أستاذ دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية في جامعة رتغرز بولايت نيوجرزي الأمريكية عبد الحميد صيام لـ«المغرب»: هناك تغييرات أساسية في السياسة الأمريكية نحو الشرق الأوسط وخاصة الاتفاقية النووية مع إيران

• التطبيع العربي قد يستمر ولكن بوتيرة مختلفة
تطرق أستاذ دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية في جامعة رتغرز بولايت نيوجرزي الامريكية د. عبد الحميد صيام و الكاتب المتخصص

في شؤون المنظمات الدولية، في هذا الحديث الشامل لـ«المغرب» الى أبرز حصاد لسنة 2020 في ما يتعلق بالشرق الأوسط وإلى ابرز ملامح السياسات الأمريكية في عديد الملفات في المنطقة والعالم. مشيرا الى ان ادارة ترامب تميزت بسنوات من القرارات المتسرعة موضحا بانه ستكون مع بايدن مشاورات عميقة قبل الإقدام على خطوات مهمة خاصة في ما يتعلق بالأمن ومناطق النزاع والخلافات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين. وأعرب عن اعتقاده بأن إدارة بايدن ستركز أكثر على منطقة شرقي آسيا وروسيا أكثر من أي منطقة أخرى. مؤكدا بان هناك تغييرات أساسية في السياسة الأمريكية نحو الشرق الأوسط وخاصة الاتفاقية النووية مع إيران والتي كان بايدن أحد مهندسيها خلال إدارة باراك أوباما.
• ونحن نودع عام 2020 هل لك أن تراجع لنا حصيلة هذا العام الأصعب في العصر الحديث؟
سيذكر التاريخ لقرون قادمة كيف أن فيروسا تحتاج إلى تكبيره خمسمائة مرة لتراه بالعين، ينتمي إلى فصيلة الفيروسات التاجية أطلق عليه كوفيد -19 استطاع أن يضع العالم كله في حالة ذعر وارتباك لمدة قد تصل إلى سنة ونصف على الأقل. انتصر هذا الفيروس على الدول العظمى والصغرى والمتوسطة. انتصر على الأطباء وجندل منهم المئات. حل علينا ضيفا ثقيلا ودخل بيوتنا بلا استئذان ونشر الرعب في الشوارع والحارات والزنقات. أغلق الجامعات والمدراس والمطارات والمسارح والسينماءات وأوقف حركة المواصلات البرية والبحرية والجوية. أوقف عجلة الاقتصاد وأغلق مئات الملايين من الوظائف والأعمال الصغيرة والكبيرة. وأخذ يجندل المئات والآلاف حيث وصل عدد من أصيب به أكثر من سبعين مليون إنسان قضى منهم أكثر من مليون ونصف وقد تصدرت الولايات المتحدة المرتبة الأولى في أعداد المصابين والضحايا.
كما تعاملت إدارة ترامب في بداية الوباء بالاستخفاف به واعتباره عديم الأهمية حتى بدأت المستشفيات تضيق بالمصابين وتمّ تحويل الحدائق والساحات إلى مستشفيات ميدانية وعندها تراجع ترامب وبدأ يضع اللوم على الصين ثم اتهم منظمة الصحة العالمية بالتآمر مع الصين وأعلن انسحابه منها. كل واحد منا في الولايات المتحدة خاصة فقد قريبا أو صديقا أو حبيبا رغم الالتزام بالحجر الصحي والتباعد الاجتماعي. وظل هذا الوباء غامضا لا يعرف أحد بالضبط كيفية انتقاله وكيفية إصابته لبعض الناس وقتل آخرين. وتنفس العالم الصعداء عندما أعلن رسميا عن التوصل إلى لقاح شاف من صنع عالمين تركيين يعملان في شركة بيونتك الألمانية والتي دخلت في شراكة مع شركة فايز الأمريكية، حيث بدأ اللقاح يوزع وخاصة على من هم في الخطوط الأمامية من المعركة مع الوباء وخاصة الأطباء والممرضون والممرضات. ولعلنا سنشهد في الشهور الستة الأولى لعام 2021 انحسار صفحة هذا الوباء الخطير، وإلى الأبد.
