Print this page

ملامح الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس جو بايدن: مراهنة على الخبرة وعلى تمثيلية الأقليات

مع قرب موعد تسلم السلطة شرع الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن في تكوين فريقه الحكومي قبل أن يقر مجلس الشيوخ،

حسب التدابير الدستورية، اختيار افراد الإدارة الأمريكية الجديدة. تقاليد السياسة الأمريكية تقتضي أن يعين كل رئيس جديد قرابة 4000 شخصية لإدارة الحكومة ومؤسسات الدولة لتعويض المسؤولين التابعين لإدارة دونالد ترامب وأن يبت المجلس في أعضاء الحكومة وكبار المسؤولين في الوكالات الفدرالية والهيئات الإدارية. وقد صرح الرئيس الجديد بأن إدارته سوف «تمثل صورة أمريكا» الحقيقية وسوف تعمل على إعادة ترميم البلاد بعد الحوكمة الكارثية لدونالد ترامب على كل المستويات.
وجاءت الوجوه المقترحة للإدارة الأمريكية لتمثل تنوع البلاد العرقي والثقافي. واتسمت التعينات الأولى، والتي لم تشمل كل الحقائب الوزارية بل جلها، بحرص رئاسي على ضمان الكفاءة العلمية والخبرة السياسية مع تفاح الدولة على الأقليات من سود ولاتينيين وآسيويين ولحق التعيين، لأول مرة في تاريخ البلاد، الهنود الأمريكيين. أصول الشخصيات المعينة يوحي بإمكانية الوصل إلى تناصف بين البيض وغير البيض في إدارة شؤون الدولة مع الحرص على ضمان أوسع مشاركة للنساء.
خبرة سياسية وتوازن حزبي
حرص الرئيس بايدن على تشكيل فريق متوازن سياسيا بين فصائل الحزب الديمقراطي من يمينه ويساره بتعيين وجوه شابة مثل النجم الصاعد بيت بوتيتجيغ وسوزان رايس وجاك سوليفان. وبادر بإشهار بعض التعيينات مثل تكليف الوزير السابق جون كيري كمبعوث خاص لشؤون البيئة وليندا طوماس غرينفيلد لتمثيل الولايات المتحدة الأمريكية في منظمة الأمم المتحدة.
واعتمد جو بايدن في تعيينه لمناصب السيادة على ضمان الخبرة أولا وقرب المعنيين له في مرتبة ثانية. وهو ما يتوضح في تكليف جانات يلين بالخزانة وهي التي ترأست البنك المركزي في فترتي بيل كلينتون وباراك أوباما وهي تحصل على شبه إجماع في الطبقة السياسية وبين رجال الأعمال ومستثمري وول ستريت. كذلك الشأن بالنسبة للجنرال الأفرو-أمريكي لويد أوستن الثالث الذي تولى حقيبة الدفاع وأنطوني بلينكن الذي أسندت له وزارة الخارجية. خليط طريف من المقربين والمحنكين سياسيا الذين سوف يشكلون العمود الفقري للإدارة القادمة والذين سوف يتعاملون مباشرة مع رئيس مكتب جو بايدن رونالد كلاين الذي سبق و أن شغل منصب مدير ديوان نائب الرئيس الأسبق آل غور و مستشار لباراك أوباما ثم لجو بايدن.
تمثيل لكل فصائل المجتمع
الصورة التي أرادها الرئيس المنتخب للإدارة الجديدة تنبع من حرصه على مطابقة الهوية الأمريكية العميقة التي تعتمد على «الخليط العرقي» المجسمة في شخصيات من أقليات عرقية وثقافية خلافا لحكومة البيض التي حرص على إرسائها دونالد ترامب خلال ولايته. لذلك نرى أن الأقليات أصبحت ممثلة لا فقط في الشخصيات المعينة بل في الكفاءات التي تمثلها. 12 وزيرا ومسؤولا ساميا تم تعيينهم إلى حد الآن على رأس وزارات الدفاع (لويد أوستن) و التربية (ميغال كاردونا) والصحة (خافير ليسيرا) و الأمن القومي (أليخاندرو مايوركاس) و الداخلية (ديب هالاند).
وتحتوي الحكومة المنتظرة على شخصيات أمريكية من البيض أسندت لهم وزارات الزراعة (طوم ويلساك) والطاقة (جينيفر غرانهولم) وقدماء الجنود (دينيس ماكدونو) .وأسند جهاز المخابرات القومي إلى أفريل هانس التي لها خبرة في جهاز المخابرات «سي أي أي» وفي إدارة باراك أوباما. ومنحت بعض الحقائب في الهيئات الفدرالية إلى سياسيين من الأقليات مثل الاقتصاد (كاثرين تاي من أصل تايواني) والميزانية (نيرا طاندو من أصل هندي) والمجلس الاستشاري الاقتصادي(سيسيليا راوز، أول أمريكية من أصل افريقي). السيرة الذاتية لكل الشخصيات المعينة تشير إلى كفاءات عالية وخبرة واسعة، جلهم من خريجي جامعات هارفارد ويال ومن ذوي الخبرة في الكونغرس وعلى رأس الولايات أو في وزارات مختلفة.
وعين بايدن مستشاره جاف زاينتس كمنسق لجائحة كورونا من أجل العمل السريع على مقاومة الوباء بأقصى سرعة ممكنة خاصة عبر حملات التلقيح وذلك من أجل فتح المجال أمام مختلف الوزارات لتحقيق نجاحات في تشغيل 5 ملايين طالب شغل وتشجيع استهلاك المنتوج الداخلي وذلك عبر تخصيص ميزانية ب 400 مليار دولار للغرض.
دور فعال للنساء
سوف يكون للنساء في الإدارة الأمريكية الجديدة دور فعال في رسم السياسات القادمة. ستة وجوه جديدة بما فيها نائبة الرئيس كامالا هاريس مقابل ثمانية رجال في أول دفعة قبل أن تكتمل كل المقاعد المتبقية. لكن النساء من ذوي الكفاءات لهن حض في مناصب إضافية على رأس الوكالات والمجالس الفدرالية مما يعطي الانطباع بأن الرئيس بايدن أخذ وقته، ولا زال، ينتقي شخصيات لها خبرة وتكوين علمي وإشعاع. وكانت ديب هالاند أول أمريكية من أصل هندي تتولى منصب وزيرة للداخلية لتقطع مع الصورة العنصرية والمتقلبة للإدارة الأمريكية المتخلية التي تغط عليها حالات الانعزال والتصلب.
وكان لجو بايدن أن يخرج للجمهور أمام كاميرات التلفزيونات تنصيب الفريق الإعلامي للبيت الأبيض الذي ظهر لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية في تركيبة نسائية بحتة. فريقي الإعلام والاتصال للرئيس بايدن ونائبته هاريس يتمونا من نساء لهن خبرة في إدارة الإتصال في البيت الأبيض. أن يتفق الثنائي الحاكم عل نفس التوجه يوحي أن نائبة الرئيس كامالا هاريس سوف يكون لها دور فعال في المشاركة في صنع القرار الأمريكي في السنوات القادمة.
توجه واضح للتحول الإيكولوجي
الملف الهام الذي أقدم عليه جو بايدن وهو الذي سوف يمثل العصب الأساسي للاستراتيجيات الصناعية والاقتصادية والمالية هو ملف الطاقة والتحول الإيكولوجي الذي خصص له ميزانية قدرت بألفي مليار دولار. خلافا لسياسة دونالد ترامب الذي أخرج الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاق باريس، أعلن جو بايدن على إعادة واشنطن إلى الإتفاق مع توجيه الخطط الاقتصادية نحو التحول الإيكولوجي من أجل استرجاع ما فقده الاقتصاد الأمريكي تجاه الصين وأوروبا في هذا المجال. واختار الرئيس المنتخب طاقما عريضا من الشخصيات المتخصصة في الموضوع والتي لها كفاءات جامعية وسياسية مهمة تمكنها من تحقيق تقدم في موضوع البيئة في الأربع سنوات من ولايته. وأضاف للوزراء المختصين منسقة في البيت البيض في شخص جينا ماك كارثي التي لها خبرة واسعة في الميدان، وذلك حرصا على أن يحظى ملف البيئة برعاية رئاسية مستمرة.
هذه السنة سوف يجد جو بايدن نفسه في مواجهة مجلس الشيوخ من أجل تأكيد تعيين فريقه الحكومي. إذا ما تأكد حصول الجمهوريين على الأغلبية إثر انتخابات جورجيا في الخامس من هذا الشهر وبعد أن أعلن رئيس كتلة الجمهوريين في مجلس الشيوخ معارضته لبعض الوجوه المعينة فسوف يجبر الرئيس بايدن على التوصل إلى اتفاق مع الحزب المعارض في مسألتي التعيينات والميزانيات اللازمة لتحقيق برنامجه الانتخابي. أما إذا نجح الديمقراطيون في ضمان المقعدين المتبقيين فإن التشكيلة المقترحة سوف ترى النور بدون صعوبة وسوف يفتح أمام جو بايدن والحزب الديمقراطي صفحة سياسية جديدة تمكن من طي صفحة دونالد ترامب.

المشاركة في هذا المقال