماكرون قد سحب البساط من تحت زعيم اليمين الذي يريد تصدر المعارضة السياسية.
أما الحكومة الفرنسية فقد أكدت على لسان وزير الداخلية أن الهدف هو التفريق بين طالبي اللجوء الذين قدموا إلى أوروبا هاربين من الحروب التي تهز بلدانهم و بين المهاجرين غير الشرعيين الذي لا بد من ترحيلهم. و بالرغم من هذه الإجراءات و من تكثيف عمليات الترحيل فإن عدد المهاجرين لا يزال في تصاعد و أن تكلفة ترحيلهم تفوق بكثير الميزانية الحالية المبرمجة لذلك. لذلك يعتبر الملاحظون أن أزمة الهجرة لن تجد حلا في الآجال القريبة و لا المتوسطة وأن على الحكومة التفاهم مع الجمعيات والبلديات لتسهيل إقامتهم و ضمان أمنهم.

المشاركة في هذا المقال