Print this page

الكاتب والباحث اللبناني خالد بريش لـ «المغرب»: المنطقة الآمنة في سوريا قد تبصر النور قبل الانتخابات الأمريكية

تطرق الباحث اللبناني خالد بريش الى تأثيرات الازمة السورية على الوضع اللبناني معتبرا ان مشكلة لبنان الحالية من حيث الانتخابات النيابية والرئاسية أصبحت مرتبطة بالأزمة السورية . ورأى انه لا يوجد شرق أوسط جديد والشيء المستجد على الساحة قد يكون خاصا في العراق ويتعلق بقيام الكيان الكردي على حد قوله .

• بعد مرور قرابة الشهر على عملية الفرات ما تقييمكم لها ولنتائجها؟
عملية درع الفرات التي قامت بها القوات التركية في 24 اوت تأتي في إطار حفاظ تركيا على مصالحها ولتحقيق بعض المكتسبات من «الثورة» السورية التي دعمتها منذ البداية في الوقت الذي بدأت فيه عملية تقاسم الغنائم وذلك مخافة أن يفوتها القطار في تحقيق ذلك مستقبلا خصوصا بعد التدخل الروسي في سوريا بداية ووضع أصابعه في كامل المنطقة بهدوء.

إن التغيرات الاقتصادية والجيوــ استراتيجية في المنطقة كانت سريعة وقوية في العشرية الأخيرة حيث نجد أن تركيا انتقلت إلى نادي كبار الدول الاقتصادية. ونجد أن إيران أيضا أصبحت دولة نووية باعتراف دولي مع تأخر في التنفيذ إلى أجل معلوم. وأن إسرائيل اليوم قد تمكنت من بسط نفوذهـا علـى قرابـة 70 % من أراضي فلسطين التاريخية تحت نظر وسمع المجتمع الدولي ضاربة بالقوانين الدولية وشرائع حقوق الإنسان عرض الحائط. طبعا وسط غزل عربي خجول ومن وراء ستار...
فكان لا بد لتركيا في ظل عملية تقاسم المنطقة والنفوذ فيها ما بين هذه الأقطاب الثلاثة الآنفة الذكر من القيام بما يكفل لها حدودها ومصالحها التي كان من الممكن أن يهددها بشكل مباشر قيام كيان كردي في المنطقة يكون خنجرا في خاصرتها... وهذه العملية كان من الممكن أن تقطف بعض ثمارها «الثورة» السورية وفصائلها التي تقاتل إلى جانب الأتراك في حال كانوا ينضوون تحت قيادة مركزية موحدة لها استراتيجيتها العسكرية الواضحة ويقودها مجلس مركزي سياسي له خططه ويعمل بتناغم فيما بين جميع فرقائه...

• اذن هل تغيرت المعادلة التركية في سوريا؟
في اعتقادي المعادلة التركية في سوريا لم تتغير وإنما الذي تغير هو التطورات التي شهدتها الساحة السورية بعد التدخل الروسي واستفادة الفرس منه بشكل مباشر وتوظيف ذلك في مشروعهم الخاص بهم المتلخص في الحصول على منفذ دائم على المتوسط وفرض الهيمنة على المنطقة وتقاسم النفوذ فيها مع «إسرائيل» والأتراك... وهذا المشروع الاستعماري المحض الذي من الممكن مقارنته وبلا أي حرج بالمشروع الصهيوني في فلسطين حيث نرى يوميا وعلى أرض سوريا الوطن والعروبة عمليات تهجير قسرية وعمليات إسكان وتجنيس لعائلات فارسية وأفغانية وهندية وباكستانية وعراقية... لكي يصلوا في نهاية المطاف إذا ما توفّقت الحرب في سوريا إلى إحداث بؤر استيطانية وتغيرات ديموغرافية وهو نفس المشهد فيما يخص القضية الفلسطينية...

إن التغير والتقدم المرحلي على الأرض والذي أحرزه النظام وحلفاؤه، والدعم الأمريكي والأوروبي والروسي الواضح لقيام كيان كردي في خاصرة تركيا دفع الأتراك إلى التحرك السريع مستغلين فترة الصمت الانتخابي الأمريكي للدفاع عن أنفسهم من ناحية ولإجهاض قيام الكيان الكردي الذي سوف يؤثر بشكل مباشر على الموزاييك السكاني لتركيا وجغرافيتها فيما بعد. وقد بدأت تركيا بالعمل على ذلك فأمنت الغطاء اللازم لعمليتها من خلال التقارب مع الروس من ناحية و»إسرائيل» من ناحية أخرى وتزويد المعارضة السورية بأسلحة نوعية محدودة حققت بها المعارضة بعض الانتصارات المحسوبة... وأيضا بالتحرك على الأرض تحت يافطة محاربة الإرهاب وداعش...
وطبعا حازت تركيا على تأييد أوروبي لعملياتها من خلال وعود بوقف تدفق المهاجرين عبر حدودها ووقف مخاوفها ومعاناتها من المهاجرين المتدفقين وذلك بإقامة منطقة آمنة قد تبصر النور في الأيام القادمة وقبل موسم الأمطار وأيضا قبل الانتخابات الأمريكية.

