Print this page

وسط غضب شعبي متصاعد ودعوات للمحاسبة: لبنان المكلوم يهبّ لإنقاذ عاصمته

استفاقت بيروت أمس على مشهد الدمار الهائل الذي خلّفه الانفجار الضخم الذي أودى بحياة أكثر من 137 شهيدا على الأقل

وأكثر من 5000 جريح، فيما لا زال هناك عشرات المفقودين تحت الأنقاض أو في أعماق البحر . ويواصل أبناء لبنان نفض الرماد عن عاصمتهم المنكوبة وتضميد جراحها. لقد أحدث الانفجار حفرة قطرها 124 مترًا حسب ما رصدت الأقمار الاصطناعية وأظهرت صور الكاميرات ان المكان غطته مياه البحر ... هذا البحر الشاهد على فاجعة لبنان وكأنه يحاول ان يغطي مشهد الدمار الذي لم يسبق لبيروت ان عاشت مثله حتى في أصعب وأحلك الظروف والحروب التي مرت عليها .وكأن بحرك يا بيروت الذي استوعب نصف ضغط الانفجار ، لم يشأ ان يراك هكذا مدمرة . فأنت جارة البحر وجارة المتوسط ، وشاطئ الروشة طالما كان ساهرا ينادي زرقة المتوسط وروعته .
الى حدّ الآن لم يصدق أحد ما حدث في عاصمته ومدينته، حالة من الصدمة تعمّ الجميع، كل اللبنانيين يبكون عاصمتهم المجروحة . وهبّ شبان وشابات لبنان من كل المناطق اللبنانية، من البقاع والجنوب والجبل والشمال وطرابلس هبوا جميعا لنجدة بيروت. ونقطة الالتقاء والتجمع للبدء في توزيع مهام تنظيف المدينة وإزالة كل الدمار والرماد والشظايا ورفع الأضرار كانت تحديدا في وسطها التجاري وفي ساحة الشهداء التي انتصب فيها تمثال الشهداء التذكاري الذي نحته النحات الإيطالي مارينو مازاكور عام 1960 وذلك تخليدا لذكرى الشهداء الذين أعدموا في الساحة نفسها عام 1916 . هذا النصب التذكاري ظل شاهدا على كل أزمات المدينة وحروبها ، وهو اليوم شاهد على حجم الفاجعة وعلى وحدة اللبنانيين الذين تجمعوا من كل المناطق وتناسوا كل الصراعات الطائفية والسياسية يجمعهم هدف واحد هو تقديم ما أمكن من العون لأهل بيروت المنكوبين . انتشر آلاف المتطوعين في شوارع العاصمة ، بقلوبهم الحزينة المكلومة على عاصمتهم وبسواعدهم، حاولوا كنس الرماد والحجارة والزجاج المتناثر . عيونهم تحدق الى الأبنية المهدمة وكلهم أمل بان يكون ما حصل مجرد كابوس سيستفيقون منه سريعا ،لتعود عاصمتهم مضاءة «وست الدنيا» كما عهدوها .
في بيروت لا وقت اليوم للحزن ولا وقت للحداد ، يعضّ الجميع على آلامهم لينقذوا العالقين وسط الدمار، ليساعدوا المتضررين ومئات العائلات التي باتت بلا مأوى ولا جدران تقي قيظ شمس أوت، بعد ان ابتلع لهيب الانفجار كل رونق وكل فرح في هذه المدينة . ولكن تحت الرماد هناك غضب شعبي يتصاعد ودعوات لمحاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة وكل الطبقة السياسية التي ساهمت في تكريس نظام طائفي قائم على المحاصصة وعلى الفساد السياسي والمالي والاداري.
وكأن لبنان لم يكن تكفيه مصائبه وأزماته الاقتصادية والمالية وتفشي وباء كورونا، فجاءت هذه الفاجعة لتزيد الطين بلة . انها لحظة الصمت أمام هول الحادثة وأمام أنين المصابين والملتاعين. هذا الحريق الذي قضى على مرفإ بيروت ، أحرق معه قلوب كل اللبنانيين ووصل لهيبه الى العالم برمته الذي وقف مذهولا أمام المصاب الجلل وأمام «هيروشيما» لبنان . والمفارقة ان يقع هذا الانفجار أيضا قبل يومين من احياء ذكرى مرور 75 عاما على ضرب هيروشيما بقنبلة ذرية .
كل مدنك يا لبنان هي بيروت ...وكل العواصم ملتاعة لحزنك ، وتحت الأنقاض وبين الشظايا المتناثرة، تختبئ أوجاعنا وأصواتنا الضائعة الباحثة عن ملامح عاصمة جميلة كانت تسمى بيروت وستظل بيروت الجميلة مهما تدمرت وتشوهت .

المشاركة في هذا المقال