Print this page

الباحث السوداني وليد الطيب لـ «المغرب»: «إفريقيا هي السوق الواعدة للمنتجات الصناعية الإسرائيلية»

تحدث الباحث والكاتب السوداني وليد الطيب في هذا الحديث لـ “ المغرب “ مباشرة من الخرطوم عن الوضع اليوم في جنوب السودان في ظل تجدد القتال في جوبا . وعن التوغل الاسرائيلي في افريقيا والعلاقات التي تحكم بعض الدول باسرائيل، مشيرا الى ان تصاعد

ظاهرة الارهاب في القارة السمراء مرتبط بالإنسداد السياسي واختلال قاعدة المشاركة السياسية والتدخل الغربي في شؤون القارة، معتبرا ان معالجة الإرهاب تكون بتقديم مقاربات عملية مقبولة لهاتين المشكلتين.

• لو تنقل لنا المشهد اليوم في جوبا وأسباب تجدد الاقتتال؟
ليس للجنوب وجود متميز من غير معادله الموضوعي التأريخي وهو شمال السودان، بهويته العربية الإسلامية، ولهذا حذر السودانيون الجهات الداعمة لإنفصال الجنوب من مغبة هذا الأمر ليس على شمال السودان وحده بل على الجنوب نفسه، ومن هؤلاء بعض الخبراء الجنوبيين، الذين قالوا إن جنوب السودان سيعاني من أزمة هوية وطنية، لأن مفهوم الدولة غريب عن وعي المواطن الجنوبي العادي، فالجنوبي ولاؤه وإخلاصه للقبيلة، وفي سنوات الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب تمايزت مواقف الجنوبيين بناء على القبيلة فالحركة الشعبية التي كانت تقاتل الحكومة في شمال السودان تعرضت لإنقسامات عديدة بسبب التباين القبلي، فخرج عليها د.رياك مشار – نائب الرئيس الآن – ومعه المقاتلون من قبيلته قبيلة النوير وكذلك خرج عليها د.لام أكول – وزير الآن في حكومة المصالحة الجنوبية- وكتلة ضخمة من قبيلته الشلك بينما اختارت القبائل الاستوائية القتال في صف الجيش السوداني، وظلت الحركة الشعبية ناديا لقبيلة الدينكا التي ينتسب اليها مؤسس الحركة جون قرنق ونائبه سلفاكير رئيس حكومة الجنوب الآن، وكل المعارك التي يشهدها جنوب السودان الآن هي لهذا السبب (النزاع القبلي)، فالقبائل الأخرى تعتقد أن قبيلة الدينكا تستأثر بالسلطة والمناصب والجيش والموارد ورغم إن حقول البترول الجنوبي توجد بصورة أساسية في أراضي قبيلة النوير التي ينتسب إليها د.رياك مشار نائب سلفاكير وخصيمه السياسي. ورغم المصالحة السياسية بين الرجلين في أديس أبابا وعودة رياك مشار إلى جوبا إلا أن ظلال النزاع القبلي ظلت تسود جوبا مما قاد في الأيام القليلة إلى القتال بين الحرس الرئاسي لسلفاكير وحرس نائبه رياك مشار، وخرجت بعدها الأوضاع عن السيطرة ، حيث عمدت قوات سلفاكير إلى الهجوم على مقر إقامة رياك مشار ومناصريه في جوبا بالطائرات الحربية والأسلحة الثقيلة .

والمخرج هو في العودة إلى المصالحة الوطنية وتنفيذ اتفاق إديس أبابا، وكذلك لابد من تدخل الدول الضامن لإتفاق السلام في فرض الأمن والاستقرار في جوبا وهذا يستدعي أيضا تدخل مجلس الأمن وفرض عقوبات على القيادات التي ساهمت في تأجيج الحرب الأهلية في جنوب السودان، وكذلك فرض قيود على تسليح الجيش الجنوبي والملشيات المسلحة.