• مع قدوم الرئيس جو بادين للبيت الأبيض هل لك أن تراجع معنا معالم السياسة الخارجية -بخطوطها العريضة- للإدارة الجديدة؟
بشكل عام إدارة بايدن ستعيد الاحترام للمؤسسة الرئاسية. بايدن سيعود إلى السياسة الهادئة الصادرة عن رأي جماعي بعيدا عن المواقف الانفعالية والمتسرعة والمزاجية. لقد تميزت سنوات ترامب بالقرارات المتسرعة النابعة من شخص لا يثق بأحد ومن يختلف معه يطرده فورا بتغريدة على تويتر. سياسة الولايات المتحدة لن تدار عن طريق التغريدات بل ستعود للمؤسسات وإعطاء مساحة واسعة للوزراء والمختصين والمؤسسات الأمنية والعسكرية والاقتصادية. ستكون هناك مشاورات عميقة قبل الإقدام على خطوات مهمة خاصة في ما يتعلق بالأمن ومناطق النزاع والخلافات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين. ونعتقد أن إدارة بايدن ستركز أكثر على منطقة شرقي آسيا وروسيا أكثر من أي منطقة أخرى. ستعيد الإدارة ترتيب الأولويات حسب مصالح الولايات المتحدة أولا في مجالات التجارة والدفاع والأمن ولا حسب مصالح الكيان الصهيوني. لقد أهمل ترامب كل مناطق العالم وخصص كل جهده لخدمة الكيان الصهيوني، وذلك بتفويض صهره جاريد كوشنر وسفيره في تل أبيب ديفيد فريدمان ومستشاره الخاص جاسن غرينبلات، وثلاثتهم من غلاة الصهاينة، لتسخير السياسة الأمريكية لخدمة الكيان الصهيوني. تخيلي أن ترامب لم يزر القارة الأفريقية على الإطلاق خلال سنواته الأربعة بينما وجد الوقت ليلتقي بكيم جونغ أون مرتين ولم يعط اي اهتمام للقارة الأفريقية بأكملها.
• ما هي في رأيك أولويات الثنائي بايدن-هاريس في الأشهر الأولى لتولي الرئاسة.
سيركز بايدن في شهوره الأولى على ثلاث قضايا لا تحتمل التأجيل: أولا إعادة اللحمة للشعب الأمريكي بعد الشرخ الذي أحدثه ترامب في الوحدة الداخلية طولا وعرضا ووضع البلاد وكأنها على حافة حرب أهلية نتيجة لخطابه الشعبوي التحريضي العنصري، وثانيا احتواء وباء كورونا وبسرعة مطلقة خاصة وأن اللقاح أصبح الآن متوفرا. ثالثا إنعاش الاقتصاد وإعادة عجلة الانتاج ودعم الأعمال الصغيرة وخلق وظائف بوتيرة عالية لإعادة الملايين الذين فقدوا وظائفهم وأعمالهم ويقدرون بعشرين مليون أمريكي عاد بعضهم إلى أعمالهم لكن الغالبية ما زالت تعيش على شيكات البطالة التي تقدمها وزارة العمل من الميزانية الفيدرالية.
هذه الأولويات الثلاث متشابكة ومترابطة يشد الواحد منها الآخر فإنعاش الاقتصاد يعيد الحياة الطبيعية للبلاد ويغلق ملف البطالة الحاد ويعزز من وحدة البلاد. الأمريكي بطبعه ينظر إلى الأمور من عدسة حياته اليومية ودخله ومسكنه وتأمينه الصحي وبعد ذلك فكل شيء ثانوي.
• هل انتهت الظاهرة التي مثلها ترامب خلال السنوات الأربع الماضية وهل تتوقع عودة له على المشهد السياسي؟
لا أعتقد أنها انتهت تماما لكنها ستذوي مع اختفائه من على المسرح. هناك أكثر من 70 مليون أمريكي صوتوا لصالح ترامب. بعضهم سيحاول أن يثير نوعا من اللغط والضجة أيام تنصيب الرئيس الجديد. وقد تستمر هذه الظاهرة ويحاول أن يستثمرها ترامب لصالحه الشخصي حيث جمع من التبرعات لحساب حملته الانتخابية ما يزيد عن 300 مليون دولار بعد الانتخابات يوم 3 نوفمبر الماضي. وهذا قد يشجعه على أن يشكل حزبا جديدا ويشق الحزب الجمهوري بين المدرسة الكلاسيكية القديمة حيث تخلى رموزها عنه، وبين جموع الشعبويين والعنصريين المتعصبين للعرق الأبيض والمتدينين الأنجليكيين وكبار الأثرياء. لكن ذلك يعتمد على ما سيحدث بعد رحيله من البيت الأبيض فقد يجد نفسه ملاحقا من القضاء وخاصة في ولاية نيويورك. فالقانون هنا لا يعفي الرئيس من انتهاكات قانون الولاية. سننتظر كيف ستؤول الأمور للظاهرة الترامبية في الشهور وفي السنوات القادمة.
