Print this page

الباحثة والأكاديمية الليبية فاطمة غندور لـ«المغرب»: هناك أصوات ليبية عديدة تطالب بالعودة للمسار السياسي وعقد ملتقى جامع للأطراف الليبية الفاعلة

• إنهاء الحرب والصراع معطى لا تملكه ليبيا وحدها بل بات مرتبطا بعوامل داخلية وخارجية وإقليمية


«ان انهاء الحرب والصراع معطى لاتملكه ليبيا وحدها ، فالأزمة الليبية واي قرار متعلق بها مرتبط بالعوامل الداخلية والاقليمية والدولية ...وكلما ضعف أثر الدعم والضغط باتجاه الحل ظلت الأزمة الليبية تراوح مكانها في حالة اللاحل» ذلك ابرز ما اكدته الباحثة والكاتبة والاكاديمية الليبية فاطمة غندور في حديثها لـ«المغرب» الذي استعرضت فيه مختلف التحديات التي تواجه اليوم الليبيين من تفشي الميليشيات الى الانقسام السياسي الى ملف النفط والهجرة غير الشرعية والارهاب وغيرها . كما تطرقت الى دور المراة الليبية ومستقبل الاعلام في ظل الحرب الدائرة في هذا البلد . وفاطمة غندور هي كاتبة وباحثة ليبية وهي استاذة بكلية الفنون والاعلام بأقسام الإعلام والصحافة والمسرح من سنة 2005..كما تمثل ليبيا بالشبكة العربية لدراسة الديمقراطية وهي فرع الكتريينغ مؤسسة دراسات وأبحاث بأهايو وفرعها العربي ببيروت. وممثلة ليبيا بإدارة الاعلام (أصوات التغيير) مكتب المرأة الأمن والسلام بمفوضية الاتحاد الافريقي أثيوبيا. وهي مرشحة برلمانية ومديرة ميادين للصحافة والنشر..ومنظمة إعلاميات ليبيا .

• اولا كيف تقييمك للوضع اليوم في ليبيا خاصة في ظل الحرب الدائرة في طرابلس وما مستقبل التسوية؟
لاشك أن الحرب الاخيرة وماترتب عنها، أوقفت مساعي البعثة الاممية وداعميها الغربيين ،وكذلك مساعي دول الجوار، وجمدت المطالبات الداخلية بعقد حوار ليبي -ليبي وكان اهم شروطه هو انعقاده داخل ليبيا . رغم ان هناك أطرافا مسيطرة على القرار بالعاصمة كانت قد صرحت بعدم مشاركتها في «ملتقى غدامس الجامع» منتصف أفريل الماضي، الا ان مجلس النواب ومجلس الدولة كانا يعدان قائمتهما بالمشاركين المرشحين فيه . في حين اعتبر الجيش الليبي بان هذه المعركة تحمل عدة اهداف منها مكافحة وازاحة الارهابيين المتطرفين (من قاعدة، وأنصار شريعة ،ومجالس شورى،)في بلد صار مرتعا للإرهابيين متعددي الجنسيات اضافة الى جيران يصدرون أزماتهم لها . فهناك مؤشرات وارقام ترد بعدد الإرهابيين القادمين من تونس والعراق وسوريا . وكانت طرابلس والغرب الليبي عموما ضمن هذه الخارطة المعلنة . يشار الى ان مؤتمر الصخيرات كان قد اشترط وجود ترتيبات امنية ، وفيها ما تعلق أيضا بالمليشيات المسلحة المتمركزة بغرب ليبيا ، لكن هذه الترتيبات لم تُنجز رغم مرور سنوات على الاتفاق. وظلت حكومة الوفاق هشة رغم منحها شرعية دولية لكنها لم تحسن توظيفها، والدليل على ذلك ان الصراعات المسلحة لم تتوقف. والدليل على ذلك ماجرى في طرابلس من تفجيرات لمقرات المفوضية العليا للانتخابات، ولمؤسسة النفط، ووزارة الخارجية، وكذلك انتشار للجريمة المنظمة من اختطاف وقتل وانتهاكات . وهذا كله عزز حالة الفوضى واستمرار العنف والانتهاكات، كشف عنها أول خروج لوزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا بشكوى سماها “الحالة الصفر” مفادها حسب تصريحاته أن 360 ألف مليشياوي انخرطوا بوزارتي الداخلية والدفاع كجماعات مسلحة،يرفض قادتها الانخراط وفق معايير متعارف عليها كأفراد يخضعون لقوانين الوزارتين ، وفي المقابل، فان قيادة الجيش الليبي عززت حضورها في مفاوضات باريس (1) و(2 )، واجتماع باليرمو، وكذلك في اللقاءات التي جرت بالقاهرة ،و أبوظبي،ولعل الأخيرة كانت مفصلية في قرار دخول الجيش الى طرابلس . فالسراج كان قد اعلن في مقابلة تلفزيونية أن حفتر صارحه بموفى خارطته اي «دخول طرابلس» وتسليمها سلميا للجيش، وبحضور السفير الأمريكي ومسؤول البعثة الاممية غسان سلامة، وعقبها كان الاتفاق على ان يلتقيا كطرفي نزاع لأجل اقتراح مسار سياسي بحكومة وحدة وطنية تقرر موعد استفتاء الدستور ،والانتخابات البرلمانية والرئاسية . وإن كان طرفا الازمة تبادلا الاتهامات بشأن الخيانة والطعن بالظهر والاخلال بالوعد والاتفاق الذي تم بينهما خلال لقاء أبوظبي.