• ما تداعيات الازمة السورية على الواقع اللبناني ؟
مشكلة لبنان الحالية من حيث الانتخابات النيابية والرئاسية وحتى من ناحية أي إنجاز حكومي وتشريعي أصبحت مرتبطة بالأزمة السورية بشكل عضوي لسبب رئيس وهو سيطرة حزب الله الذي يقاتل في سوريا كأداة إيرانية على مفاصل الدولة...إن أي حسم في الموضوع السوري قد يطرأ سوف يؤثر على انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية سلبا أو إيجابا... وبمعنى آخر في حال أي تقدم قد تسمح فيه الدول الكبرى لإيران بالانتصار في سوريا وتحقيق بعض المكاسب سوف يؤدي أيضا إلى فرض للمرشح الذي يريدونه وتغيير في الدستور اللبناني وفرض صيغة تعايش لبنانية جديدة على أرض الواقع ستكون مفاتيحها في يد إيران من خلال أداته العسكرية وهي حزب الله كما هو حاصل في العراق حاليا... أما في حال هزيمة النظام السوري ولو بالنقاط فإن ذلك سيعني أيضا هزيمة لكل حلفائه مما سيعجل في ترميم الوضع اللبناني إلى حين... وبالتالي كل اللبنانيين ينتظرون وقائع وتطورات الساحة السورية لتحديد أماكن أقدامهم...!

• ماذا عن الشرق الأوسط الجديد هل تعتبر ان هناك خارطة جديدة تعد للمنطقة؟
كثر الكلام عبر أجهزة الإعلام ومنذ الاحتلال الأمريكي للعراق عن شرق أوسط جديد... ولكن الغرب اكتشف بعد المحاولات التي قام بها الأمريكيون منفردون في العراق أو بالشراكة كما حدث في ليبيا أن أي تغيير في التركيبة أو في الخرائط سوف يكون الغرب أول من يدفع ثمنه وإن كان ذلك سوف يريح إسرائيل ويكرس كيانها ويؤدي ربما إلى توسيع مساحتها الحالية وأيضا إلى سيطرتها على أي كيان جديد سوف ينشأ في المنطقة اقتصاديا أو عسكريا...

ومن ناحية أخرى فإن الغرب الأوروبي الذي له مصالحه الحيوية سياسيا واقتصاديا في المنطقة بدأ يعيد حساباته والتفكير في هذا المشروع الصهيوــ أمريكي في أساسه والذي في نهاية الأمر سوف يسحب البساط من تحت أرجله في المنطقة فبدأت الدول الأوروبية تعارضه بقوة ولهذا نلاحظ تغيرات وتبدلات أحيانا بلهوانية في الأزمة السورية التي أصبحت ساحة للصراعات الدولية والمصالح الغربية الاستعمارية بامتياز...

وفي اعتقادي لا يوجد شرق أوسط جديد ولا تغيرات في الخرائط والشيء المستجد على الساحة قد يكون خاصا بالعراق ويتعلق بالكيان الكردي فقط لا غير هذا إذا علمنا أنه توجد اليوم أصوات كثيرة بين الأكراد أنفسهم بدأت تعلو وتعلن انتماءها إلى العراق الموحد وترفض قيام الكيان الكردي وإن كانت قليلة ولكن سيكون لها تأثيرها مما لا شك فيه يوما ما في مجريات الأحداث...

• كيف ترون مستقبل سوريا في ظل الازمة والدمار المستفحل؟
لا أعتقد أن أعادة بناء سوريا سوف تستغرق طويلا بعد وقف الحرب كما يشاع... إذ إن السوريين كشعب سوف يعودون إلى ممارسة حياتهم الطبيعية ويعيدون بناء وطنهم وبيوتهم المهدمة...
وكدولة ستعود سريعا إلى ممارسة دورها العروبي والإنساني والوظيفي لأن سوريا دولة فيها شعب حيٌّ وزراعة ذات مستوى جيد وتؤمن في المجال الزراعي اكتفاء ذاتيا من كل النواحي بل تصدر أيضا وتوجد صناعات تحويلية وصناعات أولية وأيد حرفية جد ماهرة

شاركت في بناء كل دول المنطقة وسوف يدهش السوريون العالم فقط لو تركوا يعيشون كما يحبون أي في دولة غير طائفية ولا مذهبية... دولة على شاكلة السوريين الذين ليسوا كما يشاع عنهم من أنهم متطرفون... فهم على سبيل المثال في سنة 1944 وما تلاها من أعوام وبالرغم من أكثريتهم المسلمة الساحقة فقد كان رئيس وزرائهم مسيحي وهو فارس الخوري ولم يعترض عليه أحد حتى أنه تولى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية مدة من الزمن ورشحوه فيما بعد ليكون رئيسا لجمهوريتهم نكاية في المستعمر الذي حاول اللعب بالورقة الطائفية والدفاع عن الأقليات كعادته دائما...

المشاركة في هذا المقال