Print this page

أوروبا في حالة حرب ضد فيروس كورونا: منع التجمعات وغلق الحدود في عديد بلدان أوروبا

في أقل من 48 ساعة بعد قرار عزل إيطاليا عن العالم دخلت أوروبا في حالة من الهلع تواترت فيها التصريحات الرسمية بين

معلنة عن قرب الكارثة و أخرى مطالبة باليقظة و اتخاذ كل الإجراءات الوقائية. حصيلة الوضع أن تحركت كل العواصم الأوروبية بعد تصريح المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل أنه في عدم اتخاذ الإجراءات السريعة اللازمة كل المؤشرات تدل على امكانية إصابة ما بين 60 و 70 % من الشعب الألماني. وهي الحقيقة العارية التي لم يصرح بها باقي زعماء أوروبا وهم يعرفون الأرقام الحقيقية التي تدل على سرعة انتشار الوباء في صفوف شرائح عريضة من الشعوب الأوروبية و لو أن الأرقام الرسمية المعلنة (30 الف مصاب و 1200 حالة وفاة) تضع أوروبا في ثاني مرتبة بعد الصين في قائمة الجهات المصابة بالوباء.
بعد أنجيلا ميركل، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب للأمة عن غلق كل الحاضنات والمدارس و المعاهد والجامعات ابتداء من يوم الإثنين القادم وطالب المسنين بملازمة بيوتهم, ووعد باتخاذ كل الإجراءات اللازمة وبتوفير التمويلات الضرورية «كلف ذلك ما كلف» الخزينة العمومية من أجل مقاومة الفيروس وعلاج المرضى وتمكين العاطلين عن العمل من جراياتهم ومساعدة المؤسسات الإقتصادية الفرنسية للرجوع إلى سالف نشاطها. و أعلن بعد ذلك وزير المالية برونو لومار أن كلفة مقاومة فيروس كورونا في فرنسا فقط سوف تعد بعشرات مليارات اليورو.
أوروبا في حالة حرب
الإجراءات المتخذة والتي لا تزال تأخذها يوما بعد يوم السلطات الرسمية على المستوى الوطني و المحلي تشبه تلك التي تؤخذ في حالات الحرب من أجل الدفاع عن المواطنين. وإن كانت القرارات السياسية تختلف من بلد لبلد فإن الهدف واحد: اشهار الحرب على الفيروس و تعبئة المواطنين ضده. كل الأساليب تصبح في تلك الحالة واردة. فغلق المؤسسات التربوية والمؤسسات الثقافية و الرياضية والأماكن التجارية في إيطاليا و بلجيكا وبعض أقاليم اسبانيا و فرنسا و منع التجمعات والسفر الجماعي والحد من التنقلات، كلها إجراءات تتخذ زمن الحرب.
وهو الإنطباع الذي خلفه قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنع دخول الأوروبيين – ما عدا البريطانيين و الأيرلنديين لأسباب انتخابية – إلى التراب الأمريكي مدة 30 يوما. وإن نددت المفوضية الأوروبية بذلك القرار فإن بعض الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي نفسه قررت غلق حدودها مع إيطاليا وفرنسا ومنع العلاقات الجوية مع تلك البلدان و التحقت بهما اسبانيا التي فاق عدد المصابين فيها 3000. وأعلنت عواصم أخرى في أسيا وأمريكا اللاتينية و في إفريقيا، وربما أهمها رمزيا المملكة المغربية التي أوقفت السفرات الجوية و البحرية مع فرنسا بالرغم من العلاقات المتشعبة بين البلدين. و أظهر الإتحاد الأوروبي عدم قدرته على تكوين قرار موحد وبلورة سياسة موحدة في خدمة الدول الأعضاء. من ذلك أن رفضت مختلف البلدان الأوروبية الوقوف جنب إيطاليا و منحها آلات تنفس طبية لإعانة المصابين في المستشفيات الإيطالية. وتدفقت الإعانات من الصين التي ردت الجميل بعد أن تلقت إعانات مماثلة عند انطلاق الوباء على أراضيها.
بوادر أزمة اقتصادية حادة
في هذه الظروف الأوروبية المضطربة دخلت الأسواق في أزمة مالية حادة بعد الهبوط التاريخي للبورصات في كل البلدان الأوروبية الذي سجل أرقاما قياسية تاريخية في ميلانو (-16 %) و باريس (-12 %) و غيرها من الأسواق قبل أن تسترجع البورصات نسقها الإيجابي إثر خطاب إيمانويل ماكرون الذي أكد فيه على وقوف الدولة الفرنسية إلى جانب مؤسساتها الإقتصادية و إلى عزمها على «استرجاع سيادتها على الميادين الحيوية التي تمس من صحة و حياة الفرنسيين» مشيرا إلى مراجعات أساسية قادمة في المنوال الليبرالي وفي منظومة العولمة التي أظهرت محدودية نجاعتها.
وشهدت الأسواق المالية تحركات مشبوهة للبنوك ومؤسسات الإقراض التي ترغب في استغلال الوضع الكارثي الإيطالي لمديونيتها و المضاربة بها. و من المنتظر أن تتحرك بروكسل لإنقاذ الإقتصاد الإيطالي الذي أصبح على وشك أن يهدد التوازنات الأوروبية العامة في صورة نجحت المؤسسات المالية في رفع نسب الفائدة لإستغلال عدم قدرة إيطاليا على التوجه إلى الأسواق العالمية. لكن الحكومة الإيطالية أظهرت عزما واضحا في مواجهة الأزمة بضخها 25 مليار يورو لمساندة اقتصادها. مع ذلك الأرقام التي تتداول في أروقة المفوضية في بروكسل تفوق ذلك بكثير . الدفعة الأولى التي أقرتها المفوضية لمساعدة المؤسسات الصحية الأوروبية وصلت 25 مليار يورو. لكن الحاجيات الحقيقية تعد بمئات المليارات من اليورو التي وجب ضخها في النظام المالي الأوروبي للمحافظة على نوع من الإستقرار و تمكين المؤسسات من الافلات من الإفلاس.
وبدأت العواصم الأوروبية، تزامنا مع تنسيقها أعمال التصدي لفيروس «كوفيد - 19»، التحضير لإستراتيجية انقاذ اقتصادي يلعب فيه البنك المركزي الأوروبي والبنوك المركزية الوطنية دورا فعالا في إعادة الثقة وتمكين الإستثمارات وتخطيط المشاريع الكبرى التي وجب الشروع فيها بعد أزمة فيروس كورونا. وبدأ الجدل يتصاعد في مختلف وسائل الإعلام الأوروبية حول حتمية تطوير المشروع الأوروبي نحو تضامن أكبر و تقاسم للسلطة يخدم كل الدول الأعضاء ويساعد على بلورة سياسات وقرارات سياسية واقتصادية ودبلوماسية موحدة تجعل من الإتحاد الأوروبي عنصرا فاعلا في النظام العالمي الجديد له وزنه وكلمته في العلاقات الدولية، الشيء الذي بان بالكاشف مع أزمة فيروس الكرونا أنه مفقود.

المشاركة في هذا المقال