• وهل يمكن اليوم انقاذ الوضع وإنهاء هذه الحرب وما مدى فرص تحقيق المصالحة الليبية؟
ان انهاء الحرب والصراع معطى لاتملكه ليبيا وحدها ، فالمسألة الليبية واي قرار متعلق بها مرتبط بالعوامل الداخلية والاقليمية والدولية. ليبيا جيوسياسيا تتقاسمها قضايا ومسائل مشتركة مع الآخر ، فهناك النفط والطاقة ،الهجرة غير الشرعية، مكافحة التطرف والأرهاب، وغيرها. وكلما ضعف أثر الدعم والضغط باتجاه الحل ظلت الأزمة الليبية تراوح مكانها في حالة اللاحل، مع هذا التأزم الذي تشهده دول المنطقة من الجزائر الى ايران، ولقاء مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي واجتماعه من أجل ليبيا مؤخرا والداعي لوقف الحرب المهددة للسلم والأمن في المنطقة ،من المنتظر أن تكون (وحسب البيان المعلن الذي وجه للطرفين )عودة طرفي الأزمة الى طاولة المفاوضات هي الاولوية اليوم مع مساعي ايطاليا وتونس لعقد لقاءات بينهما أيضا. واعتقد ان في الأفق مسألتين خلافيتين ستكونان على الطاولة المنشودة لو تحققت الهدنة وتم وقف أوزار الحرب بالغرب ، وهي المليشيات وتفكيكها وحيازة سلاحها (الترتيبات الأمنية )،وضمانات تتعهد بها قيادة الجيش(الذي تموقع وحاز أعترافا دوليا وحقق ماحققه على الأرض) وايضا الذهاب للمسار الديمقراطي للدولة المدنية .(وليست العسكرية!) هناك مرحلة لحكومة وحدة وطنية توحد مؤسسات البلاد ثم تسير بها للانتخابات، والاستفتاء على الدستور...

• ليبيا تحولت الى ساحة بيد القوى الخارجية فلو توضحين اكثر حقيقة الصراع الدائر بين القوى الخارجية المؤثرة في الملف الليبي خاصة فرنسا وايطاليا وما يتبعهما ومن يدير الأزمة الليبية اليوم ؟
يمكن القول ان الصراع الموجود اليوم في ليبيا في مبتدئه وأصوله هو صراع تاريخي - سياسي - اقتصادي بين عديد الأطراف الخارجية، فلا ننسى ان ايطاليا وفرنسا استعمرتا وأدارتا ليبيا لما تجاوز العقدين في القرن العشرين، وقبلها بينهما نزاع أوزو الشهير، بل أن فرنسا -ولئن أعلن عن استقلال ليبيا في سنة1951 ، لكنها كإدارة استعمارية لم تغادر جنوب ليبيا إلا عقب ذلك بسنوات جرت خلالها مفاوضات عسيرة لأجل ذلك(1956) ،ولاحقا حازت ايطاليا وفرنسا مشاريع عقود طويلة الأجل في حقول النفط والغاز الليبي ،وتظل أطماعهما في توسيع رقعة حيازة مايمكن استثماره مما تضمنه ليبيا من مخزون نفطي ومعدني وموراد مستدامة . ولعلنا لم نشهد مواجهة دبلوماسية على مستوى حكومي رئاسي حاد بينهما كما شهدها عقد الثورة الليبية ومابعدها . وفي الصراع الليبي كان لهما موقفهما المعلن والخفي فقد اصطفت ايطاليا داعمة ومساندة بكل قواها السلمية والمسلحة الى جانب حكومة الوفاق ، وبالمقابل فعلت فرنسا ذلك مع قيادة الجيش الليبي .ولاغرو أن هذا الصراع وصراعات أخرى ألقت بظلالها الناجزة على الوضع الليبي ،فأكثر المواجهات الأقليمية والدولية اتخذت ليبيا كساحة لها في ظل حروب تخاض بالوكالة تدار بينهم، تولتها أطراف الازمة الليبية نيابة عنهم والتهب سعيرها ودفع المدنيون ثمنها من أرواحهم وممتلكاتهم في ظل اوضاع معيشية صعبة.