• وماذا عن الشرق الأوسط؟ هل من معالم جديدة للعلاقات الأمريكية العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص؟
أكيد هناك تغييرات أساسية في السياسة الأمريكية نحو الشرق الأوسط وخاصة الاتفاقية النووية مع إيران والتي كان بايدن أحد مهندسيها خلال إدارة باراك أوباما. ونتوقع أن يعود بايدن إلى الاتفاقية مع بعض الضمانات الإضافية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية والشركاء الخمسة الآخرين. إيران لن تعود للتفاوض حول الاتفاقية وبنودها ولكنها على استعداد أن تضيف ضمانات إضافية لتطمين الأطراف المعنية بعد اجتياز الخطوط الحمراء التي اتفق عليها في «خطة العمل الشاملة المشتركة». إدارة بايدن ستعيد نسج العلاقات مع الدول العربية بطريقة عقلانية أكثر. صحيح «إسرائيل» ستظل «بيضة القبان» وحليفا استراتيجيا لا يصل إلى مستواه بلد آخر لكن هناك ود مقطوع بين بايدن ونتنياهو ولذلك لن تغالي هذه الإدارة في تدليل «إسرائيل» كالإدارة السابقة. لكن تغييرا أساسيا سيطرأ على التعامل مع السعودية والإمارات خاصة أن هناك ضغوطا حزبية لفتح ملف حقوق الإنسان وحربي اليمن وليبيا كعاملين أساسيين في ترتيب العلاقات مع هذه الدول. دون أن ننسى أن تحصل إعادة اهتمام إلى الملف السوري والعمل مع الأوروبيين والاتحاد الروسي وتركيا للخروج من حالة الجمود.
ستعيد إدارة بايدن التعامل مع السلطة الفلسطينية وتعيد تمويلها وفتح مكتب الممثلية الفلسطينية في واشنطن وربما إعادة فتح القنصلية في القدس الشرقية، وتعيد تمويل وكالة إغاثة وتشعيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). ونتوقع أن تعيد إدارة بايدن عجلة المفاوضات بين «إسرائيل» والفلسطينيين ليس بالضرورة على أرضية «صفقة القرن»: بل على صيغة معدلة أقرب إلى رؤية بيل كلنتون وحل الدولتين مع بعض التعديلات الجذرية المتعلقة بضم المستوطنات الكبرى لإسرائيل وإبقاء نوع من التواصل بين الأرض الفلسطينية وممر إلى قطاع غزة. وقد يكون هذا الحل أكثر قبولا لسلطة محمود عباس التي تمر في اضعف حالاتها دوليا وعربيا وفلسطينيا.
• وماذا عن قطار التطبيع الذي انطلق في سبتمبر الماضي هل سيبقى مستمرا ليتوقف في محطات جديدة؟
سيحاول ترامب في أيامه الأخيرة أن يجرّ بلدا أو أكثر لمحطة التطبيع. ربما عمان أو موريتانيا وربما دولة إسلامية. لكن حتى لو لم يحدث هذا ستوكل مهمة التطبيع لدولة الإمارات الوكيل الحصري للكيان الصهيوني في المنطقة العربية والتي لعبت دورا أساسيا في اتفاقيتي التطبيع السوداني والمغربي. لكن الأمور ستسير بالتأكيد على سكة بطيئة خاصة أن إدارة نتنياهو الآن قد تنهار نهائيا أو تضعف كثيرا بعد انشقاق حزب الليكود الأخير وحل الكنيست والتوجه لانتخابات جديدة. سنشهد دفئا في العلاقات الإماراتية الإسرائيلية وغزلا أكثر بين دول عربية أخرى والكيان الصهيوني لكن التطبيع ليس من أولويات بايدين فلديه الكثير لإصلاحه من تركة ترامب المرة.
• ماذا عن الدور القيادي للولايات المتحدة هل تتوقع عودة شاملة للولايات المتحدة للمشهد الدولي؟
نعتقد أن إدارة ترامب ستحاول منذ اليوم الأول إصلاح بعض ما أفسده ترامب في العلاقات الدولية حتى مع أقرب حلفاء الولايات المتحدة. سيعلن بايدن في البداية عن العودة لاتفاقية باريس للمناخ (2015)، وسيلغي قرار حظر مواطني الدول الإسلامية من دخول الولايات المتحدة، سيحسن علاقاته أولا مع دول الجوار، المكسيك وكندا، ثم دول الناتو والاتحاد الأوروبي.
ستعود الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية -وربما- إلى منظمة اليونسكو. لكن العودة لمجلس حقوق الإنسان قد تتأخر أو لا تأتي أبدا. ونعتقد أنه سيلغي القرارت المتعلقة بمنع قضاة المحكمة الجنائية الدولية من دخول الولايات المتحدة. سيعيد بناء الجسور مع القارة الأفريقية وقد يقوم بزيارة لإحدى الدول الأفريقية المهمة مثل إثيوبيا، مقر الاتحاد الأفريقي أو جنوب أفريقيا التي ترأس الاتحاد. وستلعب السفيرة الأمريكية الجديدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، وهي من أصول أفريقية وخبيرة في كل قضايا القارة السوداء، دورا بارزا في تمتين العلاقات مع القارة الأفريقية.
سياسة ترامب بشكل عام ستبنى على التوازن وترميم الخراب الذي تركه ترامب والانطلاق نحو دور قيادي عالمي يقوم على العمل الجماعي والتشاور ودفع المصالح الأمريكية إلى الإمام لا على حساب الأصدقاء والحلفاء بل بالتعاون معهم والتكامل مع أدوارهم والاستفادة من خبراتهم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115