Print this page

بعد فقدان ماكرون الغالبيّة المطلقة وصعود اليمين المتطرف: فرنسا أمام أزمة حكم غير مسبوقة

شكّل صعود اليمين المتطرف خلال الانتخابات البرلمانية في فرنسا سابقة وقد وصفته وسائل اعلام فرنسية بـ«التسونامي»

الذي هزّ المشهد السياسي في البلاد وحقق خلاله اليمين المتطرّف كذلك اليسار اختراقًا كبيرًا.
فقد حصل حزب مارين لوبان على 89 مقعدا ، وحصل ائتلاف اليسار بقيادة جان لوك ميلانشون على 131 مقعدا، في حين خسر الرئيس مانويل ماكرون الغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية فحصل تحالف «معا» الذي يتزعمه على أكبر عدد من أصوات الناخبين في الجمعية الوطنية الا انه لم يحصل على العدد المطلوب لتحقيق أغلبية مطلقة في التصويت. فنال 245 مقعدا من أصل 577 في مجلس النواب الفرنسي مما يضعه أمام تحد غير مسبوق لضمان الحصول على الغالبيّة المطلقة أي 289 مقعدًا من خلال تشكيل تحالفات برلمانية. وقد اعتبر الزعيم اليساري جان لوك ميلانشون أنّ خسارة ائتلاف ماكرون الغالبيّة المطلقة في الجمعيّة الوطنيّة هي «قبل كلّ شيء فشل انتخابي» للرئيس.
تجاذبات وانقسامات
وبحسب عديد المحللين فان فرنسا مقدمة على حالة من التجاذبات السياسية يمكن ان تؤدي الى عدم استقرار بالنظر الى التشكيلة البرلمانية المنبثقة عن الانتخابات وأدت الى برلمان مشتت ومنقسم بين عدة كتل . ولعل التحدي الأهم اليوم أمام ماكرون هو العمل من أجل إيجاد أغلبية برلمانية عبر التحالف مع كتل وأحزاب أخرى بكل ما يطرحه ذلك من سيناريوهات وخيارات . فقد اكدت رئيسة الوزراء الفرنسية اليزابيت بورن بعد اعلان النتائج انها ستعمل على تشكيل غالبية عمل معتبرة انه ليس هناك من بديل عن هذا التجمع لضمان الاستقرار . وقالت بأنّ نتائج الانتخابات البرلمانيّة التي فشِلت في منح الغالبيّة لأيّ حزب، تُشكّل خطرًا على البلاد، لكنّها تعهّدت بأن يسعى حزب ماكرون لبناء تحالفات فورًا.
وقالت «هذا الوضع يُشكّل خطرًا على البلاد، نظرًا إلى التحديات التي علينا مواجهتها»، مضيفة «سنعمل اعتبارًا من الغد على بناء غالبيّة» قادرة على العمل.
من جهته، أقرّ الوزير غابريال آتال بأنّ النتائج «بعيدة عمّا كنّا نأمله». وقال عبر قناة فرنسية محلية، «إنّ ما يرتسم وضع غير مسبوق في الحياة السياسيّة والبرلمانيّة سيُجبرنا على تجاوز ثوابتنا وانقساماتنا».
اليوم أمام ماكرون خياران ، اما ان يتحالف مع أحزاب أخرى لتشكيل أغلبية او انه سيضطر عند التصويت على النصوص القانونية للجوء الى التفاوض بشكل منفرد مع النواب من الكتل والأحزاب الاخرى .
سحب الثقة من الحكومة
من جهة أخرى تبدو الحكومة الفرنسية أمام مأزق وذلك مع تصاعد الدعوات الداعية لعرضها على الثقة وذلك فور صدور اعلان السياسة العامة لبورن المرتقب في 5 جويلية . اذ قال تكتل اليسار في فرنسا بانه سيطرح تصويتا لسحب الثقة من حكومة ماكرون . ويشكل تحالف اليسار أكبر ثاني تكتل في مجلس النواب الفرنسي . وقد حصل على 131 مقعدا.
ومن شأن الهزيمة التي مُني بها الرئيس الفرنسي مع فقدانه الغالبيّة المطلقة في الجمعيّة الوطنيّة ، ان تعيق قدرته على الحكم وتستوجب منه ان يجري تحالفات تنسجم مع رؤاه وتصوراته التي عرضها خلال برنامجي الإصلاحي الخماسي. وتشير التوقّعات إلى هزيمة عدد من وزراء حكومة بورن الذين ترشّحوا للانتخابات، مما سيدفعهم إلى الاستقالة وفقًا للأعراف التي أرساها ماكرون منذ تولّيه الحكم.
وقال رئيس حزب اليمين المتطرف بالنيابة جوردان بارديلا «الدرس المستفاد من هذه الليلة هو أنّ الشعب الفرنسي جعل إيمانويل ماكرون رئيس أقلّية»، معتبرًا نتيجة الانتخابات بمثابة «تسونامي» سياسي.
وقالت لوبان بفخر أمام أنصارها في دائرتها الانتخابية بمنطقة هينين-بومون شمال البلاد، إن الكتلة البرلمانية التي حصل عليها التجمع الوطني هي «الأكثر عددًا بفارق كبير في تاريخ عائلتنا السياسية». وتعهدت ممارسة «معارضة حازمة» و»مسؤولة وتحترم» المؤسسات.
أمّا اليمين التقليدي فقد فاز بنحو 60 مقعدا ويمكن أن يؤدّي دورا حاسما في البرلمان الجديد رغم أنه خسر مكانته كأكبر كتلة معارضة في المجلس.
فرنسا اليوم أمام واقع سياسي وبرلماني جديد تسيطر عليه ثلاث كتل كبرى على حساب الأحزاب التقليدية اليمينية واليسارية . ويرى عديد المراقبين بأن الازمات التي شهدتها فرنسا والعالم مثل جائحة الكوفيد وتداعيات الحرب في أوكرانيا والأزمات الاقتصادية كلها أرخت بظلالها على تصويت الناخبين وجعلتهم يميلون أكثر نحو كتل جديدة يرون فيها ملاذا للهروب من صعوبات الواقع الراهن سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا .

المشاركة في هذا المقال