• اذن ما مستقبل الدولة المدينة بعيدا عن حكم المليشيات ؟
المليشيات والجماعات المؤدلجة خطر يهدد كل أنحاء البلاد وليس من السهل القضاء على فعلها في المنظور القريب خاصة مع انعدام خارطة دولية تساعد الليبيين في ذلك ،وكأن قوى بعينها ترغب في بقاء هذا التهديد مستشريا منذ تدخل الناتو في مارس 2011 ،في مقابل توزيع وانتشار السلاح الذي وظفه النظام لصالح بقائه بإشعال فتيل الحرب الأهلية ،كما انتشر السلاح من ليبيا الى مناطق وجماعات ارهابية متطرفة، ونحن نعلم تجارب شعوب مرت قبلنا بهكذا «بلاء» استشرى بوجود جماعات وتجار السلاح وشراء الذمم التي تجعل من الجريمة المنظمة عنوانا لها . وقد أُعلن مؤخرا أن هناك مايقارب العشرين مدينة ليبية تشهد استقرارا يؤهلها للخوض في مشاريع تنموية كل حسب معطياتها ومواردها المتوافرة ، لولا مؤشرات الفساد المستشري الذي كشفت عنه ملفات مؤسسة رقابة ومكافحة الفساد بالعاصمة والمبعوث الأممي غسان سلامة . وقد خاض الليبيون تجربتهم السياسية الاولى ديمقراطيا سنة 2012 في انتخابات برلمانية رغم تحدي التطرف والارهاب ،(فمدينة بنغازي تمثل نموذجا لذلك فقد جرى اغتيال الناشطة الحقوقية سلوى بوقعيقيص بعد ساعات من الادلاء بصوتها ،كما تم اغتيال الناشطة السياسية الليبية فريحة البركاوي في السابع عشر من جويلية عام 2014 ). لقد جرت وباشراف دولي انتخابات 2014 البرلمانية ،ولجنة الدستور وكانت صناديق الاقتراع تفرز أصوات بأغلبيتها لتيار مدني ما سجل مفارقة ديمقراطية عما حازته أغلبية أصوات التيارات الاسلامية التي نجحت حينها في مصر وتونس . وفي المنظور وليس من قبيل التفاؤل فان هناك مطالبات شعبية على الأرض تنادي اليوم بقلب صفحة هذا البرلمان والحكومة ،والمجلس الأعلى . وما تم التواصل اليه في مشاورات ملتقى الحوار الذي رعته البعثة الاممية على مستوى الجغرافيا الليبية سيظل مطلبا صارخا لدى كثير من الشرائح الليبية تطالب بالعودة للمسار السياسي وعقد ملتقى جامع للأطراف الليبية الفاعلة والمؤثرة لتحقيق ذلك .

• ماذا عن ملف المهاجرين خاصة ان ليبيا تتعرض اليوم لضغوطات خارجية بهذا الشأن ؟
كان التصريح الاخير للسيد غسان سلامة بخصوص ملف الهجرة غير الشرعية فاضحا لأزمة مفتعلة خلقتها أطراف أوروبية تخلت عن أدوارها وتركت ليبيا تتقاذفها الرياح . فما اشار اليه القضاء الليبي وما أعلنه الاتحاد الأوروبي يؤكد أن هناك تواطؤا بين مليشيات مسلحة تسترزق بملف المهاجرين مع دولة أوروبية . وهذه الدولة تارة تنادي بالتوطين وجعل مدن الساحل الليبي - والتي هي معبر فقط للمهاجرين- معسكرات لجوء وايواء ،وتارة تهدد بشكوى تجاوزات وانتهاكات وتقصير من حكومة الوفاق. مما يظهر تناقضا في رؤيتها لعلاقة ليبيا بمشكل الهجرة . رغم اعتراف الاوروبيين بالظروف والأوضاع الهشة والدولة الفاشلة والعميقة التي تغرق فيها ليبيا وتمثل ذلك بضعف امكانيات حرس السواحل والانقاذ. ولعل ليبيا هي البلد الوحيد -وسط المتغيرات في المنطقة- الذي كان نزوح أهلها داخليا وفق ماسمحت به الجغرافيا. فكان نزوح الليبيين بين المناطق الداخلية في بلادهم سواء في الشرق او الغرب . في حين ان هجرة الليبيين للخارج ظلت محدودة بالنسبة الى بلد يعيش حربا مدمرة وقياسا الى حالات هجرة ونزوح ظلت عناوين بارزة في وسائل الاعلام العربية والغربية عُدت بالألاف بل وصلت مليونية في سوريا واليمن وقبلها العراق ،واليوم وحسب اعلان سلامة بالخصوص فان هناك عمالة اجنبية ترغب في العمل بليبيا وتهاجر وتصل اليها بهذا الغرض. وقد سجل تراجع كبير في نسب الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا بعكس ما يروج في عديد التقارير.

المشاركة في هذا المقال