• لو توضح لنا المصالح الاسرائيلية في افريقيا في ظل غياب عربي عن العمق الافريقي؟
أفريقيا في الوعي السياسي الإسرائيلي تمثل المستقبل والقدرة على مجابهة العزلة الإقليمية التي اكتنفت إسرائيل منذ أعلنها في 1948، على أرض فلسطين العربية، ووقوعها في الجوار العربي جعلها في حالة عزلة ومواجهة في آن واحد، رغم تساقط الدول العربية لاحقا في موجة التطبيع إلا إن إسرائيل تعلم أن الشعوب العربية غير الأنظمة، وأن هذه الشعوب يمكنها تغيير المعادلة في أي لحظة تأريخية تتمتع بقابلية ثورية، ولهذا كانت تطمح دائما إلى أصدقاء خارج المنطقة ، وبهذا الاعتبار فإن أفريقيا هي الحليف المحتمل الذي يضع إسرائيل في الوضع الآمن، حيث تملك القارة الإفريقية الموارد الطبيعية كما تطوق المنطقة العربية، وتستطيع إسرائيل من خلال تواجدها المباشر أو عبر الحلفاء شد أطراف المنطقة العربية وإدخالها في نزاعات وحروب في أطراف العالم العربي بعيدا عن مركزه في الجزيرة العربية والشام، كما أن افريقيا هي السوق الواعد للمنتجات الصناعية الإسرائيلية أكثر من أوروبا وأمريكا وآسيا التي تشهد نهضة صناعة مذهلة كما هو الحال في الصين والهند وكوريا وسنغافورة وغيرها، وتهدف إسرائيل من وراء هذه العلاقات إلى التحكم في مصادر المياة وخاصة نهر النيل، وتحويل البحر الأحمر من بحيرة عربية خالصة إلى عمق إستراتيجي إسرائيلي من خلال بناء علاقات إستراتيجية راسخة مع أثيوبيا وأرتيريا ، والعرب كانوا يعلمون بأهمية أفريقيا تلك، فعمل الجيل الأول بعد الاستقلال على بناء علاقات متينة مع حركات التحرر الإفريقية كما في تجربة عبد الناصر في مصر وإبراهيم عبود في السودان وغيرهما، ولهذا نجد العلاقات الإسرائيلية الإفريقية مرت بمراحل متعددة، ففي عهد الوعي العربي بأفريقيا انضمت القارة السمراء إلى الموقف العربي من إسرائيل ولم تشذ عن ذلك إلا الأنظمة المنبوذة وقتها في أفريقيا مثل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ولما بدأ موكب التطبيع العربي بعد زيارة السادات ، اختار الأفارقة الاّ يكونوا ملكيين أكثر من الملك فبدؤوا في مد الجسور مع إسرائيل، وبلغ الاختراق الإسرائيلي للقارة الإفريقية أوجه مؤخرا بعد انحسار موجة الحرية (الربيع العربي) حتى طلبت إسرائيل أن تكون جزءا أصيلا في القارة من خلال شغل مقعد مراقب في الاتحاد الإفريقي ويجد طلبها التأييد والدعم من أثيوبيا حليفتها الإستراتيجية في القارة ، وينبغي للدول العربية أن تعي خطورة الوجود الإسرائيلي في أفريقيا ونشاطها المحموم في إثارة المشكلات في أطراف العالم العربي من جهة أفريقيا بالتجانس والتزامن مع التمدد الإيراني في شرق الجزيرة العربية وشمالها وجنوبها .

• ماذا عن معضلة الارهاب وتناميها في افربقيا؟
سؤال الارهاب في أفريقيا يمكن النظر إليه من خلال زاويتين، الأولى الاحتجاج السياسي بسبب تهميش الأغلبية سياسيا والثاني مواجهة النفوذ الأمريكي خاصة في القارة.
من المنظور الأول، الاحتجاج السياسي، يمكن القول إن أفريقيا لم تعرف الإرهاب الديني من قبل، لأن البنية الاجتماعية في أفريقيا كانت تنطلق من مؤسسة القبيلة، وهذه المؤسسة لا تميز بين منتسبيها في الحقوق بسبب الدين ما داموا قائمين بالواجبات القبلية، كما هو الحال مثلا في جنوب السودان وغيرها من مناطق القارة، لكن لاحقا بعد الغزو الأوروبي لأفريقيا عمد المحتل إلى نشر المسيحية بين القبائل التي تدين بالأديان التقليدية بينما أبقى القبائل التي تحولت إلى الإسلام منذ قرون على ما هي عليه، فرأينا منذ منتصف الخمسينيات ظاهرة الحرب بين الشمال والجنوب في الدولة الإفريقية المستقلة، كما هو الحال في السودان ونيجيريا وتشاد وأفريقيا الوسطى. ورغم انتهاء الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب كما هو الحال في نيجيريا إلا أن قبائل الشمال المسلمة كانت تستبطن شعورا بالقهر والاضطهاد ومصادرة الحقوق السياسية، وفي ظني هذا الغبن هو الذي ولد ظاهرة بوكو حرام المتطرف، وهو الذي وفر لها الحاضنة الاجتماعية التي ترفدها بمصادر الحياة، ووفر لها الدعم اللوجستي والعسكري الذي جعلها عصية على الهزيمة والموت، ولهذا كان بعض السياسييين النيجيريين يتسألون من يدعم بوكو حرام من السياسيين النيجيريين، ولهذا ينبغي أن ينظر لبوكو حرام في إطار التحديات الداخلية النيجيرية أولا ثم ينظر لدينامية التطور والانتشار وشبكة العلاقات التي بنتها في سبيل تعزيز قوتها مع المنظمات المتطرفة في الخارج مثل القاعدة وفروعها في المغرب العربي وداعش. وبذات المقدار يمكن أن نفهم ظاهرة مليشيات السيلكا في أفريقيا الوسطى.

ومن الزاوية الأخرى، لم تعرف القارة أيضا «حركات جهادية» عابرة للحدود قبل التدخل الأمريكي في الصومال 1991، والذي وفر مشروعية للقاعدة و»المجاهديين العرب» إلى دخول الصومال وقتال الولايات المتحدة بجانب حركة الاتحاد الإسلامي الصومالية في الصومال، وهذه النواة تطورت لاحقا لما يعرف الآن بحركة الشباب الإسلامي التي تدين بالولاء للقاعدة .
ولهذا في ظني أن الظاهرة المتطرفة مرتبطة بهذين العاملين الإنسداد السياسي واختلال قاعدة المشاركة السياسية والتدخل الغربي في شؤون القارة، ومعالجة الإرهاب تكون بتقديم مقاربات عملية مقبولة لهاتين المشكلتين.

المشاركة في هذا